المواطن / تقرير _ نصر عبد الرحمن/ تصوير- حمزة مصطفى
تضيق المساحات ويطول الوقت ويرتفع الضجيج، وتسوء حالة الجرحى والمرضى على متن عربات الإسعاف وقد يخسر البعض حياتهم، ينفذ الصبر وتنشب النزاعات والعنف وصولا إلى سقوط ضحايا مدنيين بين جريح وقتيل جراء قيام بعض المسلحين عسكرين ومدنيين بإطلاق الرصاص الحي لفتح خط السير أمام عرباتهم واطقمهم.
جولة المسبح وسط شارع جمال قلب مدينة تعز أكثر الأماكن والشوارع صراعا مع الازدحام المروري خصوصاً في أوقات الظهيرة وعند غروب الشمس، شهدت مؤخراً تشغيل إشارة المرور فيها، ومع ذلك لا تزال تواجه الكثير من الصعوبات واستمرار المخالفات المرورية.
أسباب
ولعل من أسباب الازدحام المروري في مدينة تعز، انعدام التخطيط الحضري فيها وضيق شوارعها، بالإضافة للدمار الذي تسببت به الحرب التي دارت داخل المدينة وما زالت تدور في محيطها للبنية التحتية اللازمة لتنظيم حركة السير، إضافة إلى أسباب أخرى تطرق لها مدير عام شرطة السير في المحافظة العقيد عبد الله راجح في سياق حديثه ل”المواطن” بقوله “من أسباب الازدحام المروري تدني الوعي المروري الذي يكاد أن يكون صفر لدى المشاة وسائقي المركبات”.
وأضاف وهناك “أسباب عائدة للجهات المعنية كالأشغال والجهات المعنية بالتخطيط منها كثرة المطبات في الشوارع وتشرخ الأرضية وغياب إشارات السير والاشارات والعلامات التي تحدد الاتجاهات وأماكن الوقوف والممنوع الوقوف فيها”، بالإضافة إلى تدني الثقافة والمنظومة الأخلاقية بشكل عام لدى أبناء المحافظة نتيجة للحرب الدائرة فيها ومنها الوعي والانضباط المروري.
وكشف أن من الأسباب ماهي عائدة للمنظم ومنها شرطة السير، وقال: “نحن رجال المرور نعمل بامكانيات ذاتية بسيطة جداً فلا يتوفر لدينا سيارات ولا درجات ولا دوريات ولا أي من مستلزمات العمل المروري”.
وأشار الناشط المجتمعي ايمن الصراري، في حديثه لـ”المواطن” إلى التدمير الذي تعرضت له إشارات المرور في المدينة جراء الحرب وقال: اشارات المرور للأسف انتهت تماما واختفت عن الوجود في مدينة تعاني من الصراعات والنزاعات المسلحة والحروب الداخلية والحصار حيث دمرت ونهبت الاشارات الضوئية التي كانت في الجولات والتي كانت تسهل من الحركة المرورية وخرجت منذ بداية الحرب عن الخدمة بالكامل.
وأوضح بأنه “منذ بداية الحرب والحصار على المدينة أدت إلى زيادة نزوح المواطنين إلى داخل المدينة وتسببت بزيادة المركبات وزيادة سيارات الأطقم العسكرية بالإضافة إلى توقف الإشارات المرورية وعدم تواجد الارشادات والتعليمات المرورية مما أدى إلى زيادة الازدحام المروري.
مبادرة مجتمعية وتحرك رسمي
وشهدت المحافظة خلال الأيام القليلة الماضية مبادرة مجتمعية لمعالجة مشكلات الازدحام المروري والحد منه رافقها تحرك لشرطة السير بالمدينة، حيث قامت مبادرة “نحو العطاء” التنموية الخيرية بالشراكة مع منظمة شباب بلا حدود وشرطة السير وبتميل من منظمة سيفرلورد بتركيب وتشغيل إشارة المرور في جولة المسبح وسط شارع جمال قلب المدينة.
وعن تشغيل إشارة المرور في جولة المسبح في الخامس عشر من شهر أكتوبر الماضي، أوضح رئيس مبادرة نحو العطاء الناشط المجتمعي ايمن الصراري لـ”المواطن” بقوله: “بعد ما تم تجميع القطع من بقايا منظومات تشغيل إشارة المرور المتواجدة داخل مدينة تعز وتجميعها بداخل صندوق إشارات المرور المتواجد بالجولة.. للاسف لم نستطيع تشغيل المنظومة رغم جهود المهندسين، فتواصلنا مع إدارة شرطة السير لتزودنا بقطع مفقودة لكن للأسف لم نستطيع الحصول عليها في اليمن فكانت فكرة تشغيل إشارة المرور بجولة المسبح شبه مستحيله.!!”.
وتابع: بفضل من الله ودعم من شرطة السير ومنظمة شباب بلا حدود واصدقائنا المخلصين للوطن…اثبت لنا المهندس الكبير احمد حسن ان الفشل والاحباط رقم سهل…فقام بتصنيع “منظومة كهربائية محلية الصنع تعمل بنظام مؤقتات زمنية وريلايات تحكم للأشارة الضوئية، وبعد المحاولات المتعددة والجهود الكبيرة نجحت الفكرة والابتكار واشغلت”.
من جانبه أكد مدير عام شرطة السير ل”المواطن” على أنهم اتخذوا عدد من الإجراءات لتخفيف الازدحام المروري وتنظيم حركة السير وهي “التواجد الكثيف لرجال شرطة السير في الشوارع لتنظيم ومتابعة وتقييم حركة السير، توعية الشباب وطلاب المدارس، ضبط المخالفات المرورية عبر استخدام قسائم المخالفات التي تم تفعيلها من بداية العام الجاري، حجز وضبط المخالفين لأنظمة وقواعد السير، تركيب كاميرات مراقبة واشارات ضوئية في بعض الجولات بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني”.
وأشار إلى قيام شرطة السير بالتعاون مع إدارة عام الشرطة بعمل حملات مكثفة لإزالة البسطات والاكشاك التي كانت تعرقل حركة السير.
معوقات تشغيل إشارة المرور
كشف رئيس مبادرة نحو العطاء عن عدد من المعوقات التي قابلتهم أثناء تشغيل إشارة المرور في جولة المسبح وهي “صعوبة توفر الأجهزة الخاصة بالتحكم في التوقيت للاشارات، وتوفير الطلاء الخاص بالازفلت، وتركيب أجهزة البث الذي تنقل الصورة من الكاميرات في الجولة إلى غرفة العمليات في شرطة السير، ولقينا منع من بعض المباني وعالجنها في خطة بديلة وتكاليف إضافية، صعوبة معرفة المواطنين في تواجد وتفعيل الاشارات، وتعليمهم الالتزام بها”.
ترحيب شعبي
بدورهم رحب سائقي المركبات ووسائل النقل والمواطنين بعملية تشغيل إشارة المرور في جولة المسبح، مشيرين إلى أنها استطاعت أن تنظم الحركة وتعالج الكثير من مشاكل السير والازدحام المروري.
وعند مقابلتنا لعدد منهم أكدوا على أهمية الالتزام بإشارات المرور، مشيرين إلى وجود بعض المخالفات لها من بعض سائقي المركبات وبدرجة كبيرة سائقي الدراجات النارية، مطالبين السلطة المحلية والجهات المعنية بتشغيل إشارات المرور في بقية جولات شوارع المدينة.
بدوره أشاد الملازم أول محمد سعيد الحاج، المرابط في جولة المسبح لتنظيم حركة السير، بعملية تشغيل إشارة المرور في الجولة، مشيراً إلى أنها خففت عليهم أعباء تنظيم السير وخففت من المخالفات وسهلت السير بدرجة كبيرة، مشددا على أهمية تشغيل إشارات المرور في بقية شوارع المدينة.
مخالفات
وعلى الرغم من مرور أكثر من شهر على تشغيل إشارة المرور في جولة المسبح، وتواجد رجال المرور لتعليم السائقين والمشاة بها، ومعرفة السائقين بها إلا أن الكثير من المخالفات المرورية لا تزال مستمرة.
وعند سؤالنا للملازم محمد سعيد عن سبب تواجدهم في الجولة رغم وجود إشارة المرور قال: “المواطن والسائق لا يزال غير مدرك لاشارات المرور والبعض لم يعرف بعد بوجود إشارة رغم مرور شهر على تشغيلها”.
وأوضح لـ”المواطن” أن أكثر الملتزمين بالإشارة هم أصحاب المركبات ذات اللوحات الخصوصي، فيما الأجرة لا يزال هناك مخالفات من قبلها، وبالنسبة لسائقي الدراجات النارية لا يزال أغلبهم غير ملتزم بالإشارة”، مؤكداً على أن نسبة المخالفات التي يتم رصدها “بحدود عشرة إلى عشرين بالمئة”.
وعي المجتمع
أوضح الناشط ايمن بأن الوعي المجتمعي “إلى حد ما ضعيف ويحتاج إلى مزيد من التوعية ومعرفة أهمية تطبيق نظام الإشارات الضوئية لحماية المشاة وتنظيم حركة السير، مضيفًا أنه يمكن الرفع من مستوى الوعي المجتمعي والالتزام باشارات المرور “عن طريق توفير اللوحات الارشادية في الشوارع، وعن طريق التوعية في وسائل التواصل الاجتماعي”.
وأكد مدير شرطة السير على تدني منظومة القيم الأخلاقية والثقافة بشكل عام نتيجة للحرب الدائرة في المحافظة، مشيراً إلى أنه يمكن الرفع من مستوى الوعي والالتزام بنظام حركة السير “عن طريق وسائل الإعلام والناشطين بوسائل الإعلام المختلفة وعبر وزارة التربية والتعليم عبر توعية طلاب المدارس”.
وطالب بتعاون المجتمع والجهات المعنية الرسمية في عملية الالتزام وتنظيم حركة السير، كما طالب “رجال الجيش والمقاومة بالتعاون وأن يكونوا مثالاً يقتدى بهم في قضية احترام النظام والقانون”.
إحتياجات ووعود
وكشف ايمن الصراري عن أهم الاحتياجات اللازمة لتشغيل الاشارات الضوئية التي من شأنها أن تخفف من الازدحام المروري إذا ما تم تشغيلها في مختلف شوارع المدينة وهي “صيانتها وعمل نظام تحكم بديل محلي الصنع، اسلاك كهربائية وتوصيل الكهرباء اليها، تكاليف اجور المهندسين وتشغيل الاشارات والتي تصل إلى 2000 $ كأقل تكلفة لكل جولة، عدد من اللوحات الارشادية التي تساعد في تنظيم حركة السير وتوعي وترشد المواطنين وتسهل الحركة المرورية في الشوارع”.
من جهة ثانية أكد الصراري على أن “مبادرة نحو العطاء بذلت جهود كبيرة وتفتقر إلى الدعم وفي حال توفر داعمين سنتوسع إلى جولات اخرى وسنحقق نجاح اكبر كما تحقق النجاح في جولة المسبح”.
وأضاف: “نحن الآن نرى مدى التزام المواطنين في تطبيق نظام الاشارات الضوئية في جولة المسبح ومن ثم في حال ان المؤشرات ممتازة سوف ننتقل إلى جولات اخرى”.
من جانبه أشاد مدير شرطة السير بعملية تشغيل إشارة المرور في جولة المسبح، راجيًا تعاون الجهات المعنية ومنظمات المجتمع المدني في تشغيل إشارات المرور ببقية شوارع المدينة، وقال: “عملنا الخطط والبرامج التي من شأنها النهوض بالعمل المروري وانا منتظر بفارغ الصبر موافقة السلطات عليها والبدئ بالتنفيذ”.
وخلف الازدحام المروري الذي تعاني منه، شوارع مدينة تعز، جنوبي غرب البلاد، الكثير من المشاكل وضاعف من معاناة المواطنين في ظل الانفلات الأمني المتزايد في المحافظة، بالإضافة إلى الأوضاع المتدهورة نتيجة الحرب الدائرة فيها وغياب الدور الحكومي في التخفيف من معاناتهم وتقديم الخدمات لهم.