عيبان صبر
منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، تعرض الأطفال في هذا البلد لصدمات نفسية هائلة، جعلتهم من أبرز ضحايا الحرب المستمرة منذ عقد من الزمن .
هذه الحرب التي أودت بحياة آلاف المدنيين ودمرت البنية التحتية للبلاد، تسببت أيضًا في تأثيرات نفسية مدمرة على ملايين الأطفال. هذا التقرير يستعرض تأثيراتها على الصحة النفسية للأطفال في اليمن، مع الاستناد إلى إحصائيات وتقارير دولية، بالإضافة إلى تصريحات الخبراء في هذا المجال.
تشوهات نفسية واسعة النطاق
تشير التقارير الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إلى أن 80% من الأطفال في المناطق المتأثرة بالحرب يعانون من اضطرابات نفسية حادة، مثل القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). وقد أكدت المنظمة في تقرير لها أن هؤلاء الأطفال لا يعانون فقط من فقدان أحبائهم، بل أيضاً من مشاهد العنف والدمار التي تهدد استقرارهم النفسي على المدى البعيد.
وفي تصريحات له، قال فيليب دواميل، ممثل اليونيسف في اليمن: “الأطفال في اليمن يعانون من جروح نفسية عميقة، نتيجة للظروف المعيشية القاسية والتعرض المستمر للعنف، وهذا يؤثر بشكل مباشر على حياتهم ومستقبلهم.”
الأثر النفسي للأحداث العنيفة
الحرب في اليمن شهدت العديد من الأحداث العنيفة التي تركت آثارًا نفسية خطيرة على الأطفال. من بين هذه الأحداث القصف الجوي والاشتباكات المسلحة التي طالت المناطق السكنية، مما جعل الأطفال يشهدون على مقتل أفراد من أسرهم أو على مشاهد دموية. وفقًا لدراسات نفسية أجرتها منظمة الصحة العالمية، فإن العديد من الأطفال يعانون من صدمات نفسية طويلة الأمد نتيجة تعرضهم لمشاهد العنف المستمر.
الدكتورة نهى عبد الله، المتخصصة في علم النفس في اليمن، أكدت في تصريحات لها أن “الأطفال الذين يشهدون على الحروب والصراعات يواجهون صدمات نفسية قد تؤثر عليهم بشكل مستمر طوال حياتهم، حيث تزداد معدلات القلق والاكتئاب بين هؤلاء الأطفال، مما يؤدي إلى اضطرابات في السلوك والتواصل الاجتماعي.”
من جهتها، تقول الطبيبة النفسية المتخصصة بالأطفال، نظرة العمري، إن الحرب تشكّل واحدة من أخطر الصدمات التي يعاني منها الأطفال في اليمن حاليا، حيث أثّرت على صحتهم النفسية، ومردودهم الدراسي.
وأوضحت العمري التي تعمل أخصائية نفسية ضمن مشروع إنساني لإعادة تأهيل الأطفال المتأثرين بالحرب أن القلق والخوف، والتوتر، والاكتئاب، وعدم الثقة بالنفس، والتبوّل اللا إرادي، والأحلام المُزعجة، وعدم التركيز، وتشتت الذهن، وانخفاض التحصيل العلمي، وعدم الرغبة بالحياة، وحب الانتقام، والأرق، وغيرها من الأمراض والسلوكيات غير الجيّدة ظهرت كنتائج للحرب لدى الكثير من الأطفال
الآثار المترتبة على التشرد
منذ بداية الحرب، نزح ملايين اليمنيين، بما في ذلك الأطفال. وبحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تم نزوح أكثر من 4.5 مليون شخص، منهم نحو 2 مليون طفل. هؤلاء الأطفال يعيشون في مخيمات النزوح حيث تفتقر الظروف إلى الرعاية الصحية والتعليمية الكافية.
وتشير التقارير إلى أن الأطفال في المخيمات يعانون بشكل خاص من القلق والتوتر بسبب الظروف المعيشية القاسية، ما يؤدي إلى زيادة انتشار الاضطرابات النفسية بين هؤلاء الأطفال.
في هذا السياق، صرح فيليبو جراندي، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قائلاً: “الأطفال في اليمن يعيشون في أوضاع مأساوية، حيث لا يوجد لديهم أي نوع من الاستقرار النفسي، مما يفاقم معاناتهم ويزيد من مخاطر تعرضهم للصدمات النفسية.”
الجوانب النفسية للتعليم المفقود
من بين العوامل النفسية التي تفاقم معاناة الأطفال في اليمن، هو فقدانهم للتعليم بسبب الحرب ومخلفاتها التي دمرت حوالي 2,500 مدرسة، مما حرَم أكثر من 2 مليون طفل من التعليم. وفي ظل غياب بيئة تعليمية آمنة، يجد الأطفال أنفسهم محاصرين بين مشهد الحرب وصعوبة الوصول إلى تعليم يساهم في تعافيهم النفسي.
هنرييتا فور، المديرة التنفيذية لليونيسف، أكدت في تصريح لها: “غياب التعليم يعمق المعاناة النفسية للأطفال في اليمن، فالتعليم لا يقتصر على منح الأطفال المعرفة، بل يشكل أيضًا جزءًا أساسيًا من عملية شفاءهم النفسي.”
التجنيد القسري وتأثيراته النفسية
من بين الآثار النفسية الأخرى التي يعاني منها الأطفال في اليمن، هو تعرضهم للتجنيد القسري من قبل الجماعات المسلحة. وفي ذلك رصد تقرير صادر عن الأمم المتحدة في 2020، بانه تم تجنيد أكثر من 3,000 طفل في النزاع منذ عام 2015 موضحا ان هؤلاء الأطفال يتم إجبارهم على القتال وحمل السلاح، وهو ما يترك أثرًا نفسيًا عميقًا عليهم.
سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش”، قالت: “إن استخدام الأطفال في النزاع المسلح يضاعف من معاناتهم النفسية، حيث يتعرضون للصدمات والآلام التي قد تلاحقهم مدى الحياة.”
إن تأثير الحرب في اليمن على الأطفال لا يقتصر على الخسائر الجسدية فحسب، بل يمتد إلى عمق صحتهم النفسية. حيث يعيش ملايين الأطفال في اليمن تحت وطأة العنف والتهجير، ما يجعلهم عرضة لاضطرابات نفسية معقدة تؤثر على حياتهم ومستقبلهم. ومن أجل مساعدتهم، تحتاج اليمن إلى دعم دولي مكثف في مجالات الصحة النفسية والتعليم، بالإضافة إلى ضمان حماية الأطفال من العنف والتجنيد القسري.