تأملت ملامح أنور الركن بعد إفراج المليشيات عنه؛ فرأيت نفسي، ورأيت أهلي وأصدقائي.. رأيت بلادا بأكلمها في عينيه.
قضيتُ عامين كاملين منذ غزو الحوثيين صنعاء في المدينة التي لم تعد صنعاء، ومن ثم توسعهم بمعية علي عبد الله صالح في كل اتجاه وشن حرب على كل اليمنيين، وفي كل لحظة من العامين كنت أتوقع نفسي مختطفا لدى هؤلاء القتلة، ولم يكن لديّ ما يكفي من الاحتياطات لتأمين نفسي، لا مادياً ولا اجتماعيا، وحتى تلك الأشياء قد لا تكفي في حالة حرب يبدو كل رأس فيها هدفاً للبنادق والمدافع والطائرات، لم أكن أملك خياراً سوى مغادرة صنعاء، وقد تأخر تنفيذ هذا الخيار عامين كاملين، وبدون تخطيط مسبق وجدت نفسي أغادر في صدفة لا أدري حتى اللحظة هل كانت من حسن حظي أم سوءه.
لم أكن حذراً؛ لكني لم أكن شجاعا أيضا، قضيت عامين تحت سمع وبصر المليشيات، أرفض وجودها، وأكتب وأقدم خدمات إعلامية لقنوات معادية للانقلابيين، وأنام وأنا أنتظر زيارة أفرادها إلى مرقدي، كنتُ إذا سمعتُ حركة مريبة في الشارع أو في السلم؛ أقفز في الظلام أبحث عن ملابسي خشية أن يأخذوني بملابسي الداخلية، وكأن كل شيء سيكون لطيفا في ضيافتهم عدا أني لن أكون في هيئة لائقة.
كل يوم كنت أسمع وأقرأ عن المختطفين، ومنهم من كنت أعرفهم شخصيا، ومنهم أصدقائي، وكل لحظة كنت أتصور نفسي معهم.
غادرت صنعاء، وفي طريق المغادرة كنت أحبس أنفاسي في كل حاجز تفتيش ميليشاوي، وأنا أسلم لأفراد المليشيا أوراقي الثبوتية وأجيب أسئلتهم الغبية، وبعد آخر نقطة لم تراودني رغبة في إطلاق صرخة فرح؛ فقط سألت نفسي: أي حماقة تلك التي تجعل المرء يبقى كل هذا الوقت بين قوم يحملون السلاح ويمارسون كل أنواع الغطرسة، والأدهى أن يمنحهم مبررات التنكيل به؟!.. لكني نجوت، وإن كان ذلك مؤقتاً.
تأملوا ملامح أنور الركن، هذا الفتى النقي العصامي الذي تسلق الكثيرون على ظهر نشاطه ونضاله وحيويته؛ فنالوا المناصب والثروات، ونال هو الفقر والتشرد والصبر والأمل، أخذه المجرمون من على سيارة وهو مسافر بلا هدف يمكن أن يمثل خطرا على أحد .
تأملوا ملامح أنور، ستجدوا أنفسكم فيها، ستجدوا بلاداً تسمى اليمن.