المواطن نت- أمين المقطري
الديمقراطية كلمة مرة، والحديث عن الزميل والصديق عبدالحبيب سالم أكثر مرارة وأكثر وجعاً وألم.
كنت لا أرغب في الحديث عنه في هذه المناسبة أو غيرها لأني عندما اتذكره اتذكر فاجعة وفاته التي نزلت علينا اشبه بكارثة ألمت باليمن، وعندما أقول علينا لا اقصد زملائه ومعارفه وقرأئه بل عن ملايين اليمنيين الذين كانت مقالاته تنفخ فيهم روح الأمل، روح المقاومة للعبث بمقدرات البلاد و تضيئ أمامهم وفي عقولهم الدهاليز المظلمة للقوى المتحكمة بالبلد وتفضح منطلقاتهم وغاياتهم.
أنا اليوم اتكلم امام هذا الحضور الذي يمثل فيه الشباب عدد كبير وهم الذين لم يعيشوا مرحلة الصحافة الورقية فقط،
إذ لم يكن في أيام فقيدنا وسائل تواصل اجتماعي أو منصات كما هي اليوم ولا قنوات فضائية تتناول أخبار البلد بالخبر والتحقيق لتكشف للناس مايجري في البلد، كانت الصحيفة الورقية فقط وعليها قنوات رقابة لا حدود لعملها.
عبدالحبيب سالم ابتداء من صحيفة الجمهورية بتعز كصحفي، ثم مديرا للتحقيقات فيها، وبالرغم من كونها صحيفة حكومية مهمتها تمجيد الحاكم وموظفيه إلا أن عبد الحبيب سالم ومعه عدد من الزملاء ومنهم الأستاذ عبدالله سعد رحمة الله تغشاه و عز الاصبحي أطال الله في عمره رفعو سقف النقد فيها إلى درجة كبيرة قبل الوحدة واشهرو الصحيفة ….
بعد قيام الوحدة تحولت الجمهورية من صحيفة إلى مؤسسة صحفية مستقلة بعد أن كانت قبلا تتبع مؤسسة الثورة للصحافة والنشر إلا أنه وبسبب قلمه الناقد لم يجد نفسه في المكان المناسب في هيكل المؤسسة والصحيفة فتحول للكتابة في صحيفة صوت العمال التي كانت تصدر من عدن وتتبع الاتحاد العام لعمال الجمهورية في الجنوب وكان سقفها مرتفعاً بمستوى ما مقارنة بصحف الدولة، لكنه ابتداء بكتابة مقالات جريئة جداً ما كانت الصحيفة قادرة على نشرها لو لم تكن مدعومة ومحمية من الحزب الاشتراكي الذي بدأء الخلاف بينه وبين شريكه في الوحدة المؤتمر الشعبي يتسع ويصبح ملموساً عند الجميع ومحل اهتمام كل الناس.
عندما ابتداء الكتابة في صوت العمال ارتفع عدد قرائها إلى مستوى كبير جداً لم تستطيع مطابعها تغطية حاجة السوق لها، كانت حصة تعز منها 40000 الف نسخة وصنعاء اكثر و…. وكانت كل الاكشاك والمكتبات تلجاء الى تصوير مقال عبد الحبيب سالم الاف الصور وتبيعها بعد انتهاء اعداد الصحيفة ويقبل عليها الناس بشغف غير مسبوق.
عموماً أنا تعرفت عليه في بداية عام 91 عندما التحقت بالمؤسسة وصار التوظيف لا يمر عبر الأمن الوطني كما كان قبل الوحدة (انا لم يسمح لي الامن الارتباط بأي وظيفة حكومية قبل الوحدة) اشتغلت معه عن قرب أيام انتخابات 1993 والذي ترشح فيها مدعوماً من الحزب الاشتراكي.
طبعاً لم يكن منتمي للحزب الاشتراكي ولا لغيره من الأحزاب بل كان مستقلاً مثقلاً بهموم واوجاع الوطن ومن هذا التقدير دعمه الحزب إلى جانب عدد من الشخصيات المستقلة يومها .
في عملنا معاً في الحشد والتحضير وتوزيع اللجان والمندوبين للانتخابات كان رجلاً دقيقاً في مواعيده أكثر دقة من الحزبيين وكان علمياً وعملياً في تخطيط العمل وترتيب المهام حتى تحقق له الفوز.
بقيت كلمة أخيرة عنه أنه بقدر ما شكل حضوراً كبيراً على مستوى الوطن ويحضى باهتمام ورعاية الكثير من الناشطين السياسيين ورجال الأعمال بالقدر الذي ظل فيه رجلً بسيطاً متواضعاً وهادئاً ومبتسماً لدرجة لاتصدق معها أن هذا الرجل هو الذي يثير الشارع والاحزاب، الاصدقاء والخصوم ورجال السلطة بمقالاته ويتعرض للكثير من المحاولات التي تستهدف أمنه وتستهدف حياته.
كان يعمل كمؤسسة متكاملة في التواصل والعلاقات العامة وجمع المعلومات وتحقيقها قبل كتابة مقالاته بحيث لا يظهر هناك من يكذب معلوماته وكانت لديه قدرة عجيبة ومصادر دقيقة في تزويده بالمعلومات والانتخابات كشفت أن لديه انصار قياديين في المؤتمر الشعبي تمردوا على قيادتهم واشتغلو في الحشد لصالح عبدالحبيب سالم.
اكتفي بهذا القدر
ورحم الله عبدالحبيب سالم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ألقيت هذه الكلمة في فعالية إحياء الذكرى التاسعة والعشرين لرحيل الصحفي والسياسي عبدالحبيب سالم، في محافظة تعز يوم الخميس المنصرم.
ويعد عبدالحبيب سالم، صاحب الحضور التاريخي في النصف الأول من عقد التسعينيات، صحفياً وكاتباً شهيراً في تلك الفترة وبرلمانياً معارضاً قبل أن يقدم استقالته ويرحل عن عمر مبكر في ظروف غامضة في الـ 22 من أكتوبر 1995.