تعز _ تقرير _ هيفاء المذحجي
أحدثت الحرب الأهلية المشتعلة في اليمن منذ مطلع مارس 2015، مشاكل كثيرة وعميقة، إنهالت على اليمنيين تباعًا دون توقف، وضربت بكل مناحي الحياة في البلاد على كافة المستويات والأصعدة، وإجتثت معظم مؤسسات الدولة في جميع المجالات وشردت موظفيها لاسيما المعلمين، الأمر الذي كان له أثرًا بالغًا ومدمرًا على المجتمع ككل وعلى مستقبل الأجيال الصاعدة.
إذ خلال سنوات الحرب الماضية حُرم المعلمون اليمنيون في معظم المحافظات اليمنية من رواتبهم وإن حصل البعض عليها مؤخرًا في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، فهم في الأساس ما يزالون يفتقدون لأبسط حقوقهم التي كفلها لهم القانون، وعانوا الويلات وتجرعوا مرارة العيش وقسوتها جراء ذلك، ولم يتوقف الأثر هنا فحسب بل أيضًا شمل العملية التعليمية بالبلاد، عوضًا عن توقفها خلال موجات تفشي جائحة كورونا”Covid-19″.
معلمون بلا رواتب
تقول أم أسامة(40 عامًا) وهي معلمة في اللغة الإنجليزية بإحدى المدارس الحكومية بمدينة تعز، أنها لم تستلم رواتب عامًا كاملاً في بداية الحرب، وبأن الحكومة لم تعيد صرفها مؤخرًا بعد أن استأنفت عملية صرف مرتبات السنوات الأخيرة.
أم أسامة هي واحدةٌ من بين 43,638 معلمًا تربويًا في مدينة تعز، بحسب نقابة المعلمين اليمنيين، الذين حرموا من مرتبات عامًا كاملاً، ويعانون في الوقت الحالي من عدم انتظام عملية الصرف بشكل طبيعي بعد أن عملت الحكومة على استئناف صرفها خلال الثلاث السنوات الأخير في مناطق سيطرتها فقط، كما تضيف أم أسامة.
ويقول أمين عام نقابة المعلميين اليمنيين في تعز، عبدالرحمن المقطري، أن رواتب عام 2017 لم تعمل الحكومة على تسليمها حتى الأن للمعلمين، وكانت في مطلع 2018 قد عاودت الصرف ومازال مستمر حتى الأن لكن دون تسليم تلك المرتبات السابقة.
هذا الوضع بالنسبة لمناطق سيطرة الحكومة، أما في مناطق سيطرة جماعة الحوثي فما يزال المعلمون محرومين من رواتبهم طوال أربع سنوات وحتى الأن، إذ تقول الأمم المتحدة أن ثلثي المعلمين، أي أكثر من 170 ألف معلمًا، لم يتقاضوا رواتبهم منذ أكثر من أربع سنوات، بسبب النزاع والانقسامات الجغرافية والسياسية في البلاد، مما يعرض حوالي أربعة ملايين طفل لخطر تعطل العملية التعليمية أو الانقطاع عن الدراسة.
وكانت الأمم المتحدة قد دعت في بيان مشترك مع منظمة التربية والثقافة والعلوم الأممية “يونيسكو”، بمناسبة اليوم العالمي للمعلم في مطلع نوفمبر من العام الماضي، إلى ضرورة استئناف صرف رواتب 170 ألف معلم بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن، والذين يعانون من انقطاعها بشكل شبه كلي منذ عام 2016.
حقوقٌ مفقودة
عودة صرف الرواتب للمعلمين في مدينة تعز في ظل عدم حصولهم على حقوقهم وعدم قيام الحكومة بدفع إلتزاماتها المالية إتجاه أهم فئة وظيفية في الدولة، لم يغيّر شيئًا من واقع المعلم المُثقل كاهله، إذ تتمثل تلك الحقوق بالعلاوات السنوية والترقيات والدرجات الوظيفية التي تعمل على زيادة مبلغ الراتب، بالإضافة إلى ما تسمى “طبيعة عمل” خصوصًا للمعلمين الذين نزلت وظائفهم عام 2011 براتب زهيد لا يتجاوز ال 50 ألف ريالاً كما هو حاصل مع المعلمة أم أسامة التي تقول بأنه لم يعد يفي بأدنى متطلبات الحياة.
وفي هذا الخصوص، يقول المقطري أن المعلمون الذي نزلت وظائفهم في 2011 مهضومون جدًا لأنهم لم يحصلوا على حقوقهم من علاوات سنوية وترقيات ودرجات وظيفية وغيرها.
ويضيف في حديثه بأن هناك حقوق كثيرة للمعلم لم يحصلوا عليها ولم تنفذ رغم صدور قوانين فيها عام 2013 كالتأمين الصحي الذي يضمن للمعلم وأسرته الرعاية الصحية والدواء مقابل 10% من راتبه، وحقوق أخرى تتعلق في تكريم المعلمين في اليوم العالمي لهم، بالإضافة إلى حِرمان المعلم من العلاوات السنوية منذ العام 2013 وأيضًا التسويات والدرجات الوظيفية في زيادة راتب، وبدل الريف لمعلمي المناطق النائية وبدل عمل.
ويرى الناشط الحقوقي، عبدالواسع الفاتكي أن المعلمين أضحوا محرومين من أبسط الحقوق النافذة قانونيًا في قانون المعلم بالدستور اليمني كالتسويات والتأمين الصحي والمعيشي وغيره ذلك من أمور الحياة.
ويشير الفاتكي إلى أن المعلمين يتعرضون في تعز لانتهاكات جسيمة وخطيرة، ومنهم من يتعرض للضرب والإعتداء من قبل أولياء أمور الطلاب أو ما وصفهم “بالخارجين عن القانون” في ظل عدم تدخل السلطات في المحافظة وردع تلك التصرفات والعمل على حماية المعلم.
قصور حكومي ووضع متفاقم
تستمر معاناة المعلمين من إهمال الحكومة لهم وعدم قيامها بإصلاح أوضاعهم خصوصًا مع استمرار الحرب وانعكاساتها السلبية على الوضع المعيشي الذي أصبح مترديًا للغاية جراء التدهور الاقتصادي الذي تشهده البلاد وانهيار سعر صرف العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية ما تسبب في ارتفاع الأسعار والتكاليف المعيشية في ظل انخفاض راتب المعلم الذي لم يعُد يفي بأبسط متطلباته واحتياجات أسرته، الأمر الذي أجبر البعض منهم على ممارسة أعمال إضافية.
وبشكلٍ عام يرى نقيب المعلمين المقطري أن الدعم التي تقدمه الحكومة لقطاع التعليم التربوي في تعز ليس كافيًا لكل الإجراءات والاحتياجات، ولديها قصور كبير في ذلك، وليست هناك متابعة للعملية التعليمية باهتمام والعمل على تطويرها تماشيًا مع احتياجات الميدان ومواكبة العصر في التعليم التكنولوجي والألكتروني خصوصًا في ظل الجائحة التي تسببت في تعليق الدارسة.
وفي مطلع يونيو الفائت، أصدرت نقابة المعلمين بيان تطالب فيه الرئيس عبدربه منصور هادي بأن يوجه الحكومة لمنح التعليم وقضايا المعلمين أهمية قصوى، كي يصبح لُبنة في تعافي اليمن من التداعيات المدمرة للحرب التي فُرضت على اليمنيين، مشيرةً إلى ضرورة وقف تسييس العملية التعليمية في البلاد من قبل جميع الأطراف.
ويبقى المعلم والتعليم في اليمن بشكل عام ضحية الصراع الحاصل إلى جانب إهمال السلطات لأهم القطاعات والمؤسسات وحرمان المعلمين من أبسط حقوقهم، إلى أن جاءت جائحة فيروس كورونا الذي تفشى في العام الماضي بعموم البلاد وألقى بظلاله على التعليم وتسبب في توقفه خلال الموجة الأولى والثانية منه.
وكان لفيروس كورونا تأثيرًا عميقًا على الطلاب والمعلمين ومازال ذلك التأثير ساريًا في ظل استمرار انتشاره، إذ تسبب في عدم استكمال المناهج التعليمية، بحسب أم أسامة التي تقول أيضًا بأن صديقتها المعلمة توفت إثر إصابتها بكورونا، مشيرةً إلى أنها عانت كثيرًا بفترة إصابتها في مركز العزل وصارعت الفيروس وحيدةً دون أن يلتفت لها أحد.
“تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان و الشؤون العالمية في كندا”