يحوم شبح المجاعة في بعض الدول الأفريقية كنتيجة طبيعية لتدهور الأوضاع الأمنية والسياسية والحروب الأهلية وفشل منوال التنمية، حيث لم تستطع دولة جنوب السودان الوليدة أن تخرج عن التقاليد الأفريقية القديمة في التنازع على السلطة، مما أدى إلى اقتتال أهلي وحركة نزوح، فضلا عن قلة المساحات المزروعة ونقص الغذاء، وهو ما دق ناقوس خطر المجاعة.
وينتظر الصومال حصول المجاعة الثالثة في ربوعه خلال نحو 25 عاما، وفق تقارير منظمات دولية، إذ أدى الجفاف -الذي ضرب البلاد في الفترة الأخيرة- إلى نقص شديد في الغذاء يهدد نحو ستة ملايين من السكان، كما أن البلاد تشكو من الانقسام وهجمات حركة الشباب المجاهدين، مما يعطل المساعدات الدولية التي ينظر إليها كملاذ ومخرج من مجاعة تتفاقم، وقد تنعدم في وجهها الحلول.
والحديث عن المجاعة في الصومال أو في جنوب السودان لا يبدو في النهاية مستغربا، عكس نيجيريا، في مفارقة تجمع الغنى والجوع، فالدولة الأكثر سكانا في أفريقيا والأكثر إنتاجا للنفط، بدأ هاجس الجوع وسوء التغذية يتسل لال إلى الملايين من سكانها في الشمال الشرقي، حيث يعتمد نحو 4.4 ملايين شخص على المساعدات الغذائية الطارئة، جراء الهجمات التي تشنها جماعة بوكو حرام في المنطقة والانخرام الأمني.
ووفق الأرقام التي نشرتها منظمة الأمم المتحدة ومنظمات دولية، فإن اليمن (من خارج القارة الأفريقية) قد دخل رسميا في محنة الجوع ودوامة المجاعات، وأشارت التقديرات الأممية إلى أن نحو سبعة ملايين يمني يعانون للحصول على الغذاء، وأن 14 مليونا يشكون بشكل عام من انعدام الأمن الغذائي، وأن الأمر يتفاقم جراء استمرار الحرب منذ نحو خمس سنوات وحركة النزوح وانهيار القطاع الزراعي والنظام الصحي.
الجزيرة نت أعدت تغطية عن المجاعة في هذه الدول الأربع، وسلطت الضوء بالأرقام والبيانات والتقارير على أسبابها ومظاهرها والتحركات الدولية من أجل التقليل من تبعاتها.
جغرافيا المجاعة وأسبابها
جاءت “صيحة الفزع” من المنظمات والهيئات الدولية جراء حدة القتال على طول الساحل الغربي لليمن، والقيود المتزايدة المفروضة على دخول السلع الأساسية.وأكد المسؤول عن العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن أوبراين، أن خط المساعدات الحيوي الذي يمر عبر ميناء الحديدة وموانئ أخرى بات يُقطَع، وهو ما يمثل عبئا ضخما على مساحة كبيرة من الأراضي اليمنية يعيش فيها ملايين البشر
يمنيون ماتوا جوعا بزمن الحرب
المدرس محمد القحيمي، معلم بإحدى مدارس مدينة الحديدة (غربي اليمن)، لم يتسلم راتبه منذ خمسة أشهر، وخرج قبل يومين من بيته مهموما هائما على وجهه باحثا عن لقمة عيش لأطفاله، ولكنه لم يعد، حيث سقط ميتا بالشارع، وتوقفت الحياة في جسده المنهك من الجوع والقهر والألم.
انتشرت صور سالم (ثماني سنوات) في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وهو بجسم هزيل تبرز عظام قفصه الصدري لتهز الرأي العام في البلاد أواخر العام الماضي، وتنطلق حينها حملات جمع مساعدات لإغاثة مناطق فقيرة في ريف الحديدة، المحافظة الأكثر فقرا في اليمن.
المجاعة الثالثة بالصومال
حذرت منظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضي من أن الصومال على أعتاب ثالث مجاعة يمكن أن تشهدها البلاد خلال 25 عاما. علما بأن المجاعة الثانية حصدت عام 2011 نحو 260 ألف صومالي. فيما يلي إضاءة على الوضع في الصومال:
المعاناة تطارد الهاربين
تحدثت مديرة مخيم “عدالة” زهرة موسى عن وصول نحو مئتي عائلة نزحت في الأيام الثلاثة الماضية من جنوبي الصومال إلى مخيمهم في الضاحية الجنوبية لمقديشو، وقالت إن عدد هؤلاء أكبر بكثير لكنهم توزعوا على مخيمات عدة في ضواحي العاصمة، بينما لجأ آخرون إلى أقربائهم داخل مقديشو، مؤكدة أن النازحين الجدد يعيشون أوضاعا مزرية.
حصاد الحرب والجفاف
لا تقتصر المجاعة وتوابعها على المناطق الشمالية والشرقية في البلاد، بل ضربت كذلك المناطق الوسطى والأقاليم الزراعية جنوب البلاد، بسبب نضوب مياه نهري “جوبا” و”شبيلي” أو تراجع مستويات مياههما، وعدم هطول الأمطار الموسمية، وقلة التساقطات في المواسم الماضية وفق ما ذكره مركز مقديشو للبحوث والدراسات.
الجفاف ومحدودية الإغاثة
وتشكل الصراعات القبلية التي تشهدها بعض المناطق بمحافظة مودغ وسط الصومال أيضا جزءا في تفاقم أزمة الجفاف وتطورها إلى المجاعة، حسب محافظ مودغ من إقليم جلمودغ عبد الرشيد حاشي، الذي أوضح أن الجهد الإغاثي المتواضع ينحسر في مواقع محدودة يتجمع فيها عدد قليل من النازحين جراء الجفاف.
الحكومة وامتحان المجاعة
تأتي ولاية الرئيس الصومالي الجديد محمد عبد الله فرماجو مع تعقد الوضع الإنساني بالبلاد جراء موجة الجفاف التي اجتاحت لأول مرة منذ عقود أغلب المناطق الصومالية في الشمال والوسط والجنوب مع جهد إغاثي بطيء وبنطاق محدود ينذر بكارثة إنسانية وشيكة.
دولة جنوب السودان
من نعمة النفط إلى نقمته
يطرح المتابعون لشوؤن جنوب السودان والمحللون تساؤلات عدة بشأن إعلان السلطات الحكومية في جوبا بالتعاون مع البعثة الأممية في البلاد، عن تركيز المجاعة التي ضربت البلاد في ولاية الوحدة رغم غناها بالنفط مما أدى إلى نزوح الآلاف من السكان.
من المسؤول ؟
يطرح هذا الإعلان الحكومي بحدوث المجاعة تساؤلات عديدة بشأن الجهة المسؤولة عن تفشي المجاعة في البلاد، ويحمل البعض الحكومة التي يقودها سلفاكير ميارديت مسؤولية هذه الكارثة الإنسانية بسبب استجابتها المتأخرة للمشكلة.ويذهب آخرون إلى تحميل قادة البلاد في الحكومة والمعارضة المسلحة المسؤولية المشتركة للكارثة بسبب غياب الإرادة السياسية لديهم في تحقيق سلام شامل في البلاد.
السودان .. ملاذ آلاف الفارين
يؤكد مسؤولون في ولايات سودانية حدودية أن مئات الآلاف من اللاجئين الفارين من الجوع والاقتتال قد وصلوا أراضيها، وأعلنت ولاية شرق دارفور أن أكثر من 43 ألف لاجئ جنوب سوداني وصلوا الولاية، مما يفوق قدرتها الاستيعابية.للمتابعة
بحيرة تشاد.. الحرب والجفاف
أكدت تقارير أممية أن منطقة بحيرة تشاد (الواقعة بين نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد)، تواجه خطر المجاعة، وهي في حاجة إلى نحو مليار ونصف المليار دولار لتجاوز أزمة الغذاء، وذلك جراء أزمة الجفاف وتراجع المحاصيل، والهجمات التي تنفذها حركة بوكو حرام، وتجبر مئات الآلاف من السكان على النزوح. فيما يلي تقارير عن حوض تشاد وأزمة الجوع والوضع في نيجيريا.
معلومات حوض بحيرة تشاد
عرفت بحيرة تشاد بأنها مصدر رئيسي للماء والأسماك لسكان المنطقة القاحلة المحيطة بها، وكانت غنية بالكثير من الأسماك والأحياء البحرية المتنوعة، لكن الجفاف تسبب في تدهور الحياة المائية وموت معظم الأسماك التي كانت تعيش فيها.
مفارقة الغنى والجوع بنيجيريا
تشهد المنطقة الفقيرة والقاحلة شمال شرق نيجيريا منذ العام 2009 أعمال عنف تنفذها حركة بوكو حرام التي تتبع تنظيم الدولة الإسلامية، وهي تسيطر على معظم ولاية بورنو، وعلى أجزاء من أداماوا ويوبي. كما تشهد منطقة بحيرة تشاد التي تضم أيضا النيجر والكاميرون وتشاد هجمات للجماعة.ومنعت الأعمال المسلحة في ولايات شمال شرق نيجيريا المزارعين من زراعة أراضيهم، فتراجع الإنتاج الزراعي وشحت المواد الأساسية جراء الحرب أو الجفاف. للمتابعة اضغط على الصورة.
حوض بحيرة تشاد مهدد
في محيط جغرافي أفريقي يعرف اختصارا بحوض بحيرة تشاد، يتكرر المشهد القائم في الصومال واليمن وجنوب السودان: احتراب وعنف أهليان بالتزامن مع جفاف مستمر منذ ثلاثة أعوام. والحصيلة هي نزوح المزارعين والرعاة من أربع مناطق (شرق نيجيريا، غرب تشاد، جنوب غرب النيجر، شمال الكاميرون) عن قراهم، ومواجهتهم هذا العام خطر المجاعة.
المصدر :وكالات