وهب الدين العواضي
في خضم الحرب المستعرة في البلاد للعام السابع على التوالي والمستمرة في حصد أرواح اليمنيين، حملت المرأة اليمنية على عاتقها مسؤولية إحلال السلام في البلاد خصوصًا وأنها أكثر من دفع ضريبة تلك الحرب، وهذا ليس غريبًا عن المرأة فالتاريخ اليمني حافلاً بإنجازاتها ومشاركتها الفعالة في مناحي الحياة المختلفة وإنشادها للسلام وتجنبها للنزاعات.
إذ سخرت كل إمكانياتها وكثفت جهودها سعيًا لإنهاء الحرب وتحقيق السلام بالبلاد والمشاركة في مفاوضات السلام بين الأطراف المتصارعة في محاولة لتفعيل القرار الأممي 1325 الخاص بحقوق المرأة وقضايا الأمن والسلام الذي يعتبر نقطة تحول بالنسبة للمرأة كونهُ أول وثيقة رسمية وقانونية صدرت عن مجلس الأمن بنهاية تشرين أول من العام 2000، يشدد فيها على ضرورة مشاركة المرأة في مفاوضات السلام ويطالب أطراف النزاع بدعمها واحترام حقوقها.
تحالفات نسائية
خلال سنوات الحرب الأخيرة لاسيما في العامين الماضيين، عملت المرأة اليمنية على تبني العديد من المبادرات وتشكيل تحالفات نسوية مختلفة في إطار الجهود التي تبذلها في عملية صناعة السلام لإنهاء الحرب بالبلاد، كان أبرزها تحالف “مجموعة التسعة النسوية” وهي عبارة عن تسع شبكات نسوية وشبابية، تضم أكثر من 1000 شخصية من الشبان والشابات بمختلف الشرائح المجتمعية، و50 جمعية ومنظمة مجتمع مدني، بالإضافة إلى تسعة من ممثلي الأحزاب السياسية البارزة في اليمن، تشكلت بدعم ومساندة من هيئة الأمم المتحدة للمرأة إستجابةً لنداء الأمين العام للأمم المتحدة ” أنطونيو غوتيريش” لوقف الحرب في اليمن.
تقول منسقة شبكة جنوبيات لأجل السلام في مجموعة التسعة، بهية السقاف، أن المجموعة نشأت إنطلاقًا من مؤتمر وسيطات السلام في عمّان 2019 ثم بدأت الأنشطة وحملات المناصرة التي قادتها المجموعة في 17 محافظة يمنية في أكتوبر من العام الماضي.
عملت المجموعة على تنفيذ العديد من الأنشطة وقامت بحملات عبر قنوات الإتصال المختلفة لمناصرة قرار وقف إطلاق النار في اليمن تلبيةً لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة والمبعوث الأممي في اليمن “مارتن غريفيثش” بوقف الحرب خصوصًا مع تفشي فيروس كورونا “كوفيد-19” في العام الماضي.
تضيف بهية في حديثها لـ”تاء”: “المجموعة قامت بحملات المناصرة ووصلت صداها إلى أكثر من مليون مواطن يمني عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل المختلفة”.
حملات المناصرة تلك التي نفذتها نساء المجموعة بشكل واسع من خلال نشر مواد إعلامية عن أضرار الحرب التي عصفت بمناحي الحياة في البلاد،عبرت بدرجة رئيسية عن آراء النساء والشباب أيضًا ووجهات نظرهم للمشهد اليمني، وخلق رأي عام مساند لجهود إنهاء الحرب وتحقيق السلام في ربوع البلاد، بحسب بهية.
وتهدف المجموعة لخلق رأي عام محلي ودولي ومساند لدعم جهود مبادرات النساء في سبيل صناعة السلام، وطرح الآراء النسوية تجاه القضايا التي تنقاقش على طاولة مفاوضات السلام، بالإضافة إلى تعزيز وتوحيد جهود المكونات النسائية لتطبيق القرار الأممي 1325 الخاص بالمرأة والأمن والسلام.
يضمّ تحالف المجموعة تسع شبكات وهي: التوافق النسوي اليمني من أجل الأمن والسلام، والقمة النسوية، وأصوات السلام النسوية، وتحالف شركاء السلام، وجنوبيات لأجل السلام، وشبكة نساء من أجل اليمن، والمجلس الاستشاري الشبابي، ومنصة شباب وعي، وصانعات السلام.
ظهور تلك التشكيلات والشبكات النسوية المختلفة والمتفرقة كان عاملاً رئيسيًا لتشكيل تحالف المجموعة لإحتوائها تحت مظلةٍ واحدة؛ لتظافر الجهود والتشبيك نحو عملية صناعة السلام ولتحقيق المزيد من الضغط على الأطراف المتصارعة بضرورة مشاركة المرأة في مفاوضات السلام، كما تقول منسقة شبكة أصوات السلام، شذى الأغبري.
وتضيف لـ”تاء”: “إنضمام الشبكة لتحالف مجموعة التسعة له أهمية كبيرة في مناصرة ودعم كل قضايا النساء، وشكل نوع من الضغط على أطراف الصراع لوقف الحرب والعمل مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومكتب المبعوث الأممي بضرورة مشاركة النساء في عملية السلام”.
أكثر قدرة لإحلال السلام
لم يقتصر دور نساء المجموعة على تلبية النداءات والدعوات الأممية وحملات مناصرة لوقف الحرب في اليمن فحسب، بل شاركن في مفاوضات السلام بين الأطراف المتصارعة وعملنّ على تبني مبادرات لفتح المعابر والطرقات وتشكيل وساطات محلية من مكونات نسائية لإجرى عمليات تبادل أسرى في المحافظات لا سيما بمحافظة تعز، كما تقول بهية ” كنا جزء من مفاوضات وإتفاقات فتح المعابر والطرقات في تعز وأيضًا مفاوضات تبادل الأسرى والمعتقلين بين الأطراف المتصارعة”.
شكل مشاركة المرأة في عملية صناعة السلام دورًا إيجابيًا في مسار السلام من خلال المفاوضات السياسية التي تعقد بين أطراف الصراع في اليمن، وكان عاملاً مساعدًا في الدفع بعملية السلام خصوصًا مع تعدد المكونات النسائية وتوزيع أدوارها في داخل اليمن وخارجها وقيامها بعقد لقاءات مع الأطراف المتصارعة ومفاوضتها، بالإضافة إلى عقدها لقاءات مع سفراء في الدول التسع، وبحسب بهية فقد أشاد المبعوث الأممي في إحاطاته لمجلس الأمن بالدور الإيجابي الذي تقوم به نساء المجموعة وأنهنّ كُنّ عاملاً مساعدًا في الدفع بعملية السلام وتعزيزه في البلاد.
تقول بهية: “هناك نساء من مجموعة التسعة مشاركات في مسار المستشارات لمكتب المبعوث الأممي، وشاركن ثلاث نساء فيه، بعد أن جراء تهميش وإقصاء النساء من المسار الأول للمفاوضات وهو المسار السياسي الذي كان قد شاركن نساء من المجموعة فيه”.
وتتابع: “لم يكن قرار إتخاذ الحرب صادرًا من النساء ولذلك النساء اليوم هن أكثر الأطراف الدافعة لعملية صناعة السلام في البلاد وسيكون لهن الدور الأبرز في ذلك”.
وتتفق شذى معها في ذلك، وتعتقد بأن المرأة هي الأكثر قدرة لإحلال السلام ومفاوضة الأطراف المتصارعة وأصبح من الضروري مشاركة المرأة في المفاوضات، وأن المجتمعات التي تعمل على دمج وإشراك النساء هي الأكثر استقرارًا، تقول ” أؤمن كثيرًا بأنه لا يوجد سلام بدون نساء وأن النساء اليمنيات يمتلكن الكثير من القدرات والكفاءات لإحداث تغيير إيجابي في عملية صناعة السلام”.
والمرأة بطبيعتها مسالمة وهي كما ذكرت بهية ليست مشاركة في الحرب وليست طرف من أطرافه وأيضًا تعتبر المرأة أكثر مرونة من الرجل في مفاوضة الأطراف المتصارعة، وبالتالي تكون فرص النجاح في مشاركته بعملية السلام أكبر وأكثر تاثيرًا.
اِستحقاق المشاركة
ترى أستاذة علم الإجتماع بجامعة تعز وعضو مؤتمر الحوار الوطني ولجنة صياغة الدستور، د/ألفت الدبعي، أن مشاركة النساء في مواجهة جميع أضرار الحرب والقضايا المترتبة عنها على كافة الأصعدة، كوّن لديهنَّ تصور واضح للمشهد اليمني ببعديه الحقوقي والسياسي، الأمر الذي جعل من مشاركتهنَّ في عملية صناعة السلام اِستحقاق لابد منه.
وتضيف في حديثها لمنصة “تاء” أن مخرجات الحوار الوطني أقرّت بأن النساء لابد أن يكن شريكات في أي تشكيلات أو تعيينات رسمية، وضمنت مشاركتهنَّ في عملية صناعة السلام وبالتالي أي لجنة ستشكل أو هئية ستشكل لصناعة السلام أو أي مفاوضات سلام قادمة، من الضروري أن يلتزم طرفي الحرب بتمثيل النساء فيها”.
ورغم البدايات المتواضعة في مشاركة النساء في مؤتمر الحوار الوطني في العام 2011 فقد عمدت الأطراف إلى إقصاء مشاركتهن في المفاوضات، إذ تقلص عددهن في اتفاق “استوكهولم” إلى وحدة ثم إنتهت مشاركتهن تمامًا كما تقول بهية، وتشير إلى أنه لم يعد هناك مشاركة للنساء الأن في مسار السلام الأول بالمفاوضات السياسية جراء الإقصاء الذي مارسته الأطراف.
وفي الوقت الحالي مازال هناك نشاط للنساء في جميع مسارات السلام المجتمعية “المسار الثاني والثالث” وفضها لنزاعات مختلفة في سبيل إرساء قواعد السلم المجتمعي، بالإضافة إلى المبادرات الوساطات التي تتبناها في عمليات تبادل الأسرى وفتح الطرقات والمعابر في تعز التي قامت بها مبادرة “نساء تعز من أجل الحياة” وهي جزء من مجموعة التسعة.
وعلى نحوٍ مختلف ورغم كل الجهود التي تقوم بها المرأة من أدوار إيجابية في عملية السلام، فقد شكل عدم تمثيل المرأة في حكومة المناصفات الحديثة بالنسبة لشذى، صدمة وخيبة أمل كبيرة، وتتفق أيضًا معها بهية على أن الأطراف تعمّدت تهميش وإقصاء المرأة من المشاركة فيها.
تقول شذى: “كان هناك إقصاء وتهميش متعمد لمشاركة النساء وأيضًا عدم الإلتزام بوثيقة مخرجات الحوار الوطني التي تؤكد على مشاركة النساء بما لايقل عن 30% في أي تشكيلات وزارية”.
الإقصاء والتهميش الذي طال النساء في حكومة المناصفات تلك، في الأساس هو إمتداد للحكومات اليمنية المتعاقبة والأحزاب السياسية منذ أكثر من عشر سنوات، والتي جرى فيها تهميش النساء من المراكز القيادية ومراكز صنع القرار وإن كان هناك تمثيل لهن في مناصب وزارية معينة فهي بنسب ضئيلة جدًا لا تتجاوز ال4% في تلك السنوات العشر، وكحد أعلى وصل مشاركتهن في حكومة واحدة وهي حكومة الكفاءات نهاية 2014 إلى 11.7%، وفق تقديرات صحفية.
وتعليقًا على إقصاء المرأة من مراكز صنع القرار الذي إنعكس سلبًا على مشاركتها في مفاوضات السلام وإصرار الأطراف المتصارعة على إزاحتها من طاولة المفاوضات، تعتقد الدكتورة الدبعي أنه لا يمكن أن تتم عملية صناعة السلام بإقصاء النساء اللاتي يُعتبرنّ فاعلات رئيسيات فيه، ومشاركات في جميع المجلات، وينبغي أن يتمسكنّ بحق المشاركة بعملية السلام.
بدورها تؤكد شذى على تمسكها بتلك الحقوق وإمانها المطلق بها، مشيرةً إلى ضرورة تكثيف العمل من قبل جميع نساء اليمن في الداخل والخارج للوصول والتمتع بكافة الحقوق سواء كانت سياسية أو إقتصادية وإجتماعية.