تقرير : أمين الحاشدي
تزداد ظاهرة انتشار التدخين بين القاصرين في اليمن، مما يعني ظاهرة سيئة في أوساط المجتمع اليمني، حيث لجأ الكثير من الشباب إلى التدخين بدواعي أنهم يخففون من ضغوطاتهم النفسية والاكتئاب الذي يرافقهم.
يقول عبدالرحمن الشلفي البالغ من العمر ”25 عامًا” في حديثه لـ”صحيفة الصحافة والنشر”: “بالنسبة لي كأخ عندما عرفت أن أخي الأصغر مني يدخن، أول ما بدر في عقلي هو أسلوب الترهيب (الضرب) وبالتالي زاد عناده في تناول التدخين ولم نصل إلى أي نتيجة”.
لم تكن هناك أي طريقة من أسرة الشلفي للتعامل مع شقيقه الأصغر غير أسلوب الترهيب، ولم يروا أي نتيجة على أرض الواقع، حيث اتجهوا إلى النصائح المتكررة وإرشاده إلى الصواب، وتركوا له الاختيار له، حسب قول عبدالرحمن.
مأساة التدخين
يواصل الشلفي حديثه بالقول: “قمنا بمقاطعته وأوحينا له أننا لا نقبل ولا نحب أن يكون هناك شخص في عائلتنا من هذا القبيل (يتعاطى التدخين) وأوقفنا عنه مصروفه اليومي”. مضيفًا “تستطيع القول استخدمنا حرب نفسية على شقيقي حتى يعود إلى الصواب”.
يتابع: “استمرينا في حرب نفسية مع شقيقي لفترة من الزمن ولم نتحدث معه، جعلنا والدتي فقط من تتحدث معه، مرت فترة زمنية ثم بدأ بالعودة واتخذ قراره بالإقلاع عن التدخين، وابتعد عن رفقته الأولى وهذا الذي كان السبب الرئيسي في تدخينه”.
يرى الشلفي أن سبب اتجاه القاصرين في العمر إلى التدخين هي الصحبة السيئة أو رؤية الأب ومحاولة تقليده، بالإضافة إلى تقصير في الرقابة الأبوية وعدم متابعة الأسرة للأبناء واهمالهم، وهذا ما يجعل الأبناء يتجهون إلى مسارات “انحرافية” أكثر من ذلك، وقد يصل إلى منحدر الشبو والمخدرات التي تعد ظواهر خطيرة في أوساط المجتمع.
خبر صادم
يشكل التدخين تهديدا مباشراً على حياة الشباب وأولياء الأمور عند معرفة أن أولادهم بأنهم يدخنون، مما يشكل خبراً صادمًا وغير متوقعًا عند الكثير من الاباء والإخوة.
يقول علاوي ماجد البالغ من العمر ”26 عامًا” في حديثه لـ”المواطن”: “بينما كانت الأيام تمر بسلاسة، وكانت الحياة تسير بشكل طبيعي في منزلنا، حدث شيء غير متوقع وصادم للغاية. كان شقيقي الأصغر، الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، يخفي سرًا خطيرًا عنا، وهو تعاطيه للسجائر”.
ويوضح علاوي: “كانت الصدمة تنتابني عندما رأيته لأول مرة وهو يدخن، لم أستطع تصور أن يقوم بشيء مثل هذا، فقد تربينا في بيئة صحية ونحن نعلم تمامًا بأضرار التدخين على صحة الإنسان، وما زاد الأمر سوءًا هو أن شقيقي كان يعلم تمامًا أننا نعارض تعاطي التبغ، ولكنه قرر تجاهل ذلك والاستمرار في هذه العادة الضارة”.
ويضيف: “كان عليّ أن أتصرف بحذر وحكمة في هذه الحالة الحساسة، بدلًا من لومه أو انتقاده بشدة، قررت أن أتحدث معه وتفهم. فقد علمت أن التهجم عليه قد يزيد من ميله للتمرد والمضي قدمًا في تعاطي السجائر، لذلك، اجتمعت معه وتبادلت معه بعض الأفكار والمشاعر بصدق”.
ويؤكد علاوي: “أخبرته عن قلقي العميق بشأن صحته ومستقبله، وأعطيته معلومات واضحة وعلمية حول أضرار التدخين، بما في ذلك المخاطر الصحية، الجسدية، والنفسية المحتملة، حاولت أن أعرض عليه بدائل صحية وأنشطة بديلة يمكن أن تساعده في التخلص من هذه العادة السيئة”.
كان على علاوي إخبار والديه بما حدث، وهو الأمر الصعب للغاية بحسب وصفه، “حيث أنهما كانا يعتبران شقيقي الصغير مثالًا يحتذى به”، لكن كان من الضروري أن يعلما الحقيقة فشرح لهما الموضوع بوضوح، وأكد لهما أنهما ليسا وحدهما في هذا التحدي، “وأنه يمكننا جميعًا العمل سويًا للتغلب على هذه المشكلة”.
لم يكن من السهل على والديّ علاوي أن يتقبلا هذا الخبر الصادم، ومع ذلك، فقد أدركوا أنهما بحاجة إلى دعم طفلهما ومساعدته في التغلب على هذه العادة السيئة، يقول علاوي: “لقد سعيت جاهدًا لإقناع أخي بأن يدرك خطورة التدخين وتأثيرها السلبي على حياته، ولكن دون جدوى”.
احصائيات مقلقة
دراسة محلية قالت ان ظاهرة التدخين منتشرة بين طلاب المدارس بنسبة 37% من الذكور مقابل 13% من الفتيات، فيما تقول دراسة اخرى أن هناك 3.4 مليون مدخن في اليمن 29.2% منهم مراهقين.
وأشارت إحصائيات أخيرة لمنظمة الصحة العالمية إلى أن اليمن تحتل المرتبة الأولى على مستوى الوطن العربي في أعداد المدخنين بنسبة وصلت إلى 60 بالمائة. وأوضحت دراسة ميدانية أجريت حديثاً أن اليمنيين يدخنون 6.4 مليار سيجارة سنويًا، أي ما يعادل 317.5 مليون علبة سجائر، بواقع 870 ألف علبة يوميًا.
طلاب في خطر
التدخين عادة غير صحية بسبب كثرة التداعيات التي يسببها، ومن أبرزها الإدمان وصعوبة الإقلاع عن هذه العادة السيئة وذلك لاحتوائها على مادة النيوكتين التي تسبب إدمانًا على التدخين، بالإضافة للأعراض الإنسحابية التي تأتي بالتزامن مع التوقف عن التدخين، والتي “لا يستطيع من يتعاطى الدخان أن يتحملها”، كما يقول بعضهم.
يقول الأستاذ هائل جميل وكيل مدرسة 26 سبتمبر لـ”الصحافة” أن للتدخين أضرار صحية خطيرة على المدى القريب والبعيد، وخاصة على الطلاب في المدارس، موضحًا: “أصبح عددا كبيرًا من الطلاب في المدرسة يدخنون، دون علمهم أن التدخين يؤدي إلى التهاب رئوي حاد، وإلى زيادة حساسية الشعب الهوائية، وفي المراحل المتقدمة قد يؤدي إلى السرطانات”.
مضيفًا: “لا تتوقف التأثيرات والأمراض على عضو أو جهاز معين، فالتدخين له أضرار كثيرة على أجهزة متعددة أبرزها الجهاز الهضمي والعصبي والرئوي والتناسلي”.
تأثيرات التدخين
في هذا السياق يقول الدكتور فهمي حسان فاضل وهو أستاذ علم النفس الأكلينيكي المشارك في برنامج علم النفس، قسم العلوم الاجتماعية – كلية الآداب والعلوم – جامعة قطر، في حديثه لـ”الصحافة” أن التدخين يؤثر على الصحة العامة، والصحة النفسية للفرد وخاصة في المراحل المبكرة من العمر، مضيفًا: “تبقى التأثيرات السلبية للتدخين لسنوات عدة، وتلعب عوامل كثيرة في انتشار التدخين بين صغار الشباب والمراهقين، ومنها غياب الرقابة الأبوية بسبب انشغال الأباء والأمهات بمطالب الحياة اليومية وخاصة في بلدنا الذي لا زال يعاني من عواقب الحرب”.
ويُعتبر غياب الرقابة الأسرية للشباب والمراهقين من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تعلّم التدخين والإدمان عليه، فمن محيط الأسرة إلى محيط المجتمع قد يلتقي الشاب أو المراهق بالرفيق السيئ فيتعلم منه العادات السلبية وأبرزها التدخين، “مع غياب رقابة الأهل قد ينجرف الشاب إلى خوض تجربة العادات السلبية من هؤلاء الأصحاب”. حسب قول د. فهمي.
ويتابع د. فهمي: “في ظل تدهور العملية التعليمية، والافتقار إلى وسائل ترفيه متعددة يجد الشباب ضالتهم في التدخين، وهنا قد يقعوا فريسة لاستغلال ضعاف النفوس، فقد يغروهم بتدخين مواد ذات فعالية نفسية كالمواد المحظورة (الحشيش، المارجونا، وحتى الشبو)”.
ودعا الدكتور فهمي الاباء بضرورة الاقتراب من أبنائهم المراهقين، وتفعيل الحوار المنطقي داخل الأسرة، والنصح والإرشاد لتفادي وقوع المراهقين في مشاكل كبرى.
حلول
أثر التدخين على الأداء الدراسي والاجتماعي للشباب والقاصرين وهو ما أدى إلى ضعف التركيز لدى طلبة المدارس، وتراجع الأداء الأكاديمي، مما أثر على فرصهم المستقبلية والتي غالبيتها تكاد تكون مقيدة تماماً، وقد تسبب في انعزال الشباب عن المجتمع، وأدى إلى مشاكل اجتماعية كثيرة مع الآخرين.
يقول الدكتور محمود البكاري أستاذ علم الاجتماع في كلية الآداب جامعة تعز في حديثه لـ”الصحافة”: “التدخين ظاهرة اجتماعية سلبية تنتشر بقوة في أوساط الشباب وذلك بحكم مرحلة المراهقة التي يمر بها الشباب وما تفرضه من رغبة في المحاكاة والتقليد لسلوك الكبار وهذا يعني أن هناك قدوة سيئة تساعد على انتشار التدخين في أوساط الشباب”.
موضحًا: “نقصد بذلك أن الشاب عادةً ما يتأثر بسلوك ولي الأمر هذا جانب، وجانب آخر أن ولي الأمر لا يستطيع أن يفرض على الولد نصائح بعدم التدخين وما له من أضرار وهو يراه يتعاطى التدخين أمام عينه فلا يكون لنصائحه قبول أو تأثير”.
متابعًا: “تعتبر التنشئة الاجتماعية أولًا وما يسمى بجماعة الاقران أو الأصدقاء سواء في المدرسة أو الشارع وهم بطبيعة الحال رفقاء السوء، يضاف إلى ذلك توفر إمكانات مادية تسهل عملية الإدمان على التدخين”.
وأضاف البكاري: “لذلك فإن الحلول لهذه الظاهرة تبدأ من الأسرة فالمجتمع ثم فرض قوانين تمنع التدخين في الأماكن العامة للحد من ظاهرة التدخين إضافة إلى ضرورة نشر الوعي المجتمعي لدى الشباب بخطورة التدخين على حاضرهم ومستقبلهم، كما ينبغي العمل على نشر إعلانات صحية تحذر من خطورة التدخين، أو التأثير السلبي بالواقع المعيشي الصعب ومحاولة التعبير عن ذلك بادمان التدخين”.
*نشاط شعبة الصحافة – تعز ٢٠٢٤