تعز – نصر عبدالرحمن
في بلد قبلي محافظ ثمة قيود قانونية واجتماعية حرمة المرأة اليمنية بشكل صريح أو مبطن من ممارسة العديد من حقوقها، منها ممارسة الأنشطة والتدريبات الرياضية.
ومع ذلك تمكنت مؤخراً بإصرارها ونضالها الدؤوب من تحطيم بعض من تلك القيود، والشروع في ممارسة بعض الأنشطة والألعاب الرياضية، لكنها ظلت محدودة وحبيسة المحلية في إطار الدولة اليمنية أو محافظة من محافظاتها، ولم ترقى إلى المشاركة الخارجية إلا فيما ندر.
وفي وقت تشهد فيه محافظة تعز جنوب غرب البلاد، جمودا رياضياً بشكل عام وفي قطاع المرأة بشكل خاص، افتتح مطلع شهر فبراير الجاري، أول نادي رياضي “cardio gym” كارديو جيم، خاص بالمرأة تملكه وتديره امرأة، يقدم للمرتادات عليه عدد من البرامج والتمارين الرياضية.
احتياج ذاتي
أكدت مديرة نادي “كارديو جيم” الرياضي الخاص بالمرأة في تعز، الأستاذة دينا المقطري، أن فكرة النادي جاءت نتيجة احتياج ذاتي في المقام الأول.
وأضافت في تصريح خاص لـ”المواطن”: “كنت وزميلتي مالكة المشروع نبحث عن نادي رياضي خاص بالنساء لممارسة تمارين اللياقة البدنية، وقد عانينا كثيراً في البحث ولم نجد نادي يستوعب احتياجنا.. دفعنا هذا إلى التفكير في إنشاء نادي رياضي نسوي بمواصفات عصرية يقدم خدمات رياضية وصحية للنساء في مدينة تعز”.
خدمات
وبحسب مديرة النادي، يقدم النادي برامج رياضية متنوعة أبرزها “برامج وتمارين رياضية لإنقاص الوزن، وبرامج أخرى لإكساب الوزن، وبرامج خاصة باللياقة البدنية وشد الجسم للنساء اللاتي فقدت الوزن بطرق غير صحية مثل برامج الريجيم القاسية”.
ومن برامج النادي بحسب المقطري، “برامج وتمارين خاصة بالنساء اللاتي يعانين من مشاكل صحية مثل ليونة العظام وهشاشة العظام والانزلاقات الغضروفية، او النساء اللاتي يعانين من احتكاك في الرُكب والمفاصل”، مشيرة إلى أن النادي يقدم أيضًا “خدمات خاصة للنساء اللاتي يعانين من الضغوط النفسية عن طريق الأنشطة الرياضية والصحية”، بالإضافة إلى “خدمة الكوفي كورنر؛ الذي يقدم مشروبات صحية ساخنة وباردة وسلطات صحية وسناك “وجبات خفيفة” قبل وبعد التمارين وبحسب البرامج المصممة”.
تعزيز الثقافة الرياضية:
وأكدت دينا المقطري، أن من أهم أهداف النادي فضلًا عن كونه احتياج ذاتي هي “تعزيز ثقافة الرياضة والثقافة الصحية في أواسط النساء بصورة خاصة والمجتمع بصورة عامة، خاصة وأن الثقافة الصحية والرياضية بدأت تتنامى في العالم وفي الدول العربية وبالتالي نحاول من خلال النادي أن نواكب هذه التطورات”.
وقالت: “فالثقافة الصحية وممارسة الأنشطة الرياضية أصبحت جزء مهم من حياتنا ولا يمكن لأي شخص الاستغناء عنها”، مشيرة إلى أن “تعز بحاجة إلى أن تستعيد حياتها الاعتيادية وتعود كما كانت قبل الحرب؛ فالحرب عملت على انحسار الحياة المدنية؛ ونشاط النادي يصب باتجاه استعادة الحياة والنشاط الرياضي والثقافي”.
وتابعت “كما نهدف إلى تعزيز دور النساء في المجال الرياضي؛ وتغيير التصورات النمطية السائدة في المجتمع التي تعتبر الرياضة وكأنها مجال خاص بالرجال وهذا أمر غير صحيح.. فالنساء شريكات في كل المجالات ومن بينها المجال الرياضي”.
إقبال لافت
وشهد النادي ترحاب وإقبال لافت من قبل النساء في تعز، يعكس مدى الاحتياج إليه وإلى خدماته وممارسة الرياضة بشكل عام، تؤكد ذلك مديرة النادي بقولها: “عندما شرعنا بالإعلان الترويجي للنادي في مواقع التواصل الاجتماعي؛ لاقينا ترحاب وتفاعل وأصداء واسعة من قبل النساء.. وشعرنا بوجود حماس كبير من قبل النساء وهذا الأمر يشجعنا للمضي قدماً”.
وأضافت: “مستوى الإقبال جيد جدًا حتى الآن؛ خصوصًا وأن النادي هو الأول من نوعه في مدينة تعز ويقدم خدمات رياضية وغذائية صحية متميزة وبمواصفات عصرية، كما يتميز بوجود كادر نسائي يدير النادي ويتمتع بالخبرة والكفاءة، ويحتوي على آلات رياضية متنوعة وحديثة ووفق المواصفات العصرية”.
رضا واهتمام
وفي حديثهن لـ”المواطن” أكدت عدد من المتدربات في هذا النادي أنهن يمارسن الرياضة اهتمامًا منهن بصحتهن النفسية والجسدية، وتضيف لذلك المدربة في النادي الأستاذة رؤوفة بقولها: “هواية مفضلة وحب المعرفة بكل ما يتعلق بها”.
وعن مدى رضاهن بخدمات النادي قالت المتدربة أحلام القرشي “مستوى الرضا عالي كانطباع أولي ومقارنة بالنوادي الأخرى الموجودة في تعز من ناحية المساحة والخدمات”.
وأضافت إلى ذلك المدربة رؤوفة بقولها: “أرى أن هذا النادي هو أفضل نادي حالياً داخل تعز من جانبين؛ الأول: إن الآلات والأجهزة والخدمات والمكان بالذي فيه كنادي أفضل من أي مكان آخر .. والجانب الثاني: أن النادي مستعد لتوفير أي شيء ناقص متعلق بالرياضة وبما يحتاجه المكان كنادي”.
الوعي المجتمعي
ورغم تنامي الوعي المجتمعي أكثر من ذي قبل بحقوق المرأة ومنها حقها في ممارسة الرياضة بمختلف أنواعها، إلا أنه لايزال هناك من ينظر للمرأة بانتقاص ويحرم عليها الكثير من حقوقها بما فيها الرياضة، فقد أكد المواطن أكرم محمد ثابت، وهو شاب في الثلاثين من عمره في حديثه لـ”المواطن” أنه ليس مع فكرة ممارسة المرأة اليمنية للأنشطة الرياضة؛ مرجعا السبب إلى إنه في مجتمع محافظ والدين الإسلامي لا يسمح لهم بذلك، وقال: “كل شخص منا يغار على عاره وإن كان ﻻبد من ذلك عليها أن تمارسها مع زوجها وأولادها في البيت وليس في النوادي الرياضية حتى وإن كانت خاصة بالنساء”.
فيما المواطن فيصل العسالي، أكد في حديثه لـ”المواطن” على أن “الرياضة هي حق من حقوق المرأة الأساسية، ويجب على الدولة أن تلبي لها ذلك، وعلى المنظمات دعمها لكي تحصل على حقها كاملاً في هذا الجانب”.
وبهذا الصدد اكدت المتدربة لدى نادي كارديو جيم، أحلام القرشي، أن أسرتها القريبة داعمة لها في ممارسة الرياضة بل هي ممارسة للرياضة أيضاً، مشيرة إلى أن المجتمع بشكل عام لا ينظر للرياضة كأولوية أو أسلوب حياة مهم للصحة الجسدية والنفسية، بل ينظر لها ممارسة رفاهية لمن يملكون الوقت والمال حد قولها.
وأفادت المدربة رؤوفة بأن اسرتها وجميع أهلها متقبلين تماماً مهنتها كمدربة، بل ويفتخرون بها لأنها مهنة راقية وأيضاً إنسانية أولاً حد قولها، مشيرة إلى أن نظرة المجتمع لها وللنساء الرياضيات “نظرة استغراب وأحيانا استهزاء وأيضاً نظرة إعجاب يعني بشكل عام تختلف بحسب عقلية الأشخاص في مجتمعنا اليمني”.
وأشارت إلى أن الرياضة النسائية في تعز حالياً “بدأت بالانتشار والتوسع حيث تم افتتاح أكثر من نادي بتجهيزات بسيطة جداً، وفكرة الرياضة النسائية بشكل عام في تعز بدأ الناس بتقبلها والإقبال عليها وهذا شيء جيد يدل على بداية نضج الوعي الثقافي عند الناس بشكل عام”.
من جهتها قالت مديرة نادي كارديو جيم: “أما تقبل المجتمع فإلى الآن لم نجد آراء سلبية أو إيجابية لا يزال النادي في بداية مشواره”.
إهمال رسمي
وظهرت الرياضة النسائية في يمن الوحدة، عقب تخرج أول دفعة من الشرطة النسائية، في العام 2002م، لكنها ظلت مقتصرة على ألعاب محددة، مثل الجودو وتنس الطاولة وكرة اليد والطائرة والسلة والشطرنج، وظهرت أندية رياضية نسائية لكنها ظلت غير نشطة ومحدودة ومتركزة في العاصمة صنعاء وبعض المدن الرئيسة.
ومع إندلاع الحرب الدائرة في البلاد تجمدت تلك الأنشطة الرياضية، لتظهر قبل أشهر قليلة بعض الأنشطة النسوية البسيطة تركزت في العاصمة المؤقتة عدن، وفي بعض مدارس محافظة تعز.
وعن واقع الرياضية النسوية في تعز اليوم، والدور الرسمي فيه، أكد مدير مكتب الشباب والرياضية بالمحافظة ايمن المخلافي، لـ”المواطن” عدم وجود أندية رياضية نسوية وإنما يوجد اتحادات “اتحاد الرياضة النسوية”، موضحًا أنه لا توجد أندية خاصة بالمرأة لوجود أندية للشباب والفتاة واتحاد الرياضة النسوية يمارس نشاطه في الأندية، مؤكداً توقف اتحاد الرياضة النسوية بتعز عن النشاط جرى الحرب الدائرة مثله مثل بقية الاتحادات الرياضية.
وقال: “نحن الآن في صدد تفعيل الاتحادات على مراحل، المرحلة الأولى كانت كرة القدم والطائرة والسلة وكرة اليد، والمرحلة الثانية العاب الكاراتيه والجودو والتايكواندو، والآن قادمين على تفعيل اتحاد الرياضة النسوية، وقد بدأنا بتنفيذ أنشطة عبارة عن مسابقات في الشطرنج مسابقات في المدارس والجامعات، وخلال الفترة القادمة سيتم تفعيل اتحاد الرياضة النسوية”.
وأضاف بالنسبة لوزارة الشباب والرياضة هناك قطاع مستحدث “قطاع المرأة” وهو مهتم بأنشطة المرأة ورياضة المرأة وبرامج تمكينها وتفعيل دورها في المجتمع، مضيفا “لكن نحن نقيم برامج عدة للمرأة بالشراكة مع منظمات دولية ومحلية، وأيضاً برامج وانشطة للفتيات في الجامعات والمدارس”.
من جانبها نفت الرياضية أحلام، أن يكون هناك أي دور للدولة في مجال الرياضة النسوية بالمحافظة، وقالت: “أتمنى كما يتم دعم المرأة مادياً ونوعيا من خلال المساعدات والتدريبات أن يتم دعم أنشطة رياضية تفيد المرأة على المستوى الشخصي الجسدي والنفسي، وأيضاً على مستوى التأهيل لمسابقات رياضية نسوية مناسبة”، فيما أشار المواطن فيصل العسالي، إلى وجود بعض الممارسة الرياضية للمرأة بتعز، لكنها لا ترقى إلى المستوى العالي شانها شأن بقية الحقوق التي لازالت المرأة تطالب بالحصول عليها كاملة.
من جانبها قالت المدربة رؤوفة، بأنه لا يوجد أي دور للدولة في مجال الرياضة النسوية، مضيفة “وما اتمناه ان توفر قطاع خاص بهذا المجال او حتى مكان واحد بكل محافظة فيه كل ما يتعلق بالرياضة النسائية”.
هل يحقق القطاع الخاص للمرأة اليمنية ما لم تحققه الدولة؟
وفي الإجابة على هذا السؤال أكدت عدد من المتدربات في هذا النادي أن القطاع الخاص في حال اهتمامه بالرياضة النسوية فإنه يستطيع أن يحقق للمرأة اليمنية ما لم تحققه الدولة، ولو بتوفير الأماكن المناسبة لممارسة المرأة مختلف الأنشطة الرياضية فيها.
وبهذا الخصوص أكدت المدربة رؤوفة، أن القطاع الخاص يستطيع أن يحقق للمرأة اليمنية مالم تحققه الدولة، ولو بشكل بسيط، حتى وإن كان الهدف هو الكسب المادي، وقالت: “فعلى الأقل أن يوجد مكان خاص بالرياضة النسائية أفضل من ان لا يوجد على الإطلاق”.
بدورها أشارت مديرة النادي دينا المقطري، إلى أن “القطاع الخاص له دور كبير في دعم المرأة وخاصة في مشاريع التمكين الاقتصادي؛ ولكن فيما يتعلق بالرياضة النسوية لا يوجد حتى الآن بوادر اهتمام من قبل القطاع الخاص أو حتى الدولة؛ لأن هذه المسألة غائبة تماماً عن تفكير القائمين على هذه الجهات.. ومع ذلك نأمل أن يكون هناك دور للقطاع الخاص والدولة في دعم وتشجيع الرياضة النسوية”.
وهكذا تواصل المرأة نضالها القانوني والاجتماعي الدؤوب؛ لنيل حقوقها كاملة غير منقوصة مثلها مثل نظيرها الرجل، في بلد انهكته الحرب التي تدور رحها منذ سبع سنوات متواصلة ولا أفق تلوح للسلام بعد، ليبقى السؤال هل ستستطيع الإنتصار ومتى يكون ذلك؟.