المواطن/ قصة قصيرة- عبدالعزيز المليكي
الليل بَهِيم والسماء بدت شبه خاوية والقمر نصفُ حاضر لا شيء غير هفيف الريح يأرجحُ النوافذ يربتُ على صلبها ثم يدفعها للامام بكل عنفوان ليقتحم المنازل ويلثم شفاه الضوء المنهكه حتى يفسدها، الرعد يصدحُ مزمجراً بصوته ليفزع الغيم ذو القلب الطفولي
الذي ما أن سمع ذلك الصوت المفزع حتى ترقرقت الدموع في مقلتهُ الهشة وبداءت في النزوح ناحية الأرض لتتوسد احضانها
اضعنتُ مسرعاً ناحية إحدى المنازل لأخفي نفسي خلف جدرانها التمسُ بقايا دفِئَ ريثما تستعيد السماء عافيتها
كان المنزل نائماً في غيبوبة الوحشة التي استوطنته بعد أن سلبته الحرب أهله
خالي الوفاض من كلُ شيء عدا بعض الصور المعلقة على حائط الحنين
تلمست زجاجها كان يربضُ بوجع الغياب وثيرتهُ قد انهكت تحت ركام الإشتياق
على الناحية المقابلة كانت هناك شمعة تحاول أن تمزق بنورها الخافت وجه السكون تواري نفسها خلف كتف الظلام المستميت على اكناف الخواء الذي يلف المنزل
وبينما انا اسافر بنظري إليها،،
أشارت إلي بطرف فتيلها المشتعل أملاً
لا ذنب للحب سوى انهُ عاشر الواقع في زمن الحرب
هاكذا وشت لي،،،،
تقدمتُ ناحيتها عانقتُ نورها بكفي
أخبرتني أن الحرب ما هي إلا عقوبة أرسلتها السماء لتلك الأنفس القابعة خلف قضبان الخطيئة
وان الظلام ما هو إلا احتضار هذه الأرض
كانت تسبلُ نورها بحنان على كفي،، ثم تابعت حديثها
قلوبنا أصبحت هشة كاوطاننا لم يعد للحياة ذاك البريق الأسر والنشوة الجامحة
تأسنت مجريات الحياة كلياً
فالحرب قد تمخضت نواميس لَبكَة شاذه
حتى تلك الأحلام التي سكبنا لها ندى بتلات ورودنا اجهضت في منتصف الطريق إلينا
وتمخضت لنا بالألام التي تعلقها على وتين لحضاتنا البائسة كلُ نهضة
ثم أردفت،،،
منذُ غابراً من الزمن. وانا أتضرعُ الدُجى أن يخلي سبيلي لاكنهُ يتعلل بالغياب المستوطن للأرض
لا شيء غير جسدي المنهك أذرفُ همومي عليه خلسة كل لوعة
إنظر لهاذا النور على جنباتي
لقد تشكل من إمتزاج حرارة النار مع خيط فتيلي فكونا معطف النور ذاك أعلى جبيني
لكنهُ ياخذ من تلابيب روحك ليغذي نفسه،فكيف تكونين سعيدة بإقتراب أجلك؟؟
خاطبتها بكل إستغراب
أطلقت تنهيدة. لامست بها روحي
لا يهم ما دام سيحلقُ بي بعيداً عن هاذا البوءس
سألفظ انفاسي وقد أديت الدور الذي جُبِلَت على القيام به
كل ما في الأمر أني صنعت لنفسي نوراً لينقلني للعالم الآخر حيث لا حروب ولا ظلام
قالت ذلك ثم انتفضت فوق ركام الوداع معلنة شهقتها الأخيرة
على تخوم كفي
جمعتُ رفاتها من على المنضدة ثم ودعتها باكياً
ونفضتُ يدي من بقايا نورها العالق على كفي والمتواري بين اناملي لكي لا أُتهم بالخروج عن الشرع
كان المطر قد أغتال النور على حافة السماء
توسدتُ الضلام وضاجعت السكون على سرير الوحشة والذعر يتقاطرُ من جنبات روحي كما يتقاطر الدم من جرح هذه المدينة النازفه
عبدالعزيز المليكي