تقرير _ فاطمة هزاع
عبد الرحيم مصلح، 28 عاماً، متزوج وأب لطفلين، يعمل في أحد المحال التجارية بمحافظة الضالع جنوبي البلاد وتفصله عدة كيلومترات عن المنطقة التي تعيش فيها أسرته بمحافظة إب (بين الشمال والجنوب)، إلا أنه وبعد أن عليه دفع ثلث مبلغ 50 ألف ريال في الحوالات، وهو كل ما يملكه قبل أيام من موعد عيد الأضحى (أواخر يوليو الماضي) اضطر لدفعها مع إلغاء إجازته لقضاء العيد مع أسرته. حيث أن الأوراق النقدية التي يحوزها، غير مقبولة في المناطق التي تسكن فيها أسرته.
عبدالرحيم هو واحد من أعداد كبيرة من اليمنيين المتواجدين أو العاملين في المحافظات الجنوبية والشرقية أو تلك الخاضعة لسيطرة الحكومة والأطراف المناوئة للحوثيين، ممن يدفعون ثمن الانقسام المصرفي والذي تدهور معه سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية وفي الغالب لم ترتفع الأجور التي يتقاضاها العاملون بالريال اليمني في القطاعين العام والخاص، بما يجعلهم ضحية لما لحق بالريال اليمني من انهيار في السنوات الأخيرة.
تعود بداية الأزمة إلى العام 2016، عندما أقرت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً نقل مقر البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، وفي المقابل رفضت السلطات التابعة للحوثيين، والتي تسيطر على العاصمة، الاعتراف بالقرار، مما أدى إلى انقسام البلاد بين مصرفين يعتبر كل منهما الآخر فرعاً، الأمر الذي فاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية في البلاد، إذ توقفت منذ ذلك الحين عملية دفع مرتبات مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة الحوثيين.
الحوثيون يرفضون في مناطق سيطرتهم التعامل بالنقود التي يصدرها البنك المركزي في عدن ويصفونها بـ”العملة غير القانونية”.
ودخلت الأزمة طوراً جديداً، أواخر العام الماضي مع اتخاذ سلطات الحوثيين موجة إجراءات تمنع تداول الطبعات الجديدة من العملة والمطبوعة في عدن في مناطق سيطرتهم، وهو القرار الذي وسع الهوة بإيجاد سعرين مختلفين للعملة المحلية، وذلك في أعقاب فشل سلسلة من الاجتماعات رعاها مكتب مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، في العاصمة الأردنية عمّان، خلال العام المنصرم، سعت إلى الوصول لاتفاق في الجانب الاقتصادي، وانتهت دون تقدم، لتبدأ مرحلة غير مسبوقة من الأزمة.
ما وراء فوارق الصرف
أوضح باحث اقتصادي يمني في تصريحات إعلامية أن من بين أسباب اختلاف اسعار الصرف بين المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين وتلك المناطق المحررة المسيطر عليها من قبل الحكومة الشرعية يعود في الأساس إلى الاختلاف الوارد في طباعة العملة الجديدة بشكل مختلف عن العملة القديمة.
ولفت الخبير الاقتصادي الدكتور علي المسبحي من عدن أن قيام الحكومة الشرعية بعد الحرب بطباعة نحو 500 مليار ريال من فئة 1000 ريال بنفس شكل الطبعة القديمة وبتوقيع المحافظ السابق للبنك المركزي القعيطي ، كانت خطوة صحيحة نوعا ما في اطار هدفها نحو تعزيز السيولة المحلية وسحب العملة التالفة من السوق والتي كانت منتشرة بشكل كبير بعد الحرب.
وأضاف المسبحي بالقول: “ولكن الخطوة التالية التي تبعت ذلك كانت غير مدروسة خصوصاً حينما اتخذ المحافظ القعيطي نفسة قراراً بشأن طباعة عملة جديدة وبشكل مختلف عن الطبعة السابقة والإصدار القديم وبتوقيع من المحافظ القعيطي وبعده المحافظ زمام بقيمة تريليون ونص ريال لفئات مختلفة من 100 و 200 و 500 و 1000 ريال ، علماً بان الهدف من تلك الطبعة الجديدة كان لسحب كافة العملات القديمة بغرض إلغائها واتلافها واستبدالها بالعملات الجديدة وبالتالي سحب البساط تدريجياً من تحت أقدام البنك المركزي صنعاء وجعله خاضع لسيطرة البنك المركزي في عدن ، وهو الامر الذي تنبه له الحوثيين ودفع بهم لتدارك الموضوع سريعاً من خلال قيامهم وبالتعاون مع معظم التجار وشركات الصرافة والبنوك التجارية في صنعاء بسحب كافة العملات القديمة من المناطق المحررة بما فيها الطبعة الأولى للقعيطي والتي كانت بنفس الشكل القديم وفرضهم حظراً في التعامل مع العملات الجديدة”.
وتابع المسبحي: “بالتالي واجه البنك المركزي في عدن صعوبة بالغة في سحب العملات القديمة مما اضطر البنك لتأجيل عملية ضخ العملات الجديدة الى السوق ودفع به الامر للقيام بتخزينها في ميناء عدن لفترة طويلة تلافياً لحصول تضخم في المعروض النقدي وبالتالي تضخم في العملة المحلية مما سيؤدي إلى خفض قيمتها أمام العملات الأجنبية” .
ونوه المسبحي قائلاً : “بالمقابل تمسك الحوثيين بالعملة القديمة ، ونظراً لنقص المعروض من العملة قاموا بإخراج وضخ كامل الكمية التالفة الموجودة في خزينة البنك المركزي في صنعاء إلى السوق ، وفي ظل قلة المعروض للعملة القديمة وزيادة الطلب عليها فقد حافظت العملة بالتالي على قيمتها أمام العملات الأجنبية ، وخصوصاً حينما أصبح الراغبين في السفر إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين يقايضون العملة القديمة بالعملة الصعبة مما زاد من قيمتها واستقرارها ، فضلاً عن عملية سحب العملة الصعبة من المناطق المحررة ، بينما ظلت العملة الجديدة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية تعاني من عدم وجود غطاء لقيمتها ، وفي ظل زيادة النفقات وتفشي الفساد المالي وضعف الإيرادات واعتماد البنك المركزي في عدن على المساعدات والديون لتغطية العجز وصرف المرتبات ، أدى ذلك الامر بالتالي إلى تدهور العملة الجديدة في المناطق المحررة ووصول سعر صرف الدولار مقابل الريال إلى أكثر من 800 ريال وأكثر من ذلك ، بينما ظلت اسعار الصرف شبه مستقرة في صنعاء.
واشار المسبحي في سياق توضيحه ان حصول المناطق الحوثية على عملة قديمة خاصة بهم جعل الامر اشبة بالتعامل مع اقتصاد مغلق لايتأثر باي ظروف اقتصادية محيطة به تشهدها المناطق المحررة ، وهو ما يلاحظ في جانب استقرار العملة المحلية لديهم ، وهو ايضاً ما أدى إلى ظهور اقتصادين متوازيين مختلفين في بلد واحد .
واختتم المسبحي حديثه بالقولة : “وعليه في ظل الوضع القائم ، فإنه لم يعد بمقدور الحكومة الشرعية والبنك سوى اتخاذ جمله من التدابير والمعالجات العاجلة لوقف اختلاف سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية بين الشمال والجنوب ، ومن بين تلك الحلول والمعالجات الاعلان عن إلغاء العملات الجديدة مختلفة الشكل وسحبها من السوق واستبدالها بعملات جديدة بنفس حجم وشكل العملات القديمة وذلك لاذابة الفوارق في الشكل والحجم وبالتالي توحيد اسعار الصرف بشكل تلقائي
انعكاسات الانقسام المصرفي
أدى الانقسام المصرفي في اليمن منذ شهور الى قيام شركات الصرافة والتحويلات بفرض رسوم كبيرة على الحوالات المرسلة بالعملة المحلية من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المدعومة من التحالف بقيادة السعودية – حيث سعر العملة المحلية أكثر تدهوراً، إلى مناطق سيطرة الحوثيين الذين يعتمدون طبعات قديمة من العملة بعضها مهترئة، في وقتٍ تثير فيه هذه الرسوم سخطاً متزايداً، نظراً لكون الأسر اليمنية التي تعيش بعضها في أوضاع تشبه المجاعة تدفع الفارق، وصولاً إلى الشبهات المتصلة بقانونية ومبررات شركات الصرافة لأخذها.
وبينما يتمثل التفسير السائد حول المبلغ المقتطع من الحوالات والذي وصل إلى 30 بالمئة في الأشهر الأخيرة، بأنه هو فارق سعر الصرف (الدولار الأمريكي الواحد سعره 811 ريال في عدن وفي صنعاء 604 ريال يمني، حسب أحدث الأسعار مؤخراً)، إلا أنه في المقابل، لا تعتمد شركات الصرافة الفوارق في الحوالات القادمة من مناطق سيطرة الحوثيين إلى بقية محافظات البلاد، على نحوٍ يثير المزيد من التكهنات والاتهامات الموجهة لشركات الصرافة بالتلاعب.
سعر صرف الريال اليمني يختلف من شركة صرافة لأخرى حتى تلك المجاورة لبعضها.
غياب الرقابة
أواخر أغسطس الماضي، وفي تطور لافتٍ، تداول يمنيون وثيقة تتضمن رسالة بعثتها واحدة من كبريات المجموعات التجارية في اليمن إلى بنك “الكريمي”، أحد أكبر شركات التحويلات والصرافة المحلية، تتضمن المطالبة بإضافة فارق 30 بالمائة كمبلغ إضافي على الحوالات الصادرة من الشمال إلى الجنوب، تماشياً مع الخصم الذي يتم فرضه على التحويلات بالاتجاه المعاكس. وعززت الرسالة وجاهة الشكوك المثارة بشأن الرسوم المفروضة وما يرافقها من حديث عن وجود تلاعب يدفع ثمنه اليمنيون.
ورداً على المطالب الموجهة إلى المصرف بدفع الفارق المقابل، أصدرت الشركة بياناً يشمل مبررات أشعلت هي الأخرى انتقادات حادة، إذ أفادت بأنها تعمل وفقاً لجهات الرقابة والإشراف وأنها تعمل على إرضاء “عملائها سواء كانوا افراداً أو شركات”، وقدمت تبريرا مما أسمته “الرقابة الشرعية” والتي اعتبرت اعتماد التجاوب مع المطالب بدفع فارق العملة المقابل من “الربا” المحرم في الدين الإسلامي.
الانقسام المصرفي يؤثر على المساعدات الإنسانية
بحسب مركز صنعاء للأبحاث والدراسات فإن الانقسام المصرفي في اليمن اثر بشكل كبير على التحويلات النقدية والمساعدات الإنسانية.
ويقول المركز في إحدى نشراته الاقتصادية أنه في العام 2017، قام تكتل الأمن الغذائي والزراعة في اليمن (والذي يتألف من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات المحلية والدولية) بحساب سعر السلة الغذائية الشهرية لمتوسط الأسرة اليمنية الواحدة بـ 24,000 ريال يمني، بما يشمل احتياطي 10%.
ويشير المركز أنه وتم اعتبار هذا الاحتساب منذ ذلك الحين المبلغ القياسي في تقديم التحويلات النقدية للمستفيدين. وباستخدام سعر الصرف الرسمي البالغ 250 ريال مقابل الدولار، فان السلة الغذائية القياسية تكلف 96 دولار، أما عند احتساب سعر صرف السوق كما في يوليو 2017 (367 ريال للدولار) فتكلفة السلة ستكون 65.40$ فقط.
و يضيف أنه بحسب خطة تكتل الأمن الغذائي والزراعة فسيتم تقديم المساعدة إلى نحو 3.9 مليون مستفيد خلال الفترة (يناير – أبريل 2017)، فيما العدد الإجمالي للذين تلقوا تحويلات النقدية حتى كتابة هذه السطور غير متوفر. لكن لبيان الأثر المحتمل لاختلاف أسعار الصرف، سنفترض أن 1.9 مليون مستفيد تلقوا تحويلات نقدية باستخدام سعر الصرف الرسمي؛ وفيما لو تم صرف أموال هذه المساعدات الخارجية من المنظمات بسعر السوق، فإن المبلغ نفسه سيغطي احتياجات غذائية لما يقارب 2.8 مليون شخص.
والأهم من ذلك أن هذه الخسارة بالنسبة للمنظمات الإنسانية حدثت في الوقت الذي تنادي وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في اليمن بتوفير تمويل عجز كبير لتنفيذ خطط طوارئ للاستجابة الانسانية في اليمن.
وفي نهاية حزيران 2017 وكشكل من أشكال التأثير أعلن برنامج الأغذية العالمي أنه يقوم بأعداد “… خطة لتحديد الأولويات في حالة عدم تلقي تمويل كاف لتغطية جميع الاحتياجات، وتصنيف للمناطق حسب مستويات انعدام الأمن الغذائي الشديد، ومعدلات سوء التغذية الحاد على الصعيد العالمي.
وضمن مستوى التمويل البالغ 65% (773 مليون دولار من أصل 1.2 مليار دولار مطلوب) سيضطر البرنامج لقطع المساعدة الغذائية العامة عن 3 ملايين شخص يعانون من انعدام أمن غذائي شديد ويعيشون في المناطق ذات الأولوية الأدنى.
وكشف بحث مركز صنعاء أيضاً أن الأرباح التي حصلتها البنوك اليمنية الناتجة من تعدد أسعار صرف العملة استخدمت أساساً لتعظيم الثروة، ولم تستخدم بأي طريقة واضحة لدعم استيراد السلع الغذائية الأساسية.
ويظل الانقسام المصرفي في اليمن يدفع ثمنه المواطن في مناطق سيطرة جماعة الحوثي في اليمن ممن يعملون خارج هذه المناطق ليفاقم من تردي المستوى المعيشي للمواطنين.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا”.