المواطن/ كتابات – أبوبكر السقاف
العولمة المتوحشة تدمر آمال الناس على هذا الكوكب الحزين في إمكان جعل عصر المعلوماتية بثورتها في مجال المعرفة واقتصاد المعرفة جسرا إلى عالم جديد تتحقق فيه أحلام (المدينة الفاضلة) أو (جمهورية الشمس) أو(أطلالنطا الجديدة) وهذه عنوانات مؤلفات الطوباويين في الفكر الغربي والعربي. أصبحت العولمة تعني حرفيا «عولمة الفقر».
وتذكرنا مجلة فوربس الأمريكية بهذه الحقيقة الكئيبة كل عام عندما تصدر عددا جديدا يجمل مسيرة الاقتصاد العالمي في عام مضى. ولغة الأرقام قاسية وحادة ومقلقة وهي تنقل القارئ رأساً إلى الشقاء العام الذي يرين على أرضنا وكأنه ليل سدت مساربه وينذر بطول العذاب في هذه الدنيا «وادي الدموع والأحزان» (ماركس).
وعدد المجلة الأخير الصادر في آذار المنصرم يقدم تقريرا يذكر أن في العالم نحو ألف من أصحاب المليارات ويقدر ما يملكه من هؤلاء العشرة الأوائل منهم، وهم أغنى الأغنياء، وعلى رأس القائمة بيل غيتس مالك المايكروسوفت وبقية العشرة من الولايات المتحدة والسويد وفرنسا وكندا والصين وألمانيا وروسياü والهند والمكسيك.
يعلق التقرير بملاحظة نافرة على عملاقين في قائمة العشرة من المكسيك وهما كارلوس سليم هيلو، ويملك 49 مليار دولار ويصفه بأنه «شخصية لا تحظى بالثقة بل ومزدرى في المكسيك»، في بلد يعيش نحو نصف سكانه تحت خط الفقر، ويرد ضمن قائمة العشرة الهندي لاكشمي ميتال، وتقدر ثروته بـ 23 مليار دولار، وهو الذي أقام احتفالا أسطوريا لزواج ابنته بلغت تكاليفه 65 مليون دولار، ويعرف بأنه صاحب أكبر شركات الصلب في العالم، بينما ينام 350 مليون هندي كل ليلة جائعين، وفي قائمة الأغنياء الألف هناك 21 من الهنود.
ازداد الطلب على السلع الكمالية مثل سيارات بورش ومرسيدس ورولزرويس والشركة الأخيرة بدأت في إنتاج الفانتوم وسعرها 412 ألف دولار أما سيارة يوغاتي فيرون فسعرها 1.2 مليون دولار ومرسيدس جديدة سعرها 4.35 مليون دولار!
نمت ثروات الأغنياء الألف في العام الماضي بمعدل 35% فبلغت 3.5 ترليون دولار. بينما الناتج المحلي الإجمالي لأقطار القارة الأفريقية كافة بلغ 2.3 ترليون دولار في العام 2005م، ونحو ثلث سكانها يعيش على أقل من دولار واحد في اليوم. ويقدر التقرير مجموع الدخل القومي لكل دول العالم باستثناء أمريكا الشمالية والصين واليابان والهند يصل إلى أقل من ثروات الألف من الأغنياء في العام 2007م. يذكر التقرير أن بليوناً من البشر ينامون جائعين كل ليلة .. بليون من البشر.
هذه اللا مساواة لا تقوم على الجهد في مجال الإنتاج المادي الفعلي، بل يتكون معظمها في مجال المضاربات في أسواق الأوراق المالية. ويحكي جانبا مهما في هذه القصة سورس الملياردير الأمريكي المجري، في كتابه رأسمالية القرن العشرين، حيث يظهر أنه أفاق بعد مغامراته التي هزت الأسواق المالية في العالم لا سيما في بريطانيا وجنوب شرق آسيا، ويقرر أن الاستمرار في هذا الطريق لن يؤدي إلا إلى الدمار. وكان عالم الاقتصاد الأمريكي توبن الحائز جائزة نوبل، قد قدم منذ سنوات اقتراحا بفرض ضرائب على المضاربات لكبح جماح العبث بثروات العالم.
يعترف كتاب التقرير محقين بأن هذه الثروات لم تجمع بالجد والجهد بل بانتهاز الفرص في درب المغامرة «تغشى عالمهم اليوم سحائب الانتهازية والبلطجة وأشكال الفساد السافرة» ويصعب «اتهام» توبن أو القائمين على مجلة فوربس باليسارية، بله التطرف، وكذلك الملياردير سورس.
منذ أن حطمت الرأسمالية الحدود بين الأمم والقارات وحدت سوق العالم في ما سماه المؤرخ الفرنسي بروديل: الاقتصاد – العالم. وأصبح العالم في عصر الامبريالية المنتصرة يشهد ظاهرة تدفق النقود من العالم المتخلف والتابع إلى المتروبولات: حواضر الدول الامبريالية. والاسم الحقيقي للتخلف هو التبعية في إطار الاقتصاد- العالم. وإذا كان الفقر يفترس في اليمن السعيد نحو 40% من المواطنين فإن جزءا من الثراء الفاحش الذي تصفه مجلة فوربس صنعه الجوع والمرض والجهل في بلادنا، والذين يستولون على الثروة جاهزة فيها يشبهون أغنياء العالم وإن لم يكونوا بين الألف.. والمؤكد أنهم لا ينتمون إلى اليمن الذي نعيش فيه لأنهم أعضاء في ذلك النادي الذي يعبث بثروات الأمم.
كُتب في 5/4/2007
في رواية القدر لفولتير التي نقلها إلى العربية الراحل طه حسين يسخر من بطلها الذي يعتنق آراء الفيلسوف ليبنتز ومفادها أن عالمنا أفضل العوالم الممكنة، فيبشر البطل وهو على منصة المشنقة بهذه الفكرة.
مكاتب المجلة في عواصم العالم تعرف خبايا أصحاب الثروات، ولعل هذا كان وراء اغتيال مدير مكتبها في موسكو قبل عامين الصحافي خلينبيكوف (أمريكي من أصل روسي)، بعد أن نشر في المجلة أرقاما عن ثروات «الروس الجدد» في زمن الرأسمالية المتوحشة التي مكنتهم من نهب ثروات تراكمت عدة أجيال في بضعة أيام ودون جهد يذكر.