المواطن نت- كتابات- فتحي أبو النصر
في زوايا وطن أنهكته الحروب، وأرهقته التجاذبات، وخلفت الحيرة أثقالها في أرواح الناس، يبرز اسم الدكتور محمد عبدالرحمن السامعي كشعلة لا تخبو وسط العتمة.
هنا في تعز ثمة رجل لا يحمل حقيبة ممتلئة بالأوراق فقط، بل يحمل وطنا مثخنا بالجراح على أكتاف حلمه، ويدير مالية محافظة تعز بروح الفيلسوف الذي يرى في المال العام مرآة للنقاء، وبقلب الشاعر الذي يكره العبث ويحتفي بالشفافية.
وُلد السامعي في لحظة احتاج الوطن فيها إلى من يتقن فن التوازن بين الحلم والواقع.
بين شهادة الدكتوراه في اللغة العربية التي حصل عليها من جامعة تعز، وعمله كمدير عام لمكتب المالية في المحافظة، تتجلى فلسفته في الإدارة: التخطيط الاستراتيجي، الحوكمة، والأتمتة. ثلاثية ليست مجرد كلمات في تقرير إداري، بل قصيدة ألقاها السامعي أمام واقع لا يعرف الرحمة، واقع تحولت فيه الإيرادات إلى شظايا تتبعثر في حسابات خاصة، فيما بقي السامعي في موقعه، يحاول جمعها في أوعية الدولة الشرعية، كمن يُرمم شجرة في صحراء.!
لذلك حين يتحدث السامعي عن الإيرادات، يبدو وكأنه يكتب رواية عن الخيانة. يشير بوضوح إلى أن 90% من الإيرادات تهرب إلى حسابات خاصة. يتحدث عن مديريات مثل “المظفر” و”صالة” و”القاهرة”، التي بقيت إيراداتها خارجة عن القانون، وكأنه يسرد فصولا من مأساة حديثة. ومع ذلك، لم يكن السامعي مجرد راوٍ للألم، كان الفاعل الذي قرر أن يقاتل باللوائح والقوانين، أن يُعيد هذه الأموال إلى مسارها الطبيعي رغم كل الصعوبات.
والآن في ظل حصارٍ سياسي واقتصادي خانق، يقف السامعي في مواجهة فساد متشعب الأطراف. هنا، يتداخل السياسي مع الاقتصادي، وتتحول المعركة من مجرد أرقام إلى صراع وجود. يروي كيف حاولت بعض الشركات المالية استغلال فارق العملة الجديدة والقديمة، ويشرح بشفافية أسباب تأخر الرواتب، ويفضح مخالفة مصرف الكريمي للعقود المبرمة. لكنه، كمناضل اشتراكيٍ اصيل، لا يرضى أن تكون هذه التفاصيل مجرد أعذار، بل يرى فيها فرصة لصناعة نظام أكثر عدلا، وأكثر صدقا مع موظفي الدولة.
في الحقيقة لم تكن خلفيته الأكاديمية في اللغة العربية مجرد تخصص جامعي، بل كانت انعكاسا لرؤية فلسفية عميقة في فهم المجتمع والإنسان. يُشبه السامعي الكلمات بالإيرادات،كلاهما يحتاج إلى نظام دقيق حتى لا يُساء استخدامه. يرى في المال العام قصيدة مهدورة تحتاج إلى شاعر شجاع يعيد لها جمالها ، وفي العمل الإداري هو لوحة يجب أن تُرسم بألوان النزاهة والالتزام.
ينتمي السامعي إلى جيل تشرب قيم الحزب الاشتراكي اليمني في أزهى عصوره، حيث كانت العدالة الاجتماعية والمساواة طموحا واقعيا، وليس مجرد شعارات. في مكتبه بمالية تعز، لم يكن مديرا فقط، بل كان نموذجا لإدارة إنسانية ترفض أن ترى الإنسان رقما في ميزانية.
لكن السامعي يواجه اليوم مثل كثير من الكوادر الاشتراكية، واقعا يُهيمن عليه نظامٌ اقتصادي يُفضل المصالح الشخصية على المصلحة العامة. ومع ذلك، بقي وفيا لمبادئه، وحول عمله إلى درسا في المثابرة والنزاهة.
وإذ نحن في زمن تفككت فيه الأخلاقيات الإدارية، يقف السامعي كطائر عنقاء يحترق كي يضيء. قاد مبادرات لإيجاد حلول بديلة لصرف الرواتب عندما تخلت الشركات عن مسؤولياتها، وأصر على التزام الشركات المالية بشروط التعاقد، حتى لو كلفه ذلك تهديدات وضغوطات.
كذلك حول مكتبه إلى مركز للحلول في مدينة تطحنها الأزمات، ولم يرضخ للإملاءات أو يستسلم للفوضى.
ربما كان أصعب ما واجهه السامعي ليس فقط فساد المؤسسات، بل أيضا العقلية الاجتماعية التي تُفضل الارتجال على التخطيط، والولاءات القبلية على الالتزام بالقانون. يتحدث بجرأة عن دور الرقابة المجتمعية، ويدعوا الناشطين والصحفيين إلى التحقق من المعلومات قبل إطلاق الأحكام، وكأنه يُعيد صياغة العلاقة بين الإعلام والمجتمع على أساس شفاف من المسؤولية المشتركة.
ان الدكتور محمد السامعي ليس مجرد مديرٍ ناجح، بل هو مشروعٌ متكاملٌ لرؤية مالية و إدارية جديدة في اليمن. حلمه أن تتحول المالية العامة إلى شجرة مثمرة يتشارك الجميع في رعايتها، وأن تُعاد صياغة مفهوم الوظيفة العامة كمسؤولية أخلاقية قبل أن تكون مجرد مهمة يومية.
بمعنى آخر فإن محمد عبدالرحمن السامعي أيقونة النضال المؤسسي في طيات تعز، المدينة التي تنبض بالحياة رغم الحصار، وهو يقف اليوم كواحد من أبرز الكفاءات اليمنية التي جسدت الروح النقية للنضال المؤسسي الفارق . فهو ليس مجرد مدير لمكتب مالية تعز، بل شخصية استثنائية تكتب فصلا جديدا في سردية النزاهة والعمل العام في بلد يترنح تحت أعباء الفساد والحرب.
السامعي، الذي يحمل شهادة الدكتوراه في اللغة العربية من جامعة تعز، امتزجت في شخصيته لغة الأدب بجوهر العمل المؤسسي. إنه شاعر الإدارة الاستراتيجية، وملهم حوكمة الأرقام، حيث يقود أحد أفضل المكاتب الحكومية بوعي حاد لمفاهيم الأتمتة والتخطيط الاستراتيجي.
عمل السامعي على نقل مكتب المالية من حالة الشلل الإداري إلى ميدان الرقابة الفاعلة. ورغم التركة الثقيلة التي خلفتها الحرب، تصدى بشجاعة للمخالفات، محاولا استعادة الإيرادات المنهوبة إلى قنواتها القانونية. لا تقتصر جهوده على الأرقام، بل تمتد إلى بناء ثقة مجتمعية تنهض من بين الأنقاض.
ومع ذلك، فإن إبداع السامعي لا يقف عند حدود الإدارة المالية. فهو متخصص في الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة، مما يجعله مثالا نادرا للإدارة التي تسير بخطى التكنولوجيا في منطقة تتحدى فيها البنية التحتية نفسها.
هذا المزج بين المعرفة الأكاديمية والخبرة العملية يشكل شخصية فريدة ترى في العمل العام رسالة أخلاقية وسياسية عميقة. السامعي لا يدير الأرقام فقط،بل يعيد كتابة مفردات الشفافية والنزاهة، وهناك تتقاطع الأزمات السياسية والاقتصادية مع طموحات التنمية.!
لقد واجه السامعي حملات افتراء تستهدف جهوده، لكنه ظل ثابتا في موقعه، مستندا إلى يقينه بضرورة بناء دولة مؤسسية تعكس تطلعات الشعب اليمني. وهكذا فإن صموده أمام محاولات التشهير وتحويله مكتب المالية إلى نموذج يُحتذى به، هو دليل حي على أن الإصلاح ممكن حتى في أقسى الظروف.
والحال أننا في وطن أنهكته الحروب والأزمات، فيما يبقى محمد عبدالرحمن السامعي أيقونة للنقاء في زمن ملوث.. أنه يقاتل بوعي فلسفي، وإصرارٍ إداري، ورؤية ثقافية، ليصنع فرقا في واقع مثقل بالخذلان.
قصته ليست مجرد حكاية نجاح، بقدر ما إنها دعوة للتأمل في معنى الضمير والإدارة الديناميكية في زمن يحتاج فيه اليمن إلى مثل هؤلاء الرجال أكثر من أي وقت مضى.
وحينما ندرس مسيرة محمد عبدالرحمن السامعي، ندرك أن قصته ليست مجرد تفاصيل إدارية، بل حكاية إنسانية تحاكي صراع اليمنيين مع واقعهم.
باختصار شديد ،إنه صوت العدالة في مواجهة العبث، وحلم الدولة الذي لا يموت، وإنجاز يتحقق في قلب اللاتوقعات.
د محمد عبد الرحمن السامعي
درجة الماجستير بامتياز من مركز الدراسات العليا (برنامج ادارة الاعمال التنفيذي) في جامعة تعز. وكانت رسالته (التخطيط الاستراتيجي وأثره على حوكمة المؤسسات الحكومية “دراسة ميدانية في مكتب مالية تعز”)
يذكر أن هذه الشهادة الاكاديمية المرموقة تعد الثالثة التي يحصل عليها الدكتور محمد عبدالرحمن السامعي ، حيث سبق وان حصل على درجة الماجستير في العام 2006م في مجال اللسانيات واداب اللغة العربية ، كما حصل على درجة الدكتوراة عام 2012م
متخصص و خبير في التقنيات المالية المصرفية FinTech و الأنظمة البنكية.
متخصص وباحث في أنظمة الذكاء الاصطناعي.
متخصص وباحث في الـ Big Data .
حاصل على العديد من الشهادات والدورات من شركة جوجل و اوراكل وميكروسوفت.