تقرير/شعيب الحداد
منذُ عشر سنوات من الحرب الحوثية على اليمن، يعاني مئات ألآف المواطنين بمحافظة تعز، من تصاعد أزمة الكهرباء في ظل سيطرة المحطات التجارية الخاصة على القطاع، الأمر الذي فاقم من الأوضاع الحياتية والمعيشية لنحو 2 مليون مواطن تعطلت حياتهم في كثير من القطاعات.
حملات شعبية قادها صحافيون وناشطون ومواطنون، على مواقع التواصل الإجتماعي تحمل هشتاغ “تعز طافي”، بغرض لفت انظار المسؤولين لمعاناة المواطنين في مدينة تعز جراء توقف الكهرباء الحكومية، وخرجت الحملة بمظاهرات شعبية مطالبة بإعادة الكهرباء الحكومية إلى المدينة ما اجبر السلطة على الإستجابة لمطالبهم وبدء العمل على صيانة محطة كهرباء عصيفرة،
تحولت الحملة بعدها من تعز طافي الى “شتلصي بتكاتف الجميع” في إشارة إلى التكاتف المجتمعي مع السلطة المحلية لإعادة الكهرباء الحكومية بالمدينة، إلا أن التقاعس وغياب الإرادة حقيقية من قبل السلطة المحلية لإيجاد حل نهائي لمحطة عصيفرة ترك المواطنين في ملل مشيرين باصابعهم الى فساد متغلغل في السلطة المحلية بالمحافظة.
-إشاعات غير صحيحة
نائف الوافي صحافي من تعز، وهو أحد المبادرين لإطلاق الحملة الشعبية يقول، إنّ حملة “تعز طافي”، هدفت إلى إدخال النور لمدينة تعز بالكهرباء الحكومية، في ظل معاناة المواطنين من ارتفاع أسعار الكهرباء التجارية، التي وصل سعرها للكيلو وات الواحد إلى 1100 ريال، و70 ألف قيمة الاشتراك، بالإضافة إلى 2000 ريال اشتراك شهري.
ويضيف الوافي، أن الحملة المطالبة بعودة الكهرباء الحكومية، نتج عنها حملة عمل وصيانة داخل محطة عصيفرة لتوليد الكهرباء، وحملة تضامن شعبية واسعة، موكداً أن هناك نتائج إيجابية بعد بدء تدشين الصيانة والعمل داخل المحطة، التي كان يُقال إنها خارج الخدمة، وهي إشاعات غير صحيحة -وفق الوافي- إذ إن العمل في الصيانة في الفترة الاخيرة من العام الماضي قد نتج عنه تشغيل تجريبي لأحد مولدات المحطة بمقدار 5 ميجا وات.
فوزي محمد، مهندس فني الكهرباء في محطة عصيفرة منذ عام 1997، يقول، إنّ هناك خمسة مولدات تصل قدرتها إلى 14 ميجا وات، لكنها غير صالحة للعمل منذ 2003، فهي من فترة حكم الرئيس إبراهيم الحمدي لليمن.
أما المولدان الموجودان الآن واللذان تم تشغيل أحدهما تجريبيًّا والبدء بصيانته -بحسب فوزي- فتم توفيرهما في عام 2003، بعد تهالك المحطة الأولى، التي تكلف إعادة إصلاحها قيمة محطة جديدة.
ويؤكد فوزي أن المحطة تأثرت بفعل الحرب المستعرة بالبلاد، حيث تضررت خزانات وقود المحطة، وبعض الطلقات النارية بالمولدات، ومبردات المحطة، موضحًا: “عندما بدأنا بالصيانة عملنا على اصلاحات خفيفة، وشغلنا أحد المولدات قدرته 5 ميجا وات، تجريبيًّا؛ لكي تعرف السلطة المحلية أنها قادرة على العمل، بعدها بدأنا في الصيانة العمرية”.
وفي السياق ذاته، تشير تقارير محلية إلى ان هناك استغلالًا هائلًا لمولدات حكومية تم نهبها من مؤسسات وبنوك في المدينة، إضافة إلى العبث واستخدام شبكة الكهرباء العامة بشكل يخدم أشخاصًا محددين في السلطة المحلية والمؤسسة، وهو ما يخالف القوانين النافذة؛ وذلك للاستفادة من أرباحها وجني ملايين الريالات”.
-شكوى قانونية
من جهة اخرى تقول تقارير رسمية أن رئاسة لجنة الدفاع عن كهرباء تعز، والأمين العام للجنة التحضيرية لنقابة عمّال وموظفي كهرباء تعز، قد بدؤوا المطالبة بعودة الكهرباء في عام 2017، بعد توقف المحطة بسبب الحرب.
ويضيف التقرير، أن هناك صعوبات كانت تواجههم آنذاك، من قبل قيادات في السلطة المحلية وبعض القيادات العسكرية في المدينة، الذين بدَؤُوا لاحقًا في السماح بتشغيل الكهرباء التجارية عبر استخدام الشبكة العامة، بدون أي طرق أو إجراءات قانونية.
بعد تلك الصعوبات وما وصفه التقرير بـ”الفساد الحكومي”، قامت لجنة الدفاع عن كهرباء تعز، بالمتابعة عبر مكتب الشؤون القانونية بالمحافظة، وعبر نيابة الأموال العامة، ونيابة المخالفات، عدة سنوات، بسبب عدم التفاعل معهم، حتى صُدرت قرارات قانونية بمصادرة جميع المولدات التي تم نهبها من مؤسسات ومكاتب حكومية وفناء محطة الكهرباء، وإعادتها.
كما وضحت القرارات القانونية، أنه تم استخدام الشبكة العامة بطرق غير قانونية، وللأسف لم تجد لجنة الدفاع من يقوم بتنفيذ هذه القرارات، وفق التقرير.
حيث سيطر بعض مالكي الكهرباء التجارية، على شبكة وأسلاك الكهرباء في المدينة بطريقة غير قانونية، وتم فرض رسوم اشتراك على المواطنين للحصول على خدمة الكهرباء التجاري، بمخالفة للقوانين، واشتراك شهري يدفعه المشترك طوال فترة اشتراكه.
الجدير ذكره أنّ المحطة، التي تبلغ قدرة تشغيلها لاثنين من المولدات 10 ميجا وات، سوف تغطي أجزاء واسعة في المدينة، حيث إن المدينة تحتاج 30-40 ميجا وات لتشغيلها كاملة، بحسب مسؤول في مؤسسة الكهرباء، فضّل عدم ذكر اسمه.
تتبع “المواطن نت” الوعود الكثيرة التي أدلى بها مسؤولون في السلطة المحلية بمدينة تعز قبل زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى المدينة، بشأن ضبط سعر التعرفة الكهربائية التجارية، وإعادة تأهيل محطة كهرباء عصيفرة الحكومية. كان آخر هذه الوعود في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 2023.
وبحسب مسؤول في السلطة المحلية، فإن هناك استغلالًا هائلًا لمولدات حكومية تم نهبها من مؤسسات وبنوك حكومية في المدينة، إضافة إلى العبث واستخدام شبكة الكهرباء العامة وملولداتها بشكل يخدم أشخاصًا محددين في السلطة المحلية والمؤسسة، وهو ما يخالف القوانين النافذة؛ وذلك للاستفادة من أرباحها وجني ملايين الريالات.
وحصل “المواطن نت” على تقرير يوضح الرأي القانوني بشأن حقوق وممتلكات كهرباء تعز، موجه إلى محافظ المحافظة، وصادر عن مكتب الشؤون القانونية بتعز، بتاريخ 18 مارس/ آذار 2021. وأكد التقرير بطلان عقود تأجير الشبكة العامة للكهرباء ومولداتها، المبرمة بين مدير عام المؤسسة العامة- فرع تعز، وبين أصحاب المولدات الخاصة؛ وذلك لمخالفتها للقانون، وعدم صفة واختصاص مدير عام مؤسسة الكهرباء بتعز بإبرامها والتوقيع عليها.
يذكر التقرير -ووفقًا للقانون- أن تعرفة الكهرباء تصدر بالحد الأعلى للشريحة بقرار من رئيس مجلس الوزراء (بعد موافقة مجلس الوزراء)، بناءً على عرض الوزير، وهو الحكم الذي نصت عليه أحكام المادة (25) من قانون الكهرباء اليمني.
-محطات جديدة
ومنذُ فترة عمل المحطات التجارية الخاصة بتوليد التيار الكهربائي، فقد تصاعدت الأسعار بدءا من 120 ريالا للكيلووات، وصولا إلى 1100 ريال هذا العام، بالإضافة إلى 2000 ريال رسوم اشتراك مع كل فاتورة (الدولار يساوي 2049 ريالات).
المواطن سرالله أحمد، قال لـلمواطن نت”، إن “شركات الكهرباء التجارية تتلاعب بالأسعار، وتقوم بإصدار فاتورة كل عشرة ايام وليس كل شهر، وبلغت الفاتورة الخاصة بالاستهلاك خلال أيام فقط مبلغ 12000 ألف ريال، وهو ما اضطرني لإلغاء اشتراكي واستبدال الكهرباء التجارية بمنظومة طاقة شمسية”.
وأظهرت وثائق نشرها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة تقريراً ذكر أن صافي الأرباح لشركات الكهرباء الخاصة خلال عامين بلغ أكثر من ستة مليارات ريال، وهو رقم مهول يكشف حجم الفساد في ملف الكهرباء في تعز.
الارتفاع الكبير في أسعار الكهرباء قابله حراك مجتمعي يطالب بتشغيل الكهرباء الحكومية، حيث دشن ناشطون حملات على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو لضرورة إيجاد حلول مستدامة لتوفير التيار الكهربائي الحكومي، أسوة بالمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، وهذا ما استجاب له رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي خلال زيارته مؤخراً لمدينة تعز، حيث فضحت الحملة فساد السلطة المحلية، ما اجبرها على العمل في إعادة الكهرباء خلال ستة اشهر بأمر رئاسي.
وفي سياق متصل أشارت المؤسسة العامة للكهرباء إلى انه قد تم تنفيذ اغلبية العمل في إصلاح المحطة، رافضة توضيح نسبة الإنجاز في العمل، وهذا ما يضع في المواطن الف تسأل، هل ستثبت السلطة المحلية جدارتها في تنفيذ العمل بالوقت المحدد؟ أم ان لقرار المهلة التي طرحها الرئيس العليمي حديث أخر؟