د. ياسين سعيد نعمان
منذ إعلان مبادرة السلام السعودية، أخذت جهود تحقيق السلام في اليمن تتحرك على أكثر من صعيد، وتحاصر المشروع الحوثي الايراني وتربك خارطته التوسعية، وتضع منتسبيه بصورة متزايدة على منصة المتهم الأول بإثارة المشاكل والحروب في المنطقة.
المساحة التي ظل يتحرك فيها هذا المشروع أخذت تتقلص وتنكمش، فإنكسار العدوان الحوثي في مارب وتحرك بقية الجبهات وخاصة تعز، والصمود الكبير لجبهة الضالع، كان قد شكل استجابة حية وواعية لضرورات التصدي لخطر هذا المنهج العدواني وفتح باباً للسلام أطلقت من خلاله المبادرة والتي حضيت بذلك الترحيب الواسع يمنياً وإقليمياً ودولياً. إن كل ذلك ينبئ بتحولات هامة لصالح العودة الى العملية السياسية.
قد يقول البعض إنه من المبكر التفاؤل بمثل هذا التحول لا سيما وأن الموقف الحوثي-الإيراني من عملية السلام محكوم بمعادلة الارض التي لا تلقي عليهم ختى الآن أي أثقال تدفعهم إلى مائدة المفاوضات، وكل ما يعلنونه من مواقف انما يصب في خانة المناورات التي عرفت عنهم طوال سنوات الحرب.
ربما كان ذلك صحيحاً، لكن الحقيقة هي أن التخبط الذي برز من خلال تعاطيهم مع المبادرة قد كشف عن نقاط ضعف كثيرة أهمها التقديرات المتفاوتة بين أجنحة الجماعة مما دفع بـ”إيرلو” الآمر الإيراني في صنعاء إلى التدخل بتصريح فج حاول فيه تجميع التصريحات المشتتة في تصريح واحد جسد حقيقة أن قرار وقف الحرب من الجانب الحوثي إنما هو قرار إيراني في الأساس، وهو ما جعل كثيرين ممن كانوا يشككون في هذه الحقيقة التسليم بصحتها والإعلان عن ذلك بصراحة وقوة.
وفي سياق متزامن مع هذه التطورات جاء تصريح وزير الخارجية البريطاني الذي أكد تأييد المبادرة السعودية، إضافة إلى اللقاء الذي جمعه مع وزراء خارجية كل من امريكا، وفرنسا وألمانيا بخصوص دعم عملية السلام في اليمن ليضفي على المسار ديناميات إضافية يمكن أن تقرأ بعناية من خلال تصريح رئيس الوزراء البريطاني في مجلس العموم الذي لم يستبعد ارسال قوات بريطانية إلى اليمن.
لقد أدرك الجميع أن الصلف الحوثي الذي بات يهدد أمن المنطقة يتجاوز حدود “المنطق” الذي كانت المليشيات الحوثية تسوقه بعناوين مخادعة عن الحرب وتداعياتها، وأن وراء هذا الصلف إنما تقف وراءه قوة إقليمية لها أطماعها، وتريد أن تصفي حساباتها مع الجميع باثارة الصراعات والحروب باستخدام عملائها ووكلائها.
هذا يعني أن هذه الدول، التي نظرت الى المبادرة كمفتتح لمسار حقيقي نحو السلام، لم يعد أمامها من خيارات أخرى في ظل هذه الأوضاع الانسانية المتدهورة، والمرشحة لمزيد من التدهور، إلا أن ترمي بكامل ثقلها لإنهاء الحرب وصولاً إلى تحقيق السلام الذي يتطلع إليه اليمنيون.
على أنه والحال على هذا النحو المتحرك فلا بد من التأكيد على المسائل التالية:
-دعم المسار السياسي السلمي بتعزيز القدرة على تغيير المعادلة على الأرض حتى لا يبقى السلام رهينة بيد الحوثي تحكمها مصالح ايران.
-توحيد الجهد المقاوم للمشروع الحوثي الايراني بتفاهمات أكثر صراحة ووضوحا فيما يخص المسئوليات المشتركة وحدودها، ونبذ كل ما من شأنه أن يربك التلاحم القوي بين المسار السياسي والمسار المقاوم على الارض.
-أن تملأ المساحة بين الحكومة اليمنية وتحالف دعم الشرعية بمشروع سياسي مستقبلي يستعان به في المسارين السياسي والمقاوم، والذي لا غنى عنه لحشد الطاقات خلال هذه المرحلة الحاسمة.