شرف الصوفي
تذهب ندى (اسم مستعار) للعمل، كل صباح، في إحدى المؤسسات التجارية في صنعاء، وتعود قبل المساء. في الطريق، تتعرض للكثير من المضايقات والتحرش اللفظي بكلمات بذيئة وخادشة للحياء، اعتادت ندى على هذه السلوكيات في الشارع، لكنّها لم تتخيل أن تنتقل إلى مقر عملها.
تقول ندى إنها كانت تسمع بعض كلمات المدح والثناء من قِبل مديرها الذي كانت تعمل لديه، وفي بداية الأمر، كانت تشعر أن هذه الكلمات ليست إلا مُحاباة طبيعية، لكنّها أصبحت تتلقى منه مضايقات كلامية، وكلمات فيها ودّ وتلميحات جنسية مع مرور الوقت.
قد يتعرضنّ للإهانة، أو النقل إلى مكان آخر، أو الطرد؛ وهذا يولد شعور لدى المرأة بأنها ليست مرغوبة، أو بالأصح، مجرد سلعة للمقايضة
بدأ المدير التقرب منها بشكل أكبر يومًا بعد آخر، حتى وصل الحال به إلى القيام بالاعتداء عليها، والتحرش بها جسديًا، وتحسس أجزاء من جسدها، تفيد ندى: “نهرته في البداية، ولم أكن أريد ترك العمل؛ كوني بحاجة ماسة إليه، لكنّه بدأ بالتطاول أكثر فأكثر؛ ما جعلني أترك العمل لديه، وأبحث عن بديل”.
الخوف من العار
تتعرض كثير من النساء للمضايقات والتحرش في أماكن كثيرة، منها أماكن العمل، وقد يختلف سلوك المتحرش الذي يبدأ، في العادة، باللفظ، ثم التقرب وملامسة الجسد، وقد ينتهي بالاعتداء الجنسي.
ولا تستطيع كثير من النساء فعل شيء سوى المغادرة وترك العمل، وفي حال كشفت المرأة عمّا حدث لها من انتهاك لأي أحد، فإنّ اللوم سيعود عليها، “وقد تحدث لها مشاكل لا يُحمد عقباها”، حد قول ندى.
وتشير ندى إلى أن “معظم النساء يمتنعنّ عن إبلاغ الجهات المعنية؛ خوفًا من وصمة العار، أو الفضيحة”.
آثار نفسية
تقول المختصة النفسية مرفت النابهي: “أبرز ما قد تعاني منه المرأة التي تعرضت للتحرش هو الخوف من ردة الفعل، سواء كانت من أهلها، أو من المجتمع (الخوف من الفضيحة)؛ وهذا يعود إلى عدم تقبل المجتمع فكرة أن المرأة ضحية؛ فيرمي باللوم عليها”.
من جانب أخر، فإن “الضحية تشعر بالتوتر المستمر والإهانة؛ وينتج هذا عن إحساس المرأة بالتقليل من قيمتها وكرامتها كإنسان؛ الأمر الذي ينعكس سلبًا على شخصيتها؛ فتصبح ضعيفة الشخصية؛ وتصاب بالاكتئاب والرغبة في العزلة؛ كنتيجة لعدم قدرتها على مصارحة شخص ما بما حدث”، كما تصف النابهي.
وتضيف النابهي: “النساء اللاتي يتعرضنّ للتحرش، أثناء ممارسة عملهنّ، يتأثرنّ بشكل سلبي؛ نتيجة ما يخلفه التحرش من آثار نفسية، وقد يُعرضهنّ رفض مطالب المتحرش، الذي يمارس عليهنّ نفوذ سلطته في العمل، لمجموعة من العقوبات تؤثر على وضعهنّ المهني والمالي، وقد يتعرضنّ للإهانة، أو النقل إلى مكان آخر، أو الطرد؛ وهذا يولد شعور لدى المرأة بأنها ليست مرغوبة، أو بالأصح، مجرد سلعة للمقايضة”.
طبيعة المجتمع، غالبًا، لا تتقبل رؤية المرأة ضحية لمثل هذه الأساليب، وكثيرًا ما يرونها مذنبة؛ ما يجعلها تتجنب المطالبة بحقها في الحماية؛ خوفًا من وصمة العار
وتنصح النابهي بـ “ضرورة الاعتراف بظاهرة التحرش لدى المجتمع، والسعي لمعالجتها؛ ويجب العمل على إعادة تأهيل النساء اللواتي تعرضنّ للتحرش من خلال جلسات نفسية متكررة يقوم بها مختصون؛ لمساعدتهنّ على تجاوز الآثار النفسية للتحرش”.
جريمة المرأة
في ذات السياق، تقول سالي (اسم مستعار) إنها تركت العمل في أماكن كثيرة بسبب التحرش، كما أنها أخبرت، ذات مرة، إخوانها بما حدث، وبدورهم قاموا بمنعها من العمل، والخروج من المنزل؛ بحجة أنّها المخطئة.
وتشير سالي إلى أن “طبيعة المجتمع، غالبًا، لا تتقبل رؤية المرأة ضحية لمثل هذه الأساليب، وكثيرًا ما يرونها مذنبة؛ ما يجعلها تتجنب المطالبة بحقها في الحماية؛ خوفًا من وصمة العار”.
عانت سالي من حالة نفسية سيئة بسبب ما حدث؛ إذ تقول: “شعرت بالوحدة والاكتئاب؛ بسبب خوفي وعجزي عن الشكوى للأسرة، أو الجهات المعنية”.
وتتفق سالي وندى على “ضرورة اعتراف المجتمع بوجود ظاهرة التحرش؛ ما قد يساهم في مكافحة هذه الظاهرة بشتى السُبل؛ وتخليص المرأة من خوف الفضيحة، والمسارعة في إبلاغ الجهات القانونية المختصة”.
قصور قانوني
لا يوجد قانون في اليمن يختص بمكافحة التحرش،إلا أنّ المادة 274 منقانون الجرائم والعقوبات تنص على: “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن 6 أشهر، أو بالغرامة، كل من أتى فعلًا فاضحًا علانية؛ بحيث يراه أو يسمعه الأخرون”، بعد أن كانت المادة 273، من نفس القانون، قد عرفت الفعل الفاضح المخل بالحياء بكونه: ” كل فعل ينافي الآداب العامة، أو يخدش الحياء، ومن ذلك التعري، وكشف العورة المتعمد، والقول والإشارة المخل بالحياء، والمنافي للآداب”.
من جهة أخرى، يرى المحامي زياد الدبعي أن “الإشكالية، في المقام الأول، تكمن في المجتمع نفسه؛ إذ يَعتبر المجتمع الإفصاح عن التحرش عيبًا؛ ما يُصعّب على كثير من النساء اللجوء للقانون”، ويشير الدبعي إلى أن المادة 270 من قانون العقوبات تنص على أنّ: “كل فعل يطال جسم الإنسان، ويخدش الحياء، يقع من شخص على آخر، دون الزنا، واللواط، والسحاق، يعتبر هتكُا للعرض”، ويطالب المشرع بـ “ضرورة إيضاح القوانين بشكل جيد، أو إعادة تعريفها حتى تكون واضحة للجميع”.
“هناك حاجة لدراسة هذه الظاهرة؛ ومعرفة مسبباتها وجذورها الاجتماعية”، تقول الباحثة الاجتماعية منيرة القدسي، وتضيف: “لدى المجتمع مفاهيم مغلوطة حول ظاهرة التحرش؛ وذلك يعود إلى العادات المجتمعية، وبعض التفسيرات المُلتبِسة في فهم بعض الجوانب الدينية؛ ما يجعل المجتمع ينظر للمرأة على أنّها أداة لسد الاحتياجات الجنسية فقط”.
وتوضح القدسي: “الانغلاق والكبت الجنسي في المجتمع سببان آخران يساعدان على تنامي هذه الظاهرة”، وتربط القدسي حل هذه المشكلة بتغيير المفاهيم المغلوطة حول المرأة، والتعامل مع قضية التحرش على أنّها انتهاك خطير، ويجب الوقوف ضده، مشيرة إلى أن رفع مستوى الوعي في المجتمع باستخدام حملات التوعية والتعليم، قد يساعد في تحسين طرق التعامل مع هذه القضايا.
*تنشر هذه المادة بالتزامن مع منصة هودج