تعز – عصماء منير
أضحت الحرب مساهمة في انتشار العديد من الأمراض، وسببًا في إعاقة الخدمات الطبية وآلية عملها للحد من انتشار الامراض، هكذا تبدو الصورة من نظر أخصائي الأورام الصلبة الدكتور أمين قاسم.
فيما يواجه مرضى السرطان البعيدين عن اهتمام المعنيين في المحافظة المحاصرة من قبل جماعة أنصار الله “الحوثيين”، يواجهون قسوة الجغرافيا والحرب التي ساهمت في زيادة آثار المرض حد قول أحد المرضى في مركز الأمل لعلاج الأورام في محافظة تعز.
بحسب إحصائية حديثة لمركز الأمل لمرضى السرطان هناك أكثر من 9870 شخصـًا من المصابين بمرض السرطان المقيدين لدى مركز الأمل، منهم 7397 يتلقون العلاجات المخصصة أو يحتاجون لها إن صح التعبير وحين نتحدث عن العلاج فإن المشكلة تتجلى في حسرة القائمين على المركز وملامح المرضى والمعاناة التي يواجهها الآلاف منهم نتيجة عدم توفر الجرعات العلاجية وتحديدًا “الكيميائية”، وهذا ما تؤكد عليه إدارة المركز.
رئيس قسم التموين الطبي في مركز الأمل الدكتورة فتحية حسن تتحدث عن المشكلة الرئيسية في نقص الأدوية المضادة للخلايا السرطانية بالقول: “الحرب حالت دون وجود الوكلاء ومن كان يتعامل معهم المركز داخل مدينة تعز؛ لتوفير الأدوية الكيميائية التي غالبًا ما يتم استيرادها من دولتي الهند وتركيا، ناهيك عن المصاعب التي خلّفها تراجع الاستيراد العام وإغلاق الموانئ ومعوقات حركة النقل من المحافظات الأخرى إلى محافظة تعز نتيجة الحصار، الأمر الذي يطيل زمن وصول الأدوية إلى المدينة بل قد يستغرق بعضها أكثر من شهرين وقد يستغرق وصول الموت أقل من ذلك”.
وفي هذا الخصوص يؤكد الدكتور عارف القدسي المدير التنفيذي لشركة الفواصل للتجارة العامة التي تعتبر أحد الوكلاء الذين يعتمد عليهم المركز في توفير الأدوية الكيميائية، أن تأخير وصول العلاج هو بسبب صعوبة عملية الشحن من الخارج إلى اليمن، حيث قد تصل الفترة إلى أكثر من ثلاثة أشهر حد قوله، ويضيف: “المسبب الأكبر لعملية التأخير هو توقف الشحن الجوي الناتج عن عملية توقف الخطوط الجوية اليمنية إلا فيما يخص المسافرين”.
الدكتور عبد العزيز القدسي مدير فرع شركة الفواصل للتجارة العامة في صنعاء يشير إلى الجهود التي تبذلها الشركة في سبيل توفير العلاج بأقصى سرعة، ويصف أسباب التأخير باللاإرادية لأن ذلك يرجع إلى توقف الخطوط الجوية، والمسافات التي يحتاجها النقل البديل عبر البر والبحر.
آثار السفر إلى صنعاء
نقص العلاجات الكيمائية في المركز الوحيد بمحافظة تعز يجبره، كما تقول رئيس قسم التموين، على إرسال بعض الحالات إلى العاصمة صنعاء شمال اليمن حيث يتم حاليًا إرسال ما بين 30 إلى 34 حالة مصابة بسرطان “الثدي” وهو أحد أنواع السرطانات التي تحتاج إلى علاج الـ”هيرسبتين” كجرعة لكل واحد وعشرين يومًا.
سفر المريض من محافظة تعز إلى صنعاء يحتاج لأكثر من 15 ساعة على الأقل في ظل الحصار المفروض على المدينة، “المسافة الطويلة ووعورة الطريق يجعلان من أي مسافر عرضةً للتعب والإرهاق بل قد يصل الأمر إلى ان تسوء حالته الصحية، فكيف يتحمل ذلك من هم مصابون بمرض السرطان” تضيف حسن.
سؤال أبانت إجابته مرافقة أحد المرضى، وهي تسرد “أصناف المعاناة التي يتجرعها المريض وأسرته من وضعٍ أمني وتكاليف السكن والمرض والتنقل وغيرها من الاحتياجات التي تتضاعف مع السفر لتضاعف حجم البؤس والمأساة”.
وتضيف أخرى فضلت عدم ذكر اسمها، وهي مرافقة لإحدى مريضات سرطان الثدي في المركز: ” مخصصات السفر التي يتم الحصول عليها من المركز لا تتجاوز مبلغ ١٥٠ ألف ريال يمني بالعملة الجديدة، مبلغ لا يكفي لمواصلات السفر، ولا لتوفير السكن، والاحتياجات الكثيرة للمريض ومرافقه في صنعاء التي يُمنع فيها التعامل بالعملة الجديدة”.
توفر بعض الأدوية في صنعاء دونـًا عن محافظة تعز يرجع إلى كون المنظمات الأممية كالصحة العالمية تقدم مساعداتها المحدودة وتقوم بإيصالها إلى العاصمة صنعاء ومنها يتم إرسال حصة تعز كما تفيد الدكتورة فتحية حسن.
ضريبة التأخير
وكما أن للأدوية الكيميائية فوائدها وإيجابياتها فإن تأخرها يعني عدم الالتزام بالخطط العلاجية ما ينتج عنه انتكاسة في صحة المريض، ويلجأ الأطباء للبدائل المستخدمة كأدوية ذات جودة أقل للحد من انتشار الخلايا السرطانية في الجسم في حال تأخر العلاج الكيميائي ذي الجودة الأعلى، لكن تلك البدائل لا تحقق الفائدة بالشكل المطلوب بحسب الدكتور أمين قاسم أخصائي الأورام الصلبة.
“عدم توفر الدعم الكافي واللازم في الوقت المناسب يجعل المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان عاجزة عن توفير الأدوية الكيميائية لجميع المرضى في الوقت المناسب، ما يجعل الالتزام بالخطط العلاجية وتقديم الرعاية الصحية وفق المعايير العالمية التي غالبا ما يؤدي الالتزام بها إلى ارتفاع نسبة الشفاء، غير ممكن”، يوضح الدكتور مختار المخلافي مدير المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان في محافظة تعز.
ويضيف المخلافي: “التأخر عن المواعيد المحددة للخطط العلاجية قد يؤدي إلى أعراض جانبية تؤثر على صحة المريض، فتُضعف استجابة المريض لفاعلية أو أثر الخط العلاجي الأول وتنقله إلى خط علاجي آخر وبكلفة عالية ما يزيد من معاناة المرضى وزيادة النفقات”.
معونات دون مستوى الاحتياج
الدكتور محمد عبدالله مدير إدارة التموين الطبي في مركز الأمل يقول إن “مشروع شفاء التابع للمؤسسة الوطنية لمكافحة الأورام بصنعاء يقدم مساعدات لمركز الأمل بنسبة تغطي 13% من احتياج المركز للأدوية الكيمائية، إضافة إلى ذلك فإن هناك معونات علاجية تصل إلى المركز ولكن بعضها أو أنواع منها تصل بكميات لا يحتاجها المركز، ولا يستطيع تبادلها مع مراكز أخرى كون جميع المراكز تأخذ ذات النوع من العلاج”
عملية التنسيق غير موجودة بين المركز والجهات الداعمة، وما يحتاجه مركز الأمل بكثرة من الأدوية، لا يحصل عليه بالنسبة المطلوبة في حين أن الأنواع قليلة الطلب والحاجة تصل بكميات مضاعفة.
الدعم الذي يتلقاه الأمل
التدخلات التي يحصل عليها مركز الأمل من الأدوية والدعم المادي تتمثل بتبرعات ومساعدات من جهات خاصة إضافة إلى ما يصل عبر مشروع شفاء، ومنظمة الصحة العالمية، أما الحكومة فهي الغائب الأكبر في دعم المرضى والمركز الذي يعاني إلى جانب نقص الأدوية الكيميائية من صعوبة في توفير الأشعة المقطعية ومستلزمات الكشف عن المرض وتشخيصه السبب الذي يؤخر اكتشاف المرض من جهة ويدفع بالمركز إلى إرسال بعض المرضى إلى بعض المستشفيات في المدينة ما يسبب التعب لهم، ويؤخرهم عن العلاج في وقته المحدد كما يقول أخصائيون في المركز.
مدير مكتب الصحة الدكتور راجح المليكي يقول من جهته إن “دعم مكتب الصحة للمركز يقتصر على إمدادهم بالكوادر الصحية باعتباره مرفق من المرافق الصحية بحسب الاتفاقيات التي بين المكتب ومركز الأمل، وإمداد المركز بالأدوية والمستلزمات الصحية عند الحصول عليها وتُعطى نسبة المركز منها بحسب خطط التوجيه للتموين الطبي، كما أن المكتب يقوم بعملية التنسيق بين المركز والمنظمات الدولية كالصحة العالمية والصليب الأحمر لدعمهم ببعض الوقود”.
المريضة منى محمد، التي داهمها سرطان المعدة، تقول إن مركز الأمل يقدم لهم، أي لها ورفاق المعاناة من مرضى السرطان في المركز، ما بوسعه، ولكن نقص الأدوية أو تأخرها أحيانًا يفرض نفسه كمشكلة معقدة على المركز، داعية الجهات المعنية والداعمين والمتبرعين إلى مساندة المركز في توفير العلاجات ومواجهة هذا المرض القاتل الذي بدأ مؤخرًا في الظهور بشكل مخيف في المحافظة نتيجة الأوبئة المنتشرة ودخان المواد المتفجرة والقذائف وغيرها من المسببات، حد تأكيد أخصائيين في المركز.
ارتفاع منسوب مرضى السرطان وصعوبة انقاذهم أثر بعيد المدى للحرب في اليمن، في حين ان اهتمام الجهات منصبا أكثر حول التفاعلات الآنية.. يقول واقع الحال.
تم نشر هذه المادة بالتعاون مع مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي