المواطن -تعز – فهمي محمد
الدولة المدنية لم تكن سوى تطور تاريخي لمفهوم الدولة المؤسسية او دولة القانون على إعتبار ان هذه الاخيرة كانت اختراع إنساني في حقل السياسة بهدف معالجة مشكلة السلطة ومغامرة الحاكم المتسلط .
لذلك كان اختراع الدولة كفكرة يعد تطور تاريخي على صعيد تحويل مفهوم السلطة من كونها امتياز شخصي الى كونها ممارسة وظيفية مؤسسية محكومة بسلطة القانون وهو مايعني فض حالة الاشتباك القائم بين الاشخاص الحاكمين بذواتهم وبين السلطة العامة. بينما أتت الثانية ( الدولة المدنية) كتطور لا حق بهدف معالجة الاحتقان الاجتماعي حين بدأ المجتمع الانساني يتطور ويعبر عن نفسه بمكونات سياسية وحزبية تحمل مشروعا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وتسعى في نفس الوقت الى حيازة السلطة العامة لاسيما تلك المجتمعات التي حققت تقدما على صعيد مفهوم الحرية بالمعنى الواسع القائم على شرعية الأنا والآخر المغاير والمعارض ( المجتمع الاوروبي نموذجا ) لذلك كان نظامها السياسي ( أي الدولة المدنية) نظام ديمقراطي يعكس حالة التعدد القائم في المجتمع .
في كل الاحوال لم تكن الدولة بالمفاهيم السابقة قادرة على الوجود ورؤية النور في تلك المجتمعات لولاء نجاح تلك المجتمعات إبتداءً في صناعة مجال سياسي عام مستقل قائم في الاساس على مفهوم السياسة بما هي سياسة مدنية وعلم مدني مستقل بذاته .
حدث ذلك بعد نضال شاق وصراع طويل بين سلطة اهل الفكر والتنوير وبين رجال السلطة المستبدة ( دينية كانت او زمنية ) وهو الصراع الذي أنتهى بانتصار المجتمع لمفهوم السياسة كعلم مدني وتحرير المجال السياسي العام من سيطرت الدين والسلطان .
مايجب ان يلاحظ ان هذا الانتصار لمفهوم السياسة في المجتمع الاوروبي قام في الواقع على أساس صلب ومتين بحيث تزامن النجاح في تأسيس مجال سياسي عام مستقل عن سيطرت الدين والسلطان مع وجود نظام ثقافي ومعرفي مدني مترسخ في ثقافة الجماعة ومتأصل في سلوك الافراد ( ثقافة سياسية مدنية) هذا اذ لم يكن الاول نتيجة طبيعية لوجود الثاني في حياة المجتمع .
ما يفهم من هذا السياق استحالة قيام دولة مدنية في مجتمع تقليدي يحتكر الدين او السلطان مجاله السياسي العام . ناهيك عن ان القيم المدنية لم تشكل بعد نظامه الثقافي والمعرفي والقول بغير ذلك يعني امكانية تربيع الدائرة بمعجزة .
تقول التجربة التاريخية في اليمن انه اكثر المجتمعات التي احتكر الدين والسلطان مجاله السياسي العام ومازالت مكوناته الفاعلة في قاع المجتمع تقدم الدين مشروع سياسي بل وتحول الدين من عقيدة روحية الى عقيدة سياسية كما هو الحال مع مشروع المسيرة القرأنية والمشروع السلفي وكذلك مشروع التيار السروري او بقياء حركة الاخوان داخل حزب الاصلاح .
وفي المقابل فإن الاحزاب اليسارية والقومية التي لاتجعل من الدين عقيدة سياسية اصبحت غير قادرة على النضال والانتصار لمفهوم السياسة .
حتى عندما تم استخدام الدين في خدمة السياسة لا يعني ذلك الانتصار لمفهوم السياسة على حساب الدين في المجال العام بقدر ما يعني توظيف الدين فقط في تبرير استبداد السلطان واحتكاره للمجال السياسي العام .
الحديث عن صعوبة تحقيق الدولة المدنية في اليمن لا يعني الاستحالة المطلقة بقدر ما يعني ضرورة الوقوف امام نجاعة الادوات الثورية ـ
فهل نحن بحاجه الى ثورة ثقافية على المستوى الافقي اجتماعيا ام الى ثقافة الثورة على المستوى العمودي سياسيا حتى ننتصر لمفهوم السياسية اولاً ??
وهي التي تعد حجر الاساس في بناء الدولة المدنية .