تعز – نصر عبد الرحمن
في سبيل بناء الدولة المدنية الحديثة، الحلم المنشود لليمنيين، عشر سنوات من النضال المدني المتواصل يخوضه أبناء مديرية المعافر جنوب محافظة تعز، جنوب غرب اليمن، كغيرهم من اليمنيين عمومًا، من الثورة الشبابية الشعبية ضد نظام الحكم السابق، إلى مقاومة الإنقلاب والدفاع عن مكتسبات الثورة.
خطوة أولى نحو الحلم
اندلعت ثورة الشباب الشعبية السلمية في الحادي عشر من فبراير 2011م، فانخرط أبناء مديرية المعافر، في ركابها منذ الوهلة الأولى، بل كان عدد من شبابها مع آخرين قد سبقوا ذلك التأريخ بالخروج إلى الشارع، واستمروا بالمشاركة الفاعلة بمختلف فعاليات الثورة بساحة الحرية بمدينة تعز، وساحتهم بالمديرية.
ويؤكد ذلك الثائرون المشاركون بفعالية بمختلف فعاليات الثورة، إذ قالت رجاء إحدى الثائرات من أبناء المعافر في سياق حديثها لـ”المواطن”: “يوم ١١/فبراير ٢٠١١م كان بحضوري شخصياً بتعز حيث كنا بالمؤتمر المحلي الرابع للحزب الإشتراكي اليمني بالمحافظة بقاعة نادي التعاون بالمسبح، فجاءنا الخبر بتنحي الرئيس المصري حسني مبارك من الرئاسة، فخرجنا جميعاً من القاعة مباشرة متوجهين إلى ساحة الحرية حالياً وشارع صافر سابقاً، وبقينا في الساحة وبدأ الناس بالتوافد والهتاف بهتافات ثورية، وكان لي الشرف كواحدة من أبناء المعافر أن أكون من أوائل ثوار وثائرات هذه الساحة العظيمة”.
وأكدت أنها كانت ترفد ساحة الحرية بالكثير من نساء المعافر للمشاركة في الثورة، وأوضحت “أغلب الأحيان كنت اعبي بنزين للباص على حسابي أملاً في دخول أكبر عدد من النساء إلى الساحة، ومرات عديدة بسيارة زوج أحد إخواتي مهيوب عثمان الجرافي، وكذلك أخوه رفيق اللذان ناضلوا ودعمونا بسيارتهم لإدخالنا إلى الساحة كل يوم”.
وأشار جار الله سيف، من أبناء المعافر، في سياق حديثه لـ”المواطن” إلى أن المديرية كانت أول مديرية في الجمهورية تسقط في أيدي الثوار وأدى ذلك إلى سقوط أول شهداء الحراك الطلابي في الثورة.
وأضاف: “لم تقتصر أدوار ومساهمات أبناء المعافر على الفعل الثوري داخل المحافظة بل كان ممتد على ساحة الوطن الكبير، حيث كان لها نصيب من شهداء ثورة الكرامة في ساحة التغيير في صنعاء، وتختلف تلك المساهمات من الفعل الثوري إلى الدعم المادي، وكما كانت تعز هي المحافظة التي تمثل قلب الثورة وعقلها، كانت المعافر كذلك بالنسبة لمديريات المحافظة”.
وتطرق فكري سيف، أحد أبناء المعافر وثوار فبراير في معرض حديثه لـ”المواطن” إلى أدوار المعافر بقوله: “المعافر شاركت منذ الوهلة الأولى لثورة ١١ فبراير وكان لها حضوراً ثورياً سواء داخل المديرية أو في ساحة الحرية بتعز، حيث خرجت العديد من المسيرات السلمية في المديرية سقط فيها العديد من الشهداء والجرحى، كان لها السبق في تسيير مسيرة راجلة إلى ساحة الحرية بتعز”.
وتابع “كما لا ننسى الفعل الثوري السلمي لأبناء المعافر مع مجموعة من شباب الريف داخل ساحة الحرية، تحت مسمى شباب التصعيد والحسم الثوري بقيادة محمد أحمد صبر، ورائد البدري الملقب (بالزعيم) وغيرهم”.
مسيرة الحياة
كان أيضاً لأبناء المعافر حضوراً فاعلا في مسيرة الحياة الراجلة التي أنطلقت من مدينة تعز إلى العاصمة صنعاء مركز الحكم، في 20 ديسمبر 2011م، والتي سبقتها مسيرة راجلة إلى ساحة الحرية أتت من المعافر في السابع عشر من نفس الشهر والعام.
وبهذا الصدد قالت رجاء “أما عن مسيرة الحياة الراجلة إلى صنعاء بتاريخ ٢٠ ديسمبر ٢٠١١ م فقد كانت اللبنات الأولى لها من المعافر حينما كان هناك مسيرة راجلة من المعافر إلى تعز بنفس الشهر من ديسمبر ٢٠١١ م وكان صاحب الفكرة هو المرحوم رائد البدري، وشاركه الفكرة المناضل والحقوقي والثائر مصطفى الحضرمي وكانت امتداد لمسيرة صنعاء السلمية الراجلة”.
وأكد فكري سيف، أن الشباب قاموا بالتنظيم للمسيرة وتشكيل لجنة اشرافية برئاسة المناضل مصطفى محمد أحمد الحضرمي “قائد المسيرة”، رغم رفض ومعوقات بعض القوى الرافضة والمعادية لنهج الشباب وخياراتهم السلمية لإنجاح ثورتهم، وقال: “وفي ليلة انطلاق المسيرة للالتحاق بمسيرة الحياة تم نشر اشاعات إن مسيرة الحياة لن تتم لوجود مخاطر قد تعترض الثوار اثناء سيرهم في الطريق وأن اللجنة الاشرافية ترمي بالشباب إلى التهلكة، وفي الوقت نفسه كانت المعافر قد أعدت العدة وجهزت قافلة من الشباب بحوالي ٢٠٠ شاب بالإضافة إلى الطعام والشراب للمشاركة بالمسيرة الراجلة”.
وتابع “وفي اليوم الثالث من انطلاق المسيرة سيرت المعافر قافلتها البشرية والغذائية الثانية والتحقت بشباب مسيرة الحياة في ساحة ذمار لتعزز الحضور الثوري للمعافر”.
وأكد ذلك جار الله سيف مشيراً إلى “خروج أبناء محافظة تعز إلى مديرية المعافر بمسيرة راجلة سميت (تاج الثورة) كرد فعل على إسهامات أبناء هذه المديرية ليتم تتوجيهم بذلك الاعتراف من الثوار”.
مقاومة الانقلاب
ولم يتوقف أبناء المعافر عند ذلك الحد من النضال بل استمروا في نضالهم المدني فوقفوا ضد إنقلاب الحوثيين رافضين مشروعه الدموي كغيرهم من أبناء المحافظة والمحافظات اليمنية الأخرى، وكانوا حاضنة اللواء 35 مدرع بقيادة العميد الركن عدنان الحمادي، الذي وقف هو الآخر مع الدولة ضد الانقلاب.
للمعافر أدوار بطولية في هذه الحرب حيث سقط الكثير من ابناءها في مختلف جبهات الجمهورية
وبهذا الصدد قال فكري سيف، “مع بداية حرب الإنقلاب في العام ٢٠١٥م وسقوط المعسكرات وخاصة اللواء ٣٥ مدرع، “كان للمعافر الدور الكبير والبارز في احتضان قائد اللواء ٣٥ مدرع، والبدء بتجميع أفراد اللواء وتشكيل نواة الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في الحجرية بقيادة العميد عدنان الحمادي قائد الجيش الوطني، والأستاذ محمد عبدالعزيز الصنوي، والأستاذ فؤاد الشدادي، وغيرهم من أبناء المعافر، ووقفت المعافر بكل اطيافها مع اللواء 35 مدرع والمقاومة الشعبية وكانت الجسر المنيع أمام تمدد الحوثيون إلى مناطق الحجرية، وتم عمل مهرجان احتضان اللواء 35 وجعل المعافر بيئة آمنة للواء والمقاومة وتشكيل مجلس اسناد الجيش والمقاومة على مستوى الحجرية ونجحت في ذلك بقيادة اللواء 35 مدرع والمقاومة الشعبية”.
وأكد جار الله أن “للمعافر أدوار بطولية في هذه الحرب حيث سقط الكثير من ابناءها في مختلف جبهات الجمهورية من جبهات تعز إلى جبهات مأرب إلى جبهات صنعاء والساحل الغربي”، مشيراً إلى أن “مليشيا الحوثي لم تستطع دخول مركز هذه المديرية بعد أن سيطرت على معظم الجمهورية اليمنية، فقد ظلت مدينة النشمة هي المنطلق لكل عمليات المواجهة والنضال ضد هذه المليشيا حيث كان تجمع أفراد اللواء 35 في مديرية المعافر في منطقة النشمة وعلى الخصوص في مدرسة 13 يونيو نجد النشمة”.
وأضاف فكري سيف “عمل أبناء المعافر أيضًا على تفعيل المبادرات الشبابية واللجان التنموية والأنسانية في المديرية، وقمنا بتشكيل لجنة أيواء واغاثة للنازحين أثناء اشتداد وتوسع الحرب لمدة سنة ونصف، وعمل حملات لعودة طلاب المدارس إلى التعليم، وتنفيذ عدة حملات نظافة لأسواق المديرية وغيرها من الأعمال المدنية”.
اقتتال بيني ورفض شعبي
لم تسلم مديرية المعافر من شرارة الاقتتال والموجهات العسكرية بين فصائل قوات الجيش خاصة في العام 2018م، لكن أبناء المعافر خرجوا بالمظاهرات رفضاً للاقتتال البيني على حساب القضية الوطنية ومواجهة إنقلاب الحوثيين، وعلى حساب حياة الابرياء من أبناء المديرية والمحافظة.
وفي السياق قالت رجاء: “تزايدت هذه الاحداث بعد ٢٠١٦م ومنها أحداث أغسطس ٢٠١٨ م الدامية بمنطقة البيرين بين كتائب اللواء ٣٥ المنشقة عنه راح ضحيتها ناس واطفال ابرياء”، مؤكدة بالقول: “حينها أيضاً كان لنا دور برفع الصوت والصمود بوجه المليشيات أيًا كانت”.
بعد جريمة اغتيال العميد الحمادي نصبت ساحة اعتصام، في المعافر وكانت قبلة لإعتصامات أبناء الحجرية للتنديد بذلك الاغتيال الذي مثل انتكاسة حقيقية للفعل النضالي
وعقب جريمة اغتيال العميد الركن عدنان الحمادي قائد اللواء 35 مدرع نهاية العام 2019م، خرج أبناء المعافر في مسيرات واحتجاجات استمرت لأشهر تطالب الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا بمحاكمة الجناة وكشف حقيقة تلك الجريمة للرأي العام، وأشار فكري سيف إلى قيام أبناء المعافر “بتسيير العديد من المسيرات السلمية الراجلة إلى مقر اللواء واللجنة الرئاسية المكلفة بالتحقيق بقضية استشهاد قائد اللواء 35 مدرع بالعين مديرية المواسط”.
وأكد ذلك جار الله، مشيراً إلى أن المعافر “نصبت ساحة اعتصام، وكانت قبلة لإعتصامات أبناء الحجرية للتنديد بذلك الاغتيال الذي مثل انتكاسة حقيقية للفعل النضالي بإستهداف قادتها سواء بالاغتيال أو التحريض الإعلامي ومحاولة التنكيل بهم”.
تضحيات جسام
وكشف عدد من ابناء المعافر عن تضحيات جسيمة قدمتها المديرية طيلة سنوات عشر من النضال المدني المتواصل في سبيل اليمن المنشود، إذ قدمت العشرات من الشهداء و الجرحى في ثورة فبراير بينهم نساء وأطفال والمئات في معركة استعادة الدولة وإنهاء الإنقلاب، كما فقد الكثير من أبنائها أعمالهم ووظائفهم، وغيرها من التضحيات الجسام التي لا يتسع المقام لحصرها في سبيل هذا النضال الوطني المستمر.
وتمتاز مديرية المعافر بطبيعتها الجغرافية المفتوحة وجيلها الشاب فهي تعد شبه مدينة حضرية أكثر منها ريفية مكنها ذلك أن تصبح من رواد النضال الوطني المدني والتفكير المتقدم على مستوى اليمن.