تقرير: نجوى حسن
الرابعة والنصف صباحاً.. الموعد الذي تستقبل فيه أميرة يوما جديداً من التعب.
ما بين أم لا تملك موردا إقتصاديا ولا نفقة زوجية، ووالد قادر لكنه لايود الالتفات إلى الماضي إرضاء للزوجة الجديدة أو هروبا من القيام بمسئولياته تعيش أميرة.. صنفين من العذاب.
تعيش أميرة الطفلة ذات الاثني عشر ربيعاً مع أم “معلقة” حينا، وأب عنيف اليد واللسان. وكل منهما في مكان مختلف، يضاف الى ذلك زوجة أب تود من الفتاة العمل في منزل الأب كخادمة ثم لا ترغب بقاءها في المنزل.
تقول شقيقة أم أميرة أن الطفلة “تمكث في منزل والدها ستة أشهر من كل سنة بعيدًا عن والدتها والعكس في النصف الآخر من العام”.
تتعرض أميرة لمعاملة قاسية من قبل والدها، خلال إقامتها معه، وتحرم من أبسط حقوقها في التعليم والصحة وفي المقابل تعيش عقد ومخاوف وعقدة الترك التي أصابت أمها بسبب هجرها من قبل الزوج.
يقول الشيخ حسن الأسدي خطيب جامع السعيد في مدينة تعز:” لا يجوز للزوج ترك زوجته في وضع المعلقة لقوله تعالى: (ولاتذروها كالمعلقة)، والواجب إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، كما يجب على الرجل القيام بما يلزمه من النفقة عرفا وشرعا حتى تستطيع المرأة أن تقوم بواجبها في التربية”.
وما بين أم معنفة وأب مرعب، تراوح حياة الطفلة زيادة في المخاوف ونقص في الثقة بالنفس والآخرين من حولها، وهي آثار تتسبب في تشويه نفسيتها وتعقيد شخصيتها بمرور الأيام، إنها حالة من توارث العنف، ونموذج حي للأثار بعيدة المدى عميقة التأثير في آن.
تأثيرات نفسية وجسدية
يعيش الأطفال المعنفين تأثير الصدمة من عيش أو معايشة موقف مخيف فكيف إذا تكررت نوبات العنف معهم.
تقول شقيقة الأم أن أبنة أختها “تعاني التبول اللاإرادي وتكتسيها ملامح الحزن وتجنح نحو الصمت الدائم، والانعزال عن الآخرين” مشيرةً إلى أنها حرمت من أبسط حقوقها، مثل الحصول على الملابس الجديدة، والتعليم.
الحديث عن أميرة يعني الحديث عن طفلة تصيبها صدمات متعددة، وخوف مستمر، وتلفها حالة من الاكتئاب المبكر.
تعاني أميرة التعنيف بشكل يومي، ويسمع من حولها من الجيران صراخها وبكاءها فيما يقفون عاجزين عن تقديم المساعدة مخافة ردة فعل والدها ان تم الابلاغ عن حالة الطفلة كما يقولون.
يبحث الإنسان عما ينقصه وكثيراً ما ينحرف سلوك المعنفين بسبب اللجوء إلى رفقة سيئة بحثا عن الأمان والحنان المفقود بين جنبات المنزل بحسب مختصين في علم النفس.
تقول الأخصائية الأسرية والإجتماعية في محافظة تعز، شيماء شمسان: “عندما يعنف الأب أطفاله، يبحث الأبناء عن الحب والحنان خارج المنزل، وليس كل حب وحنان آمن خارج الأسرة ، فربما يلتقي الأطفال بأشخاص أكبر منهم سناً، وقد تكون لهؤلاء الأشخاص أغراض جنسية وقد يسخرونهم لأعمال خطرة.”
وتكشف شمسان عن أرقام صادمة تتعلق بالعنف الأسري حيث تفيد بأن 70% من الشكاوى التي تصل إليها تشير الى تعرض أطفال لتحرشات أو عنف جنسي،
وتستقبل شمسان حد قولها نحو 50 شكوى في اليوم الواحد وبمتوسط سنوي يبلغ نحو 000’18 حالة.
وهي حالات تتنوع بين العنف الجسدي والنفسي والجنسي بحسب شمسان ينتج عنها إعاقات وتشوهات وكسور وارتجاج في المخ وعقد وأمراض نفسية وانحرافات سلوكية.
من أسباب العنف الأسري
تتعدد أسباب العنف الأسري، ويعود بعضها إلى أساليب التنشئة التي يتوارثها الأبناء عن الآباء ليمارسوها في مرحلة ابوتهم لأطفالهم كجزء من تقاليد العائلة “هكذا رباني أبي”.
وتعزو الأخصائية النفسية في محافظة تعز كريمة الصمدي عنف الاباء الى جملة اسباب بينها: المعتقدات الخاطئة التي تعتبر الصرامة والعنف أسلوباً تربوياً إيجابياً، بالإضافة إلى نقص الوعي بخطورة العنف وآثاره السلبية على الأطفال على المديين القريب والبعيد.
مضيفة” أن ضغوطات الحياة اليومية، بما في ذلك العوامل الاقتصادية الصعبة وعدم القدرة على توفير احتياجات الطفل الأساسية خاصة خلال سنوات الحرب بعض اسباب ارتفاع مؤشرات العنف الاسري ضد الاطفال”.
الكثير من الانفعالات السريعة باتت تصيب الآباء مؤخرا بحسب الصمدي نتيجة حالة عدم الاستقرار على الصعيدين العام والخاص حيث يمكن للآباء تعنيف أطفالهم بقصد حمايتهم من الانجراف نحو فئات أو مجموعات يخشون على اطفالهم منها خاصة في ظل اتساع وتعدد دوائر الاستقطاب والانفلات الأمني كما تقول.
من جانبها تعتبر شمسان” إن بعض الآباء الذين يمارسون العنف على أطفالهم، مروا بتجارب مماثلة في طفولتهم، ما يكشف عن حالات كبت عاشها الاباء حينها وتفجرت لاحقا على رؤوس الأبناء”.
وتضيف ” يمكن ان يعيش الأب نوعًا من العقد النفسية التي لا يقوى خلالها على كسر الدائرة المفرغة للعنف فيعمل لاحقا على تكرارها وكان لسان حاله يقول ” كما رباني أبي، سأربي أبني بنفس الطريقة.” ما يساعد في إستمرار تكرار ذات النمط السلبي في التربية.
يحتاج الأمر الى التدخل المبكر لإنقاذ الأطفال وتقديم الدعم النفسي للأشخاص الذين تعرضوا للعنف في طفولتهم بحسب شمسان التي ترى ضرورة الحاجة الى تكثيف حملات التوعية حول أهمية تغيير أساليب التربية العنيفة واستبدالها بأساليب تربوية صحية تضمن نمو الأطفال في بيئة آمنة وداعمة.
وتتفق شمسان مع الصمدي في أن سوء الأحوال المعيشية اضاف أعباء ثقيلة على الآباء وجعلهم أكثر عنفا وتعنيفا لأطفالهم وأسرهم.
وكان تقرير صادر عن تحالف رصد الذي بحث خلال الفترة بين أبريل 2022 وديسمبر 2023 في 157 حالة انتهاك، كشف عن وقوع 127 حالة انتهاك جسيم ضد أطفال ضمن العينة المبحوثة بينهم 26 طفلة، تنوعت تلك الانتهاكات بين القتل والاختطاف والعنف الجنسي والتشوه الجسدي.
كما وثق التحالف تجنيد 53 طفلا تتراوح اعمارهم بين 12-17 سنة توزعوا بمعدل 19 طفل في محافظة ذمار و15 طفلا في محافظة المحويت ومثلهم في كل من الضالع وعمران وحضرموت إلى جانب 2 في محافظة مأرب و2 في كل من محافظتي لحج والجوف.
التقرير كشف أن 39 من هؤلاء الأطفال ينتمون إلى المجتمع المقيم فيما 7 منهم من النازحين ومثلهم من المهمشين.
وتلمح الصمدي الى أن ” تعدد الزوجات له تأثير كبير على الأسرة ، لا سيما الأم والأطفال”،موضحة أن الزواج المتعدد يؤدي إلى مشكلات أسرية عميقة بين الأم والأب، ما يفضي إلى التفكك الأسري، وهو أحد أسباب العنف الموجه الأطفال، نتيجة التوتر وسوء العلاقة بين الوالدين.
الدكتور ياسر الصلوي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز، يقول من جانبه أن العوامل النفسية تلعب دورًا مؤثراً في ممارسة العنف. فغالبًا ما يكون الأفراد الذين تعرضوا للعنف في مراحل سابقة من حياتهم أكثر عرضة لتكرار نفس السلوكيات في المستقبل.
ثقافيا وتعليميا يشير الصلوي إلى أن مستوى التعليم يلعب دورًا مهمًا في تحديد مدى وعي الأفراد بمخاطر العنف فكلما أرتفع مستوى التعليم، قل احتمال ممارسة العنف نتيجة زيادة الوعي بالأضرار النفسية والجسدية والمعنوية التي يمكن أن يتسبب فيها العنف. بخلاف الحال لدى الأفراد الذين لا يحصلون على تعليم جيد يكونون أكثر عرضة لممارسة العنف بسبب قلة الوعي بالمخاطر.
أما على الجانب الإجتماعي فإن القيم الذكورية التي تهيمن على المجتمع تزيد من احتمالية ممارسة العنف ضد النساء والأطفال من نظر الصلوي الذي يضيف ان “التفسيرات المتعسفة للأحاديث النبوية والآيات القرآنية من قبل بعض غير المتعلمين تسهم في تبرير العنف.حيث يؤدي الجهل بتعاليم الدين إلى استخدام هذه التفسيرات كذريعة لممارسة العنف، ما يعزز السلوكيات العنيفة في المجتمع”.
آثار وتحديات
أنواع مختلفة من المعاناة يعيشها الأطفال في اليمن، زادت حدتها وتعددت أشكالها أكثر فأكثر خلال عقد من حالة الصراع والحرب.
يقول رئيس منظمة سياج أحمد القرشي “رغم عدم وجود دراسات حديثة دقيقة وشاملة حول معدلات العنف، تشير تقديرات منظمة سياج إلى أن العنف ضد الأطفال تضاعف أكثر من خمس مرات منذ عام 2014، هذا التصاعد في معدلات العنف يعكس حالة تدهور في الوضعين الأمني والإجتماعي تجاه الأطفال في المناطق المتأثرة الصراع”
ويضيف ” المؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية تواجه تحديات كبيرة تحول دون تنفيذ واجباتها في الحد من العنف ضد الأطفال وتمكينهم من حقوقهم الأساسية”.
تكشف سياج أن من أبرز تلك التحديات “إنعدام أو ضعف تمويل خدمات الحماية ورعاية الطفولة، بالإضافة إلى التضييق والمصادرة التي تواجهها هذه المؤسسات، والسيطرة على بعضها وتحويلها لخدمة أجندات لا تتوافق مع مهمتها الإنسانية الاساس”.
تدهور مستوى خدمات الحماية، التعليم، الصحة، العدالة والإنصاف للأطفال إلى أدنى المستويات يعوق بحسب القرشي مقدرة المؤسسات على تقديم الخدمات الضرورية للأطفال وحمايتهم من العنف، ما يتطلب بالضرورة تكثيف الجهود الدولية والمحلية لدعم المؤسسات المعنية بحماية الأطفال وتوفير التمويل اللازم لضمان وصول حقوقهم الأساسية إليهم وتحسين أوضاعهم.
حماية وحلول
يعد القانون اليمني أي تجاوز لحد التأديب للأطفال من قبل الأب أو الأم بمثابة سوء معاملة يعاقب عليها، ويتضمن القانون اليمني نصوصًا واضحة تفرض عقوبات على مثل تلك الأفعال بغرض حماية الأطفال وضمان حقوقهم.
ويوضح المحامي ياسر المليكي ان القانون اليمني نظم اجراءات الحماية للأطفال مشيرا الى ان المادة (146) من القانون رقم 45 لسنة 2002 بشأن حقوق الطفل نصت في بندها الثالث على حماية الاطفال من سوء المعاملة وتعرضهم للتعذيب البدني والنفسي وتقديم من يعرضون الطفل لمثل هذه الأعمال إلى القضاء، فيما نصت المادة (145) منه على واجب الدولة في حماية ورعاية أطفال الأسر المفككة.
ويقترح المليكي تكثيف نشر التوعية وتنظيم اللقاءات الحوارية مع الاسر حول آثار العنف الأسري وأهمية الترابط الأسري سعيا للحد من المشكلة.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز أصوات النساء من خلال الإعلام الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.