المواطن/ تعز ـ عبدالعزيز المليكي
على التخوم الشمالية من الطريق الرئيسي الرابط بين محافظتي تعز والحديدة وتحديداً عند النقطة التي تمثل نهاية عزلة الربيعي وبداية عزلة الدعيسة تجد مساحات خضراء تفترش الأرض أشجار باسقة تساور الجبال التي في المنطقة
تيمم وجهك بعد ذلك صوب أقصى عمق جبلي من ناحية الغرب
تتوغل بأقدامك في طريق صخرية لا تحجب دهشتك وانت تعود بذاكرتك إلى ماضي الأجداد العظيم الذي لم يتغير بمرور العصور وعندما تبلغ سفح أول قمة جبلية في طريقك حتى تشاهدها أمامك تترنح بتلقائية أمام نظراتك المعجبة كباقة ورد أسقطتها الألهة.
ما أن تصبح القرية أمامك فأنت تقف على جبل (حُريزا) الذي يتكفل سفحة بمهمة حمل الزائرين وحماية القرية من إتجاه الشرق
وهذا الأسم حريزا يعني التميمة التي تتكفل بمهمة دفع الشر
ومن إتجاه الشمال تطوق القرية مجموعة من الإكام الصغيرة تنتصب كل واحدة منها كأنها نهد يافعة خجول. تحمل هذه الإكام إسم عامي يعني بالعربية قرية اليهود ويعود سبب هذه التسمية إلى اليهود الذين بنو قريتهم على سفوحها وبإمكانك أن تجد بقايا منازلهم التي تركوها بعد حرب طاحنة نشبت فيما بينهم.
أما من إتجاه الغرب فيمتد سهل يشق طريقه بسحر وفتنة في وسط مجموعة من الجبال حتى يرتمي أخيراً في أحضان سلسلة جبلية متشكلة في هيئة ثورية تامة تُسمى جبال (عدف) كانت هذه السلسلة الجبلية مأوى الطلائع الثورية(الماركسية) التابعة للجبهة الوطنية ومركزاً رئيسياً لإجتماعتها
ومن الشمال يحتظن القرية جبل صغير تنبع من أسفله عين ماء صغيرة تتكفل بما يحتاجه أهل القرية من المياه تطوق الجبل مدرجات زراعية عذراء من كل شيء سوى الجمال الطافح الذي فرض عليه الإستلقاء هناك منذُ الأزل
قرية قريبة من الله تماماً قريبة بقرب المسافة بينها وبين سمائه وبسيطة أيضاً هي القرية ببساطة أهلها الممتطين خدود الجبال.. تتنازعها رحمة المرتفعات وبركة السهول والواحات الخضراء وبعض التمائم. ومساحة شاسعة من الخلود تحمي الأرض والإنسان معاً.
إذا تزامن وقت وصولك مع وقت الغروب سترى الجمال ينحدر من السماء بإتجاهها في مشهد تصلي لأجله الملائكة
(قُنيِزع) عند الغروب تُصبح أكثر تهيئاً وإشراقاً من باقي اليوم. حيث تخوض في هذا الوقت حرب إستنزاف صامته لكل الطاقة الجمالية لقوى الطبيعة.
ما يأسرك حقاً ليس البريق الأرجواني لمنظر الغروب فحسب
ولكن ثمة أشياء في أنطولوجيا الوجود لم تدون في قواميس اللغة أشياء ميتافيزيقيه وحدها الاستاطيقا من تعرف سرها
مثلاً كأن تشعر بأن روحك ممتقعة في أريج عبق لا تعلم سره
يصبح معه التنفس أمراً شديد اللذة. فتتنفس بعمق وشراهة كأنك خارج من تحت الماء لتو.
أو أن تصوبك نظراتك ناحية القرية فيضحك شيء ما في أعماقك حتى تعجز عن إخفاء إبتسامتك. وعندما تسأل نفسك عن الشيء الذي يدفعك للإبتسام . لا تجد جواباً.
ما إن تبدأ في الحديث عنها تجد الكلمات تسقط منك بشكل جلمودي لاكن بإمكان هذه القرية أن تكتسح تعبيراتك وتهشم أبجديتك وتفركشها بنسمة خفيفة ترسلها ناحية وجنتيك فلا تلبث حتى تشعر بالتقزم وتعود إلى الإنغماس في العالم الخاص بها بشكل تلقائي
منازل القرية مرتبة بهندسة مهيبة فجميعها تملك سقفاً واحداً فقط
حيث بنيت القرية على هيئة منزل كبير يحوي عدداً من البيوت.
أحجار المنازل ذات ألوان سوداء الأمر الذي يمنح القرية شكلاً مهيباً. غير أن ذلك السواد لم يتمكن من إخفاء مساحات الصفاء المعقودة بإبتسامة المكان.
كتب/عبدالعزيز المليكي