فهمي محمد
كان أول كتاب قرأته في صغري – لمحات من تاريخ العالم – الكتاب ملك الرفيق عبدالسلام مهيوب هزاع، أما مؤلف الكتاب هو “جواهر لآل نهرو” مفكر وسياسي مسطور بحبر الوطنية في ذاكرت الشعب الهندي حتى اليوم وسيظل حتى قيام الساعة.
صحيح أن الكتاب في رحلة الإعارة من شخص لآخر لم يعد حتى اليوم إلى صاحبه، لكن قراءة الكتاب صنعت في داخلي إنسانا ممتنا يندفع لتقبيل رأس صاحب الكتاب كلما التقيت به.
الكتاب هو تجميع للرسائل التي كان يكتبها نهرو من السجن إلى ابنته انديرا غاندي، وهي رسائل مختصرة عن الثورات والكفاح، وعن النظريات والصرعات والاستعمار.
ما جعل ذكر هذا الكتاب مدخلا لهذا المقال أنه في رسالته، التي كتبها عام 1931م تحت عنوان هدية العام الجديد، قال نهرو “إن قراءة التاريخ أمر حسن، ولكن الأفضل منه أن يُساهم المرء في صنع التاريخ”، في اعتقادي أن ما ذهب إليه هذا الاستثنائي في رسالته لابنته لم يكن مجرد توصيف مثلي لما هو أفضل للمرء، بل هو تعبير عن إدراك القائد السياسي للدور المناط به تجاه شعبه ووطنه في أهم المنعطفات التاريخية التي تتطلب مسؤولية وطنية وتضحيات شجاعه.
رحلة الحج إلى السجون «كما يسميها» لم تكن لتحدث، لو لم يكن نهرو قائداً لشعبه المتطلع للحرية، وهذا يعني أنه من موقع القيادة السياسية أدرك أنه معنيٌ بصنع تاريخ سياسي ستظل صفحاته مفتوحة على أسئلة الأجيال القادمة، لهذا صنع التاريخ وتحوّل إلى أحد عمالقة القادة المرموقين في العالم، وأحد أبرز مؤسسي “دول عدم الانحياز”.
أسئلة الأجيال المتعاقبة عن دور القادة، الذين ساهموا في صناعة حاضر الأجيال سلباً أو إيجاباً، هي الأسئلة التاريخية التي نقصدها في عنوان المقالة، وبخصوص ذلك أتساءل: هل أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، من موقع القيادة السياسية والمسؤولية الوطنية تجاه الشعب اليمني، وفي هذا المنعطف التاريخي، يدركون أن الأسئلة التاريخية عن دورهم قد أصبحت مطروحة على طاولة اليوم، قبل أن يتم طرحها على طاولة المستقبل من قِبل الأجيال القادمة؟!
وأن هذه الأسئلة بقدر ما هي أسئلة متعلقه بدورهم السياسي والعسكري تجاه المستقبل الذي يجب أن يكون في اليمن، بقدر ما أن طرحها سيكون دائما وابدا بمعيار الفكرة الوطنية، الأمر الذي سيجعل وجودهم في ذاكرة اليمنيين إما مجرد لعنة تاريخية حلت باليمن، أو أعلاما تاريخية ورموزا وطنية وقادة صنعوا صيرورة التاريخ السياسي في اليمن.
ومع أن مخرجات مجلس القيادة الرئاسي في اليمن قد تحوَّلت إلى حيثيات تُؤسس للمنطوق الأول على حساب الثاني، إلا أن الوقت مازال سانحا لتمكين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي من خوض معركة الأدلة الوطنية التي تبيض وجوههم، وتغيير منطوق الحكم عليهم، ربّما هذا سيكون من حسن حظهم بعد أن تناسخت الأسئلة التاريخية عن دورهم السياسي والعسكري بشكل مخيف، وأصبحت قابلة للتداول السياسي بين اليمنيين في ذكرى تأسيس المجلس بشكل يجعل المجلس علامة استفهام سلبية، تجعل المجلس ميئوس منه في مسألة خوض معركة المستقبل بدلا من أن يكون في نظر الكثيرين علامة وطنية فارقة في تاريخ اليمن.
قبل الحديث في صلب الأسئله التاريخية يجب أن يدرك هؤلاء الثمانية أن قبول الكثيرين من اليمنيين لمسألة انتقال سلطة الشرعية من الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى مجلس القيادة الرئاسي، وعدم معارضة هذا الانتقال السياسي من قِبلهم حتى وإن بدا في حقيقة الأمر معارضا يومها لمفهوم الشرعية التي كانت بالأساس هي شرعية التوافق السياسي الوطني، وحتى للدستور والمرجعيات المتفق عليها، إلا أن قبول ذلك كان راجعا إلى ثلاثة أسباب، بدت مقبوله بمنطق الضرورة والبحث عن الممكن في متاهات الفشل الذي أحاط بالشرعية، وذلك على النحو الآتي:
السبب الاول: يكمن في حاجة اليمنيين إلى قائد سياسي للشرعية يطل عليهم بشكل مباشر، ويكون موجودا داخل اليمن، ويخوض بهم معركة استعادة الشرعية والانتصار لمستقبل الدولة، بعد أن تم تطويق حركة الرئيس عبد ربه منصور هادي في الرياض، وتغيُب حضوره السياسي المباشر من قِبل سلطة المملكة العربية السعودية، وإذ كانت هذه الأخير، لأسباب خاصة بها، قد أصبحت لا ترغب بالحضور المباشر لهادي أو عودته إلى العاصمة الموقته عدن فإن منطق الضرورة يقول بجواز نقل سلطة الرئيس هادي.
السبب الثاني: طبيعة الدعوى إلى مؤتمر الرياض، لاسيما وقد كانت موجَّهة لحضوره معسكر الشرعية فقط، وليس لحضور ممثلين عن الشرعية والانقلابيين، وهذا الأمر جعل الكثيرين من اليمنيين يعتقدون أن مؤتمر الرياض وحتى مخرجاته السياسية تأتي بصدد التوجّه الجاد للمملكة العربية السعودية المتعلق بمراجعة سياستها في اليمن، ومعالجة أسباب الإخفاقات التي تخللت معركة المواجهة مع الحركة الحوثية.
بمعنى آخر، حتى لو تحدثنا بمنطق المصالح السعودية البحته، كان تحليل المعطيات السياسية والعسكرية يقول أثناء عقد مؤتمر الرياض إن الإخفاقات والممارسات التي أعاقة معركة الانتصار العسكري على الحركة الحوثية منحت الوقت الكافي وطول العمر للحركة الحوثية، في حين أن هذا الوقت الممنوح عبثا للحركة الحوثية مكَّنها من الحصول على الصواريخ الباليستية، وعلى سلاح الجو المسيَّر من حليفتها المخلصة “إيران” بعكس الشرعية التي بدت ضعيفة وفاقدة للقوة .
وفي المقابل إذا كان هذا السلاح قد وجهته الحركة الحوثية كفعل إستراتيجي نحو ضرب عُمق المملكة العربية السعودية بدرجة أساسية، واستهدافت به مصالحها النفطية الكُبرى، أكثر من ضرب عُمق الشرعية في الدّاخل اليمني، فإنه من الطبيعي أن تعض السعودية أصابع الندم، وتفكِّر بالانسحاب من معركة التدخل العسكري الجوى، لكن عدم التدّخل لا يعني تسليم اليمن للحركة الحوثية، بل يعني ذهاب السعوديه لترميم الشرعية، وتحويلها إلى سلطة سياسية قوية في الداخل اليمني، الأمر الذي جعل من مسألة انتقال سلطة الشرعية من قيادة الرئيس هادي إلى مجلس القيادة الرئاسي تبدو وكأنها في سبيل إيجاد سلطة سياسية قوية توحِّد الشرعية اليمنية، وتجمع شتاتها السياسي والعسكري الذي انعكس في واقع الحال صوب مصلحة الحركة الحوثية وجعلها حتى في نظر الخارج سلطة موحده على مستوى القرار والقيادة.
