المواطن/ كتابات – فهمي المقبلي
ساهم في الحركة الأدبية اليمنية، نظم الشعر وهو في الخامسة عشرة من عمره، عمل في التربية والتعليم وتقلد عدة مناصب حكومية آخرها وزيراً مفوضاً في سفارة الجمهورية اليمنية في أثيوبيا، انتقل إلى رحمة الله في يناير 1991م، من أهم دواوينه وحي الوطن ومن الوجدان.
إنه شاعر اليمن محمد سعيد جرادة.
نظم جل قصائده بالرومانسية كما في قصيدته الهمزية التي تهيأت لتمزيق الظلام كقوله :
دنياك يابن الشعر حلم لم يجد
في الأرض مرماه فأمّ سماء
جعلت لك الآلام أعظم مصدر
يهدي لك الإلهام والإيحاء
التزم العمود الشعري والقافية كما التزمها الزبيري، استجمع جرادة أشلاء الماضي واستلهم الحياة المعاصرة ودخل المجتمع من أكثر أبوابه وعاد وفي يديه (وادي الخطايا) (ونماذج من الناس) فإذا كان الزبيري يمتاز بحرارة نضال الاستبداد فإن جرادة يشاركه بحرارة نضال الاستعمار، وينفرد جرادة بمزية كبرى هي أن المرحلة الوسطى من شعره صورة صادقة لمجتمعه وهذا يرجع بالبحث إلى أطور جرادة.
بدأ جرادة حياته الشعرية باستبطان الذات وتمجيد الألم وتقديس الطبيعة كشعراء المهجر ومدرستهم في الشرق ونظر لشعره الرومانسي الفلسفي الجمالي الكوني الذي يقول فيه :
يارفيقي متّع العين بأضواء الشروق
قف معي في معرض الكون بسمّار أنيقِ
هذه الشمس أطلّت مثل فصًٍّ من عقيقِ
وجرى الجدول تحت الدوح كاللحن الرشيقِ
وتغنّى صادح الطير على المرج الوريقِ
وتهادت نسمة عذراء كالحلم الطروقِ
همسها بين الربى همس محب لعشيقِ
منظر طاب كما طابت مودات الصديقِ
في هذه الأبيات يبدو أن الشاعر جرادة تأثر بالفلسفة الكونية لجبران كما قال البردوني:
إن الشاعر جرادة في نصه الشعري يارفيقي متع العين بأضواء الشروق تأثر بالفلسفة الكونية لجبران خليل جبران أو بالفلسفة الثورية لأبي القاسم الشابي ويبدو أن مرحلة الرومانسية الخالصة في شعر (جرادة) قصيرة العمر.
جرادة تناول نماذجه من المجتمع مباشرة كالروائيين، على أنه في اجتماعياته لم يخلص من الرومانسية الذاتية نهائياً. وإنما بقيت منها رواسب جيدة ربطت الحس الذاتي بالموضوع الاجتماعي الثوري وهذا الالتقاء بين الذاتية والموضوعية يثمر أجمل الفنون إذا اكتملت الأصالة، فجرادة هنا هو المتحدث وهذا النموذج هو موضوع الحديث:
يمّمت يوماً دار ذي مالٍ
وذي جاه عريض
فوجدته متربّعاً عرشاً
من الوهم الغريض
وسمعته يهذي
وناظر كل مستمع غضيض
يتوافدون إليه في ضعةٍ
وفي ذل بغيض
فطويت كفي لم أصفّق
وانصرفت عن المريض
شعر جرادة الاجتماعي واقعي وصدوق ونضالي بأتم معنى النضالية ولجرادة نضاليات كثيرة منها:
أرى عدناً تغلي من الحقد مرجلاً
ويوشك ان يجتاحها أيّ تيار
ويمكن تقسيم شعر جرادة إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: الرومانسية.
المرحلة الثانية: الاجتماعية.
المرحلة الثالثة: المرحلة النضالية وهي ذات جانبين، نضال الاستعمار ونضال عملاء الاستعمار، فقصائد المرحلة الأولى الرومانسية (ليلة حسناء) و (قلب امرأة ) و (كأس وحبيب) وقصائده الاجتماعية (نماذج من الناس) ومن (من جهنم) و (لقاء) ونصوص جرادة بظواهرها تمثّل لقاءات حسية وتجارب عملية لكن الشاعر الموهوب يصور مالم يقع تصوير الواقع الملموس أو إخبار عن الواقع الذي لم يقع.
وانظر إلى قصيدته الغزلية «كأس وحبيب» ما أروعها:
ياحبيباً رقدت أجفانهُ
وتراخى جسمه فوق ذراعي
قم فهذا الليل يدعونا الى
سمر يحلو وخمر وسماع
فكان لقاء جرادة هنا قصير واللقاء القصير فيه المتعة ويهيّج الذكرى ويثير الحنين إلى اللقاء مرة ثانية.
جرادة شاعر عملاق بحجم الوطن، غنى قصائده الثورية والعاطفية العديد من الفنانين الكبار أهمهم الفنان الراحل محمد مرشد ناجي (المرشدي) يحق لنا وليمننا أن نفخر بشاعر عظيم، خالد بأشعاره واسمه المنقوش في حيطان قلوبنا وصفحات عقولنا إنه الشاعر محمد سعيد جرادة ..«شاعر النضال في اليمن».
صورة نادرة تجمع محمد سعيد جرادة والفضول والبردوني والمرشدي