المواطن – نت- الاشتراكي نت
أكد الأستاذ يحيى منصور أبو اصبع رئيس اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني: اننا اعتدنا خلال ستين عاما مضت أن نتحدث عن الانقسام السياسي الكبير تجاه ثورة سبتمبر على أنه بين جمهوريين مع الثورة وملكيين ضدها. والحقيقة أن الفرز بهذه الطريقة أدى إلى خلط كثير من الأوراق ولم يساعدنا على قراءة المشهد الذي تشكل بعد 1962 بشكل صحيح.
جاء ذلك خلال كلمته التي القاها امس في الحفل الفني والخطابي الذي اقامته منظمة الشهيد جار الله عمر بصنعاء، احتفاءً بأعياد الثورات اليمنية (26 سبتمبر – 14 اكتوبر – 30 نوفمبر) والذكرى الـ 45 لتأسيس الحزب الاشتراكي اليمني.
واوضح أن الجمهورية في هذا الفرز أصبحت مجرد شعار يتساوى فيه الجمهوريون الذين ثاروا ضد نظام الإمامة لتجاوز الحاضر المتخلف إلى مستقبل متقدم، والجمهوريون الذين أرادوا فقط التخلص من بيت حميد الدين والتعاطي مع الجمهورية كعنوان يمنحهم مشروعية الحلول محلها مع البقاء في الحاضر المتخلف بعد تعديله سياسيا بشعارات مستعارة من مُدَوَّنَةْ الفقه العباسي من قبيل “الشورى” وحكم “أهل الحل والعقد”.
وتطرق ابو اصبع في كلمته إلى : الانقسام الذي أحدثته ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 بين القوى التقليدية المشدودة إلى الماضي، والقوى الحداثية المتطلعة إلى المستقبل مستعرضا عددا من التناقضات التي حدثت.
وفيما يلي نص الكلمة:
كلمة رئيس اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمنيالاستاذ يحيى منصور ابو اصبع
في الذكرى السنوية الواحدة والستين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر، والذكرى الستين لثورة الرابع عشر من أكتوبر، والذكرى الخامسة والأربعين لتأسيس الحزب الاشتراكي اليمني.
ـــــــــــــــــــــــــ
الإخوة قادة وممثلو الأحزاب والتنظيمات السياسية
الأخوات والإخوة الحضور
أحييكم جميعا كل باسمه وصفته
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نحتفل اليوم بثلاث مناسبات وهي:
الذكرى الواحدة والستون لثورة السادس والعشرين من سبتمبر في شمال وطننا اليمني الكبير، والذكرى الستون لثورة الرابع عشر من أكتوبر في جنوبه. وهاتان مناسبتان وطنيتان عظيمتان لم يجمع اليمنيون على مدى قرون طويلة من تاريخهم السياسي على شيء مثلما أجمعوا على هاتين الثورتين المجيدتين حتى استقر في الوجدان اليمني المعاصر أن أنبل رجال اليمن الذين ولدوا وعاشوا وماتوا في القرن العشرين-وبعضهم مازال يعيش بين ظهرانينا إلى اليوم-هم أولئك الذين خططوا ونفذوا هاتين الثورتين، وأولئك الذين دافعوا عنهما.
أما المناسبة الثالثة فهي الذكرى الخامسة والأربعون لتأسيس الحزب الاشتراكي اليمني. وهذه مناسبة عزيزة على عقول وقلوب أعضاء هذا الحزب وأنصاره ومحبيه وجماهيره.
الأخوات والأخوة الحضور:
بالنظر إلى المسافة الزمنية الطويلة التي تفصل بيننا وبين عامي قيام الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر؛ وبالنظر إلى ما نحن عليه اليوم من التشظي الذي يهدد وحدة بلدنا وشعبنا، فإن الصدق مع أنفسنا كاشتراكيين، ومع كل شركائنا السياسيين في الوطن، هو العنوان الأبرز لهذه الكلمة التي نلقيها على مسامعكم مستشعرين كامل المسؤولية الوطنية، غير مزايدين على أحد وغير مناكفين.
لقد اعتدنا خلال ستين عاما مضت أن نتحدث عن الانقسام السياسي الكبير تجاه ثورة سبتمبر على أنه بين جمهوريين مع الثورة وملكيين ضدها. والحقيقة أن الفرز بهذه الطريقة أدى إلى خلط كثير من الأوراق ولم يساعدنا على قراءة المشهد الذي تشكل بعد 1962 بشكل صحيح. فالجمهورية في هذا الفرز أصبحت مجرد شعار يتساوى فيه الجمهوريون الذين ثاروا ضد نظام الإمامة لتجاوز الحاضر المتخلف إلى مستقبل متقدم، والجمهوريون الذين أرادوا فقط التخلص من بيت حميد الدين والتعاطي مع الجمهورية كعنوان يمنحهم مشروعية الحلول محلها مع البقاء في الحاضر المتخلف بعد تعديله سياسيا بشعارات مستعارة من مُدَوَّنَةْ الفقه العباسي من قبيل “الشورى” وحكم “أهل الحل والعقد”.
والحقيقة-أيها الإخوة والأخوات-أن الانقسام الكبير الذي أحدثته ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 لم يكن بين جمهوريين وملكيين إلا في الظاهر، أما في الجوهر فقد كان بين قوى تقليدية مشدودة إلى الماضي، وقوى حداثية متطلعة إلى المستقبل. وقد تألف المعسكر الملكي من قوى ماضوية تقليدية معادية للجمهورية ومتشبثة بالحاضر لصالح إمامة بيت حميد الدين، بينما تألف المعسكر الجمهوري من قوى حداثية متطلعة إلى المستقبل، وقوى تقليدية مشدودة إلى الماضي. وفي هذا المشهد واجه الجمهوريون الحداثيون ثلاثة أنواع من التناقضات:
(1) التناقض الأول كان بينهم وبين الملكيين المدعومين سعوديا. ولأن هذا التناقض كان مكشوفا ببعديه الثقافي والسياسي فإنه-رغم حدِّيته وشراسته-كان الأقل خطرا على مستقبل الجمهورية بالنظر إلى الدعم العسكري الكبير الذي حظيت به ثورة 26 سبتمبر من قبل مصر عبد الناصر من ناحية، وبالنظر إلى الحاضنة الشعبية الواسعة التي آزرت الثورة ومدتها بآلاف المقاتلين الذين تمكنوا من دحر الملكيين وإسقاط حصار صنعاء بعد خروج الجيش المصري من اليمن.
(2) التناقض الثاني كان بين الجمهوريين الحداثيين من ناحية وبين الجمهوريين الماضويين الذين اصطفوا سياسيا مع الجمهورية ليشكلوا ثورة مضادة من داخل الثورة. والحقيقة أن هذا التناقض كان هو الخطر الأكبر الذي أمسك بخناق الجمهورية وصادر مستقبلها وأمَّمَها إلى اليوم.
إن اصطفاف جزء من القوى الماضوية التقليدية مع الجمهورية كان اصطفافا سياسيا محسوبا بدقة، أما من الناحية الثقافية فقد كانت الوشائج التي توحد هذا الجزء نفسيا واجتماعيا مع الملكيين أكثر بما لا يقاس من تلك التي توحدهم مع الجمهوريين الحداثيين. ولهذا كانت القوى الماضوية التقليدية في الصف الجمهوري تخطط منذ البداية-وبالتنسيق مع مملكة آل سعود-لحرب مؤجلة مع الجمهوريين الحداثيين، ولمصالحة مؤجلة مع الملكيين تستبعد بيت حميد الدين، وفعلا تمت الحرب المؤجلة-بضوء أخضر من السعودية-فيما عرف بأحداث أغسطس 1968، بينما تمت المصالحة المؤجلة-تحت عنوان الجمهورية بعد إفراغها من محتواها الوطني-وبرعاية سعودية في سبتمبر 1970. وبسبب أحداث أغسطس 1968 والمصالحة مع الملكيين في سبتمبر 1970 تعذَّر على ثورة سبتمبر-وهي ثورة كل اليمن-أن تتحول إلى دولة لكل اليمنيين، مثلما تعذَّر على جيش ثورة سبتمبر أن يتحول إلى جيش للدولة، فقد جرى في أغسطس 1968 إغراق العاصمة صنعاء بالقبائل المسلحة لمقاتلة وحدات الجيش الوطني الي كسرت حصار صنعاء في ملحمة السبعين يوما وقتل قياداته وضباطه أو اعتقالهم أو تشريدهم ونفي معظم أفراده من الحياة العسكرية، ومن ثم تهيئة العاصمة صنعاء لاستقبال قائد الجبهة الشرقية في الجيش الملكي الفريق قاسم منصر في نوفمبر 1968 وفي الوقت نفسه التآمر على حياة رئيس أركان جيش الثورة وقائد قوات الصاعقة وأبرز أبطال الدفاع عن الجمهورية عبد الرقيب عبد الوهاب وقتله غيلة في يناير 1969.
ونتيجة لأحداث أغسطس 1968 ومصالحة 1970 أصبح نظام الجمهورية العربية اليمنية شيئا فشيئا في حالة تبعية كاملة للسعودية، وغدت الوهابية أيديولوجية رسمية-على نحو غير معلن- مسنودة بتدفق المال السياسي السعودي، وشيوع الفساد الذي أتى على كل مناحي الحياة في اليمن. لكن الخطير في الأمر أن مراكز القوى المشيخية والعسكرية وأجهزتها الاستخباراتية ذهبت منذ ما بعد 1970 تكرس وعيا زائفا مؤداه أن كل هاشمي هو إمامي ما لم يُثبِتْ عكس ذلك، أي ما لم يكن من مخبري النظام، وهذا الوعي الزائف تكذبه وتنفيه حقيقة معروفة لكل السبتمبريين وهي أن حوالي 70 % من الضباط الأحرار الذين خططوا لثورة سبتمبر ونفذوها كانوا من الهاشميين.
أما التناقض الثالث فكان داخل الجمهوريين الحداثيين بين حركة القوميين العرب وحزب البعث العربي الاشتراكي. وتعود أسباب هذا التناقض إلى الخلافات التي كانت على المستوى القومي بين دمشق والقاهرة، لكنها احتاجت إلى شحنات أيديولوجية لتبريرها يمنيا.
وبسبب هذا التناقض الأخير تحالف حزب البعث في أحداث أغسطس 1968 مع القوى التقليدية في الصف الجمهوري ورجح نتائج تلك الأحداث لصالحها ضد حركة القوميين العرب، لكنه سرعان ما دفع ثمن تحالفه ذاك ولقي المصير نفسه الذي لقيته حركة القوميين العرب لمجرد أنه حزب وطني غير مرغوب سعوديا.
وبسبب كل تلك التناقضات يكون نظام الجمهورية العربية اليمنية قد انبثق في مناخ صراعي أفضى إلى نظام سياسي قائم على مركزية جهوية رافضة بقوة لأي شكل من أشكال الشراكة الوطنية الحقيقية مع مكونات مجتمع الشمال، حتى قيل عن الجمهورية في ظل هذه المركزية إنها “ديمة تغيَّرَ موقعُ بابِها” في إشارة إلى حلول شيخ القبيلة محل السيد الهاشمي مع بقاء مراكز القوى المشيخية والعسكرية في الهضبة القبلية الزيدية في الشمال هي صاحبة الهيمنة على كل البلاد.
وعندما جاء 22 مايو 1990 كان نظام الجمهورية العربية اليمنية غير مؤهل لأي شكل من أشكال الشراكة الوطنية مع الجنوب، ومن الطبيعي والحال كذلك أن يجر البلاد إلى حرب 1994 التي لم يعرف اليمن بعدها طَعْمَ العافية ليشهد في العام 2011 ثورة زلزلت نظام المركزية الجهوية وكشفت عن كل عوراته. وقد تم احتواء تلك الثورة بتسوية سياسية رعاها مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية وتم إخراجها عبر مؤتمر حوار وطني شامل شخَّص المشكلة اليمنية في المركزية الجهوية كمشكلة مزمنة لا مستقبل لليمن في ظلها، ولذلك انتهى مؤتمر الحوار الوطني إلى إقرار خيار الدولة الاتحادية، لكن الرئيس السابق علي صالح متحالفا مع إخواننا أنصار الله قلب الطاولة على الجميع عبر انقلاب مسلح لتدخل البلاد في حالة حرب مدمرة تداخل فيها الدولي والإقليمي والمحلي الوظيفي الأمر الذي شكل مشهداً انقساميا شديد الخطورة على وحدة وسلامة اليمن أرضا وإنسانا.
ومع كل ذلك يرفض إخواننا في سلطة أنصار الله فكرة الدولة الاتحادية ويعتبرونها مؤامرة دولية، ونحن سوف نتفهم حساسيتهم من الدولة الاتحادية إذا اقترحوا بديلا لا مركزيا يؤسس لشراكة وطنية حقيقية يقبل بها كل اليمنيين للخروج من مستنقع التشظي الراهن.
وما حدث في الشمال تكرر في الجنوب حيث انبثق نظام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في مناخ صراعي بدأ عشية الاستقلال بين الجبهة القومية وجبهة التحرير، ثم انتقل الصراع إلى الجبهة القومية ليرثه عنها الحزب الاشتراكي اليمني الذي شهد الجنوب في ظل حكمه أحداث يناير 1986 المأساوية التي أصابت الوحدة الوطنية للجنوب بشروخ كبيرة وجعلته غير مؤهل لذهاب آمن إلى الوحدة مع الشمال في 22 مايو 1990 الأمر الذي أغرى نظام الشمال لإخراجه من الشراكة الوطنية بحرب 1994 التي نقلت براميل التشطير من الجغرافيا إلى النفوس وألحقت أضرارا بالغة في القضية الوطنية اليمنية.
الأخوات والإخوة الحضور:
إننا في هذا السرد لا نستجر الماضي كما قد يعتقد البعض، وإنما نقرأ دروسه كي لا نكرر أخطاءه القاتلة، وأبرز هذه الدروس هو أن السلام المستدام في اليمن سيظل حلما بعيد المنال مادام للمركزية الجهوية مخالب وأنياب تنقض بها على كل من يفكر بشراكة وطنية حقيقية.
الأخوات والإخوة الحضور:
في الذكرى الخامسة والأربعين لتأسيس الحزب الاشتراكي اليمني اسمحوا لي أن أكرر على مسامعكم أن حزبنا هو المصب الذي التقت داخله روافد الحركة الوطنية اليمنية الحديثة من الشمال والجنوب ممثلة بحزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب واتحاد الشعب الديمقراطي بقيادة عبد الله عبد الرزاق باذيب. وكل من لديه الحد الأدنى من الاطلاع على تاريخ الحزب الاشتراكي اليمني يعلم أن هذا الحزب تأسس منذ البداية على مشروعية وطنية عابرة للتجزئة، حيث ذهبت روافده المختلفة من الشمال والجنوب توحد نفسها في حزب واحد لعموم اليمن أحد عشر عاما قبل إعلان وحدة 22 مايو 1990.
إن الحزب الاشتراكي اليمني ركن أساس من أركان البيت اليمني المتعدد الأركان. وليس من قبيل المبالغة القول بأن جزءا كبيرا من عافية اليمن السياسية يتوقف على عافية هذا الحزب. وعندما نؤكد على علاقة التلازم بين عافية الحزب الاشتراكي وعافية اليمن السياسية فلأن الكلام يدور حول حزب ذي تاريخ وطني خاص شديد التداخل مع التاريخ الوطني العام شمالا وجنوبا منذ ما قبل ثورة سبتمبر وأكتوبر.
أما عافية الحزب فتكمن في مدنيته القائمة على نبذ العنف بكل أشكاله وألوانه والرهان على السلام. وأما عافية اليمن فتبدأ بمغادرة مربعات الحرب والجلوس على طاولة حوار يمني-يمني من أجل البحث المشترك عن حلول ناجعة لكل مشاكلنا.
المجد كل المجد لشهداء ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين، والعزة لليمن، والنصر المؤزر للشعب الفلسطيني وحقه في تحرير كامل التراب الفلسطيني من الاستعمار الاستيطاني الغاصب.