في الذكرى الـ53 لحركة الـ22 من يونيو التصحيحية عام 1969م
من 14 اكتوبر 1963م وحتى 22 مايو 1990م
محمد علوان ثابت القباطي (*)
(الاهداء إلى ولدي العزيز عبدالله علوان مع جزيل الشكر له على جهوده الطباعية وإلى اقرانه من جيل الشباب)
مقدمة:
لقد ظلت اليمن تشكل بموقعها الجغرافي المغري والمتحكم بأهم الممرات المائية العالمية مركزاً لإثارة أطماع الغزاة الذين توالوا على احتلالها عبر مراحل مختلفة من التاريخ غير أن الشعب اليمني أيضاً قد تميز بمقابل تلك الاطماع بروح المقاومة الباسلة لمختلف اشكال الغزو الخارجي وآخرها كان الاحتلال البريطاني لجنوب الوطن ناهيك عن مقاومة الاستبداد والطغيان الداخلي والمحلي، وفي الظروف المعاصرة ومع ظهور بحيرة النفط في دول الجوار اكتسبت اليمن أهمية عالمية متزايدة بحكم قربها من المخزون الاحتياطي الضخم من الذهب الأسود، وبحسب المثل الشعبي (من قارب الكير يحرق وإلا امتلى من غباره) لقد سادت اليمن، إلى جانب الأنظمة الاستعمارية الاستبدادية الظالمة التي عاثت في الأرض فسادًا، حِقب تاريخيه من الحكم والأنظمة المحلية التي لا تختلف في طبيعتها الاستبدادية وممارسة الظلم الجائر ضد الشعب عن الأنظمة الاستعمارية وقد تكون في بعض الأحيان أكثر بشاعة وشراسة وعبثاً بمصير البلاد والعباد وقد عانى شعبنا الصبور صنوف من الذل والعذاب والقهر المزدوج الاستعماري والمحلي والمتمثلة بمصادرة حقوقه المادية، والمعنوية واستلاب إرادته الحرة وحقه الطبيعي في العيش الحر والكريم.
المحطة الأولى:
ومن هنا فإن قيام ثورة الرابع عشر من اكتوبر عام1963م، لم تكن بمحض الصدفة، أو من باب الترف، بقدر ما جاء ذلك الحدث التاريخي العظيم كتعبير صادق عن استجابة الشعب لقدره المحتوم في الخلاص من الاستعمار واعوانه ونهجه المعادي والمذل، حيث أصبحت الظروف الموضوعية مهيئة وناضجة كشرط أساسي لاندلاع شرارة الثورة الشعبية المسلحة والذي يعني استفحال الأزمة العامة التي شملت مختلف أوجه الحياة وبلوغها الذروة، وبمعنى آخر وتفصيلي تعني التدهور الفظيع لمستوى معيشة الشعب وضعف الخدمات العامة وانعدامها وغياب الاستقرار الأمني والسياسي وانتشار التخلف والعزلة المفروضة على الشعب من قبل الاستعمار وعملائه من الأنظمة العشائرية والقبلية المتخلفة والمنعزلة عن بعضها البعض واهدار الحقوق وكرامة الشعب وتعميق الفوارق والامتيازات الطبقية والفئوية في المجتمع وبروز طبقات وفئات طفيليه نشأت على أساس المضاربة في السوق والنهب واستمرئت العيش على حساب اوجاع وآلام الجماهير الشعبية وجوعها، كل ذلك وغيره إلى جانب اعتماد الاستعمار البريطاني لضمان بقائه أطول فترة ممكنة على سياسة (فرق تسد) القذرة والتي أخذت اشكالاً متعددة من التفريق والتمزيق بين أبناء الشعب اليمني الواحد؛ وأهم مظاهرها ما يلي:
- التفريق بين أبناء ما تسمى بالمحميات الجنوبية من خلال تكريس الكيانات الهزيلة والمستقلة عن بعضها البعض والتي بلغت (23) سلطنة ومشيخة وايهام كل واحدة منها في التعامل معها كدولة مستقلة وتقديم لها المساعدات والهدايا والرواتب الشهرية التافهة وضمان الحماية للقائمين عليها مقابل ربطهم بخدمة المصالح الاستعمارية البريطانية من خلال الاستفادة من دعم المشاريع الزراعية الملبية لاحتياجات القاعدة العسكرية والمصالح البريطانية وخاصةً تشجيع زراعة الخضار والفواكه والقطن… الخ، ومن جهة ثانية الاستفادة من أبناء تلك الكيانات الهزيلة عبر الحاق ابنائهم في الخدمة العسكرية والأمنية للدفاع عن المصالح الاستعمارية والزج بهم في مواجهة غليان الشعب نيابةً عن الجنود البريطانيين مع الاحتفاظ بحقها في التمييز بين أبناء المناطق والقبائل ضد بعضها البعض لاستخدامها ضدهم في الاوقات المناسبة لذلك ومثلاً على ذلك وضع العولقي في مواجهة الكازمي والكثيري ضد القعيطي والصبيحي ضد الحوشبي والضالعي ضد اليافعي.. الخ، واثارة الفتن والنعرات وروح العدوانية بينهم.
- التمييز بين أبناء النُخب المثقفة والبرجوازية العدنية وبين بقية أبناء الشعب فيما تسمى بالمحميات الجنوبية بصورة خاصة وبين أبناء اليمن بصورة عامة ومحاولة إضفاء الصبغة العدنية الخالصة على أبناء مستعمرة عدن كهوية مميزة ومستقلة عن أبناء اليمن عامة وكأن عدن رقعة تقع في كوكب المشمش ورفع الشعار الاستعماري المعروف بـ(عدن للعدنيين) وبالمقابل نشر وتكريس مفردة (البدوي) لوصف أبناء المحميات الجنوبية كمتخلفين بهدف الانتقاص من مكانتهم ومن حقوقهم في المواطنة المتساوية باتجاه تفكيك وحدتهم الوطنية وخلق أكثر من هوية في الشطر الجنوبي من الوطن، وفي اطار ما يسمى بالمحميات الجنوبية سعى الاستعمار إلى تكريس الهويات المزيفة لأكثر من 23 كيان هزيل على أساس مناطقي وقبلي وعشائري وإقامة الحدود الفاصلة بين تلك الكيانات كدويلات مستقلة عن بعضها.
ومن جهة أخرى حاول الاستعمار تمزيق وحدة أبناء الشعب اليمني عبر اتخاذ جملة من الإجراءات القانونية غير الشرعية ورفع الشعارات المميِزة لأبناء الشطر الشمالي عن أبناء الشطر الجنوبي من الوطن وخاصةً أبناء عدن ومنها:-
– إصدار بطاقة الإقامة التي تعتبر القادمين من شمال الوطن يمنيين وأجانب.
– اغلاق أبواب التعليم الحكومي امامهم.
– اغلاق باب الوظيفة العامة المدنية والعسكرية امامهم باستثناء حالات شاذة أسعفها الحظ
وقد تركز نشاطهم في مجال الخدمات والأعمال العضلية الشاقة، أما التعليم في المدارس الأهلية كان متاحاً ولكن لأبناء القادرين على الالتحاق به مثل مدرستي بلقيس وبازرعة وغيرها.
وقد اشاع الاستعمار واعوانه مفردة (الجبالية) لوصف أبناء الشطر الشمالي بغرض الانتقاص من شأنهم وحقوقهم الوطنية إضافةً إلى وصفهم بالأجانب وممارسة شتى أنواع الاضطهاد والقهر ضدهم ومنها (التزفير) ومنع دخولهم إلى عدن.. الخ في محاوله صريحه لتكريس السياسة الاستعمارية الهادفة لتمزيق الهوية اليمنية إلى هويتين مستقلتين عن بعضهما من خلال محاولة حصر الهوية اليمنية بأبناء الشطر الشمالي فقط، واستحداث هوية جديدة لأبناء الشطر الجنوبي من الوطن وهي (أبناء الجنوب العربي).
كل تلك العوامل وغيرها شكلت الظروف الموضوعية الناضجة لإندلاع ثورة 14 اكتوبر المجيدة 1963م.
ومنذ أن وطئت أقدام المستعمر البريطاني شواطئ مدينة عدن واحتلالها عام 1838م وحتى قيام ثورة اكتوبر كانت مقاومة الشعب العفوية والباسلة ضد الوجود الاستعماري البريطاني مستمرة وبصور مُختلفة كالحصار، والمقاطعة، وغيرها، وأرقاها كانت المقاومة المسلحة الفردية والجماعية وبالأساليب والوسائل البدائية المتاحة وبين الفينة والأخرى خلال تاريخ الوجود الاستعماري الذي دام 129عام إلى أن تفجرت شرارة ثورة اكتوبر الشعبية والوطنية المسلحة الأمر الذي يعني أن حركة المقاومة الشعبية للوجود الاستعماري البريطاني قد مرت بمراحل نضالية مختلفة في نموها وتطورها حتى نضجت الظروف الذاتية كشرط مكمل لقانون قيام الثورة الاجتماعية والمتمثلة ببروز تنظيم الجبهة القومية كقائد وموجه للثورة التي تفجرت في وجه الاستعمار عشية 14 اكتوبر عام1963م ومن على قمم جبال ردفان الأشم والشموخ والإباء بانطلاق الشرارة الأولى لثوار الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل معلنةً بذلك بداية الثورة الشعبية المسلحة ضد الوجود الاستعماري البريطاني واعوانه وقد عُمد ذلك اليوم الأغر بالدم الطاهر لشهيد الثورة وبطلها الأول المناضل الشهيد غالب راجح لبوزه رحمة الله عليه.
لقد انطلق الكفاح المسلح من الأرياف لينتهي بالسيطرة على مستعمرة عدن ومثلما لعبت قلعة الحرية والاحرار عدن الباسلة على الرغم من كونها مستعمرة بريطانية الدور الهام في توفير الدعم والمساندة المادية والمعنوية والبشرية للثورة اليمنية السبتمبرية وتمكينها من تجاوز صفة الحركة الانقلابية إلى ثورة شعبية والمساهمة النشطة في الدفاع عن بقائها واستمراريتها عبر دعمها المادي والبشري والمعنوي وتنظيم حملات التبرعات المالية وحملات حشد المتطوعين وارسالهم للالتحاق بالحرس الوطني للدفاع عن الثورة السبتمبرية الوليدة وبالمثل شكلت صنعاء وتعز قاعدةً لانطلاق الثورة اليمنية في جنوب الوطن في 14 اكتوبر 1963م وحتى30 نوفمبر 1967م بقيادة الجبهة القومية التي جاء تشكيلها كاتحاد بين أحزاب وجمعيات أهلية ومن أبرز مكوناتها فرع حركة القوميين العرب في جنوب الوطن وجمعية أبناء يافع الإصلاحية وغيرهم.
لقد أدى اندلاع الثورة وتبنيها لخط الكفاح المسلح نهجاً نضالياً إلى ردود أفعال مختلفة ومتباينة حيث انقسمت القوى السياسية في الجنوب إلى قسمين بصورة رئيسية:
- القسم الأول كان رد فعله إيجابياً ومؤيداً لنهج الكفاح المسلح وفي طليعتهم حركة القوميين العرب بفرعيها جنوباً وشمالاً وحزب اتحاد الشعب الديمقراطي بقيادة فقيد الوطن الكبير الأستاذ/ عبدالله عبدالرزاق باذيب الف رحمة الله عليه وطيب ثراه برياحين الجنة، هذا إلى جانب الشخصيات الوطنية والاجتماعية والثقافية، وقد انطلق موقفهم المنحاز للثورة الشعبية المسلحة من طبيعة تكوينهم الاجتماعي ومن منطلقاتهم الفكرية التحررية القومية والأممية البعيدة عن أية ارتباطات وعلاقات مشبوهة بالاستعمار بقدر ما تربطهم به علاقة عدائية.
- أما القسم الثاني فكان رد فعله سلبياً ورافضاً لنهج الكفاح المسلح وأبرزهم كان حزب رابطة أبناء الجنوب العربي، وحزب الشعب الديمقراطي الاشتراكي، وجمعية العدنيين، وقد شكلوا بالتنسيق مع السلاطين والكمبرادور والمستوزرين، والبيروقراطية العسكرية والمدنية اعوان الاستعمار جبهةً موحدة ضد نهج الكفاح المسلح غير أن الجبهة القومية واصلت نضالها العسكري ضد المستعمر البريطاني، وبمرور الوقت حققت نتائج ملموسة على الأرض تمثلت بفرض وجودها وزعزعت وجود القاعدة الاستعمارية البريطانية الأولى في الشرق الأوسط من جهة ومن الجهة الأخرى بلوغ صدى الثورة الشعبية المسلحة إلى ارجاء الوطن العربي والمعمورة، وبالتالي نالت الجبهة القومية الشهرة والتأييد والتعاطف من أحرار الوطن والعالم وفي تلك الظروف التي اجتذبت فيها الجبهة انظار العالم نحوها بدأ الطرف المناوئ لها ولنهج الكفاح المسلح بتشكيل منظمة عسكرية (جبهة التحرير) وفي رأيي أن هذا الموقف المتناقض لا يحتمل إلا هاجسًا واحدًا هو: الالتفاف على الانتصارات التي حققتها الجبهة القومية ومحاولة لسحب البساط من تحت اقدامها بهدف احتوائها، وقد ارتبط تشكيل تلك المنظمة بدعم بعض الأطراف العربية والدولية المشبوهة، مع احترامي وتقديري، لقواعد العمل الفدائي في جبهة التحرير وقادتهم الميدانيين الذين صدقوا في جهادهم ضد المستعمر البريطاني بعيداً عن تلك الأهداف المشبوهة وقد لعبت وسائل الاعلام الرسمية الوطنية والمصرية، مع احترامي وتقديري لمصر عبد الناصر، دوراً رئيسياً في ابراز جبهة التحرير وجيّرة الكثير من العمليات الفدائية للجبهة القومية إليها في ضوء فرض الحصار الشامل على الجبهة القومية بما فيها الإعلامي بهدف تمرير مشروع الدمج القسري بين الجبهتين في يناير 1966م من قبل جهاز مخابرات (صلاح نصر) لاحتوائها ومصادرة مكاسبها النضالية وما تخلل ذلك من أخذ ورد، ممارسة الضغوط المختلفة ضمنها احتجاز وفد الجبهة القومية في مصر العروبة بقيادة المناضل الفقيد الرئيس الراحل قحطان محمد الشعبي رحمة الله عليه، وبالتالي رفض قيادة الجبهة القومية وقواعدها بقرار الدمج ما أدى إلى قطع أوجه الدعم العسكري المادي والمعنوي الرسمي الوطني والمصري عن الجبهة القومية ومحاصرتها إعلامياً وكان ذلك بمثابة (رُب ضارةٍ نافعة) حيث ساعد ذلك الحصار الجبهة القومية على تعزيز صمودها وتصليب عودها بالاعتماد على ذاتها وضمان استقلالية قرارها باللجوء إلى توثيق صلاتها بالجماهير الشعبية التي لم تبخل عليها بتقديم التبرعات المالية والعينية لشراء مستلزمات الكفاح المسلح ومتطلبات استمرار النضال وقد تحولت مستعمرة عدن إلى بيئة حاضنة لثوار الجبهة القومية وهنا تجلى دور الشعب الواعي في اكساب نضال الجبهة القومية الطابع الجماهيري والشعبي من خلال تحوله إلى شريك في النضال ضد الاستعمار عبر مختلف اشكال الدعم والمساعدة والحماية للفدائيين الأمر الذي أدى إلى تعزيز مكانتها بين الجماهير ورفع شئنها على الصعيد الخارجي وعبر توجيه الضربات المتلاحقة والموجعة للمستعمر تمكن ثوار الجبهة القومية من انتزاع لقب (الذئاب الحمر) من فم المستعمر المغرور والمتغطرس الذي كان يدعي بأن الشمس لا تعرف الغروب عن مملكته التي بنى مجدها وعظمتها على حساب عرق ودماء ونهب ثروات الشعوب المستضعفة في البلدان المستعمرة غير أن التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للثورة قد أدى إلى اشعال فتنة الاقتتال الأهلي بين ثوار الجبهة القومية رائدة النضال التحرري والتي كانت تعرف بالأحرف الإنجليزية (n.l.f) وبين جبهة التحرير التي كانت تعرف بـ(flosy )وسقط على أثر تلك الفتنة والمواجهات عشرات الشهداء من الجانبين ومن المواطنين الأبرياء وقد تمكنت الجبهة القومية من تجاوز ذلك الحصار وتلك الفتنة بتصعيد النضال وتسديد ضرباتها المزلزلة للقاعدة الاستعمارية البريطانية وتحقيق الانتصارات الساحقة التي بلغت ذروتها بإسقاط مدينة كريتر (عدن) في 20يونيو1967م وبقائها تحت قبضة وسيطرة ثوار الجبهة القومية لعدة أيام.
إن ذلك الحدث العظيم قد بشر الجماهير بقرب نهاية العهد الاستعماري البغيض وأظهر قدرة الجبهة القومية على انتزاع الاستقلال من المستعمر البريطاني حيث لم يمضي أكثر من خمسة أشهر حتى تمكنت الجبهة القومية من نيل الاعتراف الكامل بتمثيلها الشرعي لإرادة الشعب اليمني في جنوب الوطن وبموجب ذلك الاعتراف نال الشعب الحرية والوطن الاستقلال الناجز في 30نوفمبر1967م
المحطة الثانية: من 30 نوفمبر 1967م إلى 22 يونيو 1969م
على إثر نيل الشعب للحرية والوطن للاستقلال الناجز بقيادة الجبهة القومية تم انتزاع السلطة من يد المستعمر الغاشم والاعلان عن قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية وتقليد المناضل الفقيد قحطان محمد الشعبي رحمه الله كأول رئيس للجمهورية وتشكيل أول حكومة وطنية برئاسة الشهيد البطل فيصل عبداللطيف الشعبي الف رحمة الله عليه في ظل ما خلفه الاستعمار من تركة ثقيلة امام حكومة الثورة الفتيه من خواء في خزينة الدولة وشحة موارد البلاد وفي ظل كثرة الأعداء والمتربصين بالثورة ودولتها الفتيه وعلى جميع المستويات المحلية والإقليمية والدولية وبالمقابل قلة الأنصار والأصدقاء، حيث وجدت الجبهة القومية نفسها بين عشيةٍ وضحاها وجهاً لوجه امام محك نضالي جديد ومن نوع آخر مختلف تماماً وإدارة معركه ليس ميدانها الحرب وفنون القتال الذي ابدعت فيه الجبهة وببراعة منقطعة النضير بل ان ميدانها هو الجبهة السلمية للبناء والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية…الخ ومن هنا لم تعد كفاءة ومهارات العمل الفدائي وحدها تكفي لتحمل مسؤوليات بناء أجهزة ومؤسسات الدولة والمجتمع وقيادتها وامام هذا الامتحان الصعب بدء الجميع في اطار التنظيم القائد الجبهة القومية قيادةً وقواعد وبمشاركة شعبية واسعة الاشتغال في البحث عن حلول للمشكلات القائمة وعن أجوبه للأسئلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والأمنية والدفاعية…. الخ التي فرضها الواقع الجديد وأصبحت ماثلة امام قيادات وقواعد التنظيم وضرورة تحديد اتجاه السير لسفينة الثورة المباركة واختيار الطريق الاسلم الذي يختصر المسافة والزمن ويوظف الإمكانيات المتاحة بحرص ومسؤولية وبطريقه تلبي احتياجات الواقع وتفتح الآفاق الرحبة امام التطور والنمو وبالانطلاق من حجم المعاناة والتضحيات الجسام ومن هموم وتطلعات الجماهير الشعبية لبلوغ غاياتها النبيلة في تحقيق (وطن حر وشعب سعيد) واللحاق بركب الحضارة المعاصرة وقد أدى ذلك التفاعل الفكري والسياسي إلى تباين في الرؤى واختلاف الآراء والاجتهادات والتي تبلورت بصورة جلية خلال انعقاد المؤتمر العام الرابع للجبهة القومية المنعقد في زنجبار الحرة والأبية عاصمة محافظة ابين وذلك ببروز مشروعين هما: الخيار الرئاسي الذي مثله يمين الجبهة القومية والخيار البرلماني الذي عبر عن نضج سياسي وفي وقت مبكر يحسب للجناح اليساري في الجبهة القومية وعلى ضوء نتائج المؤتمر الرابع انقسم التنظيم إلى تيارين: يساري ويميني وفي اعتقادي لم يكن الاختلاف من حيث الهدف في تحقيق غايات الشعب النبيلة بقدر ما كان من حيث اختيار الوسائل والطريق الأنسب لبلوغ الهدف المشترك وفي تلك الظروف شغلت المسألة الثقافية بأوجهها المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية… الخ حيزاً بارزاً من اهتمامات التنظيم قياده وقواعد وعبر اشراك الجماهير في ذلك التفاعل لتحديد الرؤية الواضحة من كافة قضايا البناء والتنمية وعلى ضوء الدراسة والتحليل للواقع وعبر امتلاك المنهج الاشتراكي العلمي كأداة لتحليل كافة ظواهر الواقع والحياة وعبر الانفتاح على الفكر التحرري والإنساني العالمي والاضطلاع على تجارب الشعوب المتحررة والتي مرت بنفس الظروف بعد نيل استقلالها وتحقيق سلطة الشعب وفي ظل اجوا الانقسام العالمي إلى معسكرين:-
- المعسكر الرأس مالي الامبريالي الاستعماري
- المعسكر الاشتراكي التحرري: الذين يمثلان قَطبي الفرز والاستقطاب الحاد في الصراع العالمي خلال القرن الماضي الامر الذي عكس نفسه على الصراع الفكري والسياسي داخل تنظيم الجبهة القومية الذي كان يقف على أرضية الفكر القومي التحرري (الشوفينيني) في حين كانت الرؤيا لدى اليمين ضبابيه كان اليسار قد حدد بوضوح شكل ومضمون التوجه السياسي والاقتصادي وطريق التطور والنمو الذي اختار بموجبه الأرضية الفكرية والسياسية والتنظيمية التي يقف عليها لمواصلة النضال في جبهة البناء والتنمية وكما اعتقد بأن التباين الفكري والسياسي الذي برز بين ما يعرف بالتيارين اليساري واليميني لم تكن فيه وجهة نظر اليمين خاطئة 100% ولا وجهة نظر اليسار صائبة 100% الأمر الذي يعني أن الاختلاف بين التيارين لا يمكن أن يكون بنسبة 100% فالأمور كلها في الحياة نسبية ويمكن قياس المسألة بنسبة الصواب إلى الخطأ لدى هذا الطرف أو ذاك تبعاً لمستوى وعي وثقافة كل طرف أو فرد قيادي في المعادلة الحزبية والسياسية وقد كانت الغلبة في بعض الأحيان للأفكار المتطرفة ولغير صالح التيار أو القيادات الحزبية الناضجة بسبب عدم تأصيل الثقافة الثورية وعدم نضوج الوعي الثوري لدى الأغلبية في اطار التنظيم السياسي ناهيك عن افراد الشعب والجماهير العفوية، غير أن الإصرار على التمسك بالرأي الأحادي الجانب وعندما يراد له أن يتحول إلى منهج حياة بالنسبة للبعض كانوا افرادً أو جماعات في كل طرف ومحاولة فرض وجهة نظرهم كاملةً وغير منقوصة يعني إن الأمر في هذه الحالة قد وصل إلى درجة عدم الاحتكام للعقل والمنطق وبالتالي انعدام المرونة لإنقاذ الموقف عبر تقديم التنازلات الضرورية المتبادلة كتضحية من أجل الحفاظ على جوهر القضية العامة وبمعنى آخر تغليب الأساسي على الثانوي والاستراتيجي على التكتيكي لأن مثل هذا الموقف المتصلب والمتعصب حتماً سيقود إلى فشل اطراف المعادلة الحزبية او السياسية في الحفاظ على وحدة الصف على قاعدة القواسم المشتركة والتي تضمن المصالح المختلفة في اطار المصلحة العامة والعليا للوطن والشعب وخاصةً في ظل وجود افراد وجماعات متطرفة داخل الحزب في كل المراحل كانت دائماً على استعداد لارتكاب الحماقات عبر المغامرة والمخاطرة بمصير الحزب، والتجربة الثورية من خلال جر قياداته للتمترس ضد بعضها وتصوير اللجوء إلى الحسم العسكري للخلافات كأنسب الحلول وافضلها ومع الأسف بعضهم محسوب على فئة المثقفين الثوريين الذين لم يفلحو إلا بالاستخدام والتوظيف السيئ لأدوات الثقافة ولقدراتهم الفكرية وعدم توخي الشعور بالمسؤولية في اتخاذ تلك المواقف المتهورة عدا اشباع غرائزهم وأنانيتهم المفُرطة ونفسياتهم المريضة التي عكست ضيق افقهم وقصر نظرهم ونتيجة لتلك المواقف دفع الحزب وتجربته الثورية ثمناً باهظاً من خيرة رجاله ومن سمعته ومن إمكانيات الدولة المحدودة حيث مرت التجربة بمنعطفات تاريخية عديدة وابرزها ما يلي:-
- حركة 20 مارس 1968م التي ازاحت رموز اليسار عن مواقع القرار واجبرتهم على اللجوء إلى الأرياف حيث نالت عزلة الأعبوس بمديرية القبيطة حينها شرف احتضان قادة الثورة البارزين ومنهم على سبيل المثال الشهداء الاماجد عبدالفتاح إسماعيل وسالم ربيع علي وعلي احمد ناصر عنتر وصالح مصلح قاسم وغيرهم وتحت رعاية قادة حركة القوميين العرب فرع الشمال والذي تحول في نفس العام إلى الحزب الديمقراطي الثوري اليمني ومن أبرز تلك الرموز كان فقيد الحركة الوطنية اليمنية البارز عبدالقادر سعيد احمد طاهر والمناضل احمد محمد علي الحربي والفقيد الراحل سلطان احمد عمر والشهيد عبدالرقيب الحربي والقائد الوطني النادر الفقيد عبدالحافظ قائد والشهيد البطل علي سيف حاشد وغيرهم من قادة وكوادر حركه القوميين العرب فرع الشمال وقد تلت حركة مارس حركة 14 مايو التي شكلت مقدمة ضرورية لانتصار حركة 22يونيو1969م التصحيحية، ومن الجدير بالذكر أن الاستعمار البريطاني قبل رحيله خّلف تركةً ثقيلة للثورة ودولتها الفتية تمثلت ببعض الإجراءات المعادية والقذرة بهدف خلق الصعوبات امام الدولة الفتية لضمان فشلها ومنها: رفع الرواتب إلى مستويات خيالية في ظل شح وانعدام الموارد وعدم التزام المستعمر بالتغطية لتلك النفقات كجزء من التعويض المفترض اضافه إلى إجراءات النهب والتخريب ومنها زرع الشبكات الجاسوسية والعملاء كل ذلك وغيره بهدف اثبات فشل الجبهة القومية وحكومة الثورة وإظهار عدم قدرتها على إدارة شؤون الدولة معتبرةً تلك الإجراءات الحقيرة نافذة مفتوحة لضمان عودتها من خلالها بعد أن تم خروجها مطرودةً من الباب، غير أن الثورة بقيادة الجبهة القومية تمكنت من اسقاط رهانات المستعمر واعوانه وخيبت رجائه بتحديد الموقف الثابت والحازم للسير بالثورة إلى غاياتها النبيلة باللجوء إلى الشعب ومكاشفته بالحقائق المرة ومن نتائج ذلك كان رفع الشعار الوطني الفريد من نوعه (تخفيض الراتب واجب) واعتبار ذلك واجبًا وطنياً لتجاوز ذلك الظرف العصيب، وقد تفاعلت الجماهير مع ذلك الاجراء بإيجابية ولبت نداء قائد ثورتها تنظيم الجبهة القومية وخرجت تجوب شوارع المدن مرددةً الهتاف بالشعار: تخفيض الراتب واجب وبمحض إرادتها الطوعية، حيث تردد صدى ذلك الشعار في ارجاء المعمورة محيراً عقول الكثيرين وحتى اليوم مايزال بعض المتطفلين من قوى الفساد لم يستوعبوا ابعاده ويتندرون بالسخرية تجاه ذلك الحدث العظيم، وشخصياً التمس لهم العذر على اعتبار ان ثقافة حشو الجيوب من المال الحرام والسحت كالرشوة وسرقة المال العام والخاص ليس لديها وقت للتعاطي مع القيم النبيلة المتعلقة بالحرية والكرامة الوطنية… الخ غير أن المؤسف والمحزن حقاً هو مواقف بعض المستضعفين الاغبياء الذين كانوا يرددون نفس النغمة كالببغاوات وغير قادرين على استيعاب ذلك الموقف الواعي سياسياً للجماهير الشعبية التي ادركت ابعاد وخطورة المرحلة وأبدت استعدادها لتحمل الأعباء وتقاسم الهم مع قيادتها الوطنية الصادقة والمؤمنة بعدالة قضية الجماهير الشعبية في سبيل الأهداف النبيلة والحفاظ على الكرامة الوطنية والسيادة والاستقلال الوطنيين.
المحطة الثالثة: من 22 يونيو 1969 إلى 26 يونيو 1978م
لقد جاءت حركة الثاني والعشرون من يونيو التصحيحية عام 1969م بيسار الجبهة القومية إلى سدة الحكم بعد عناء الاقصاء والتشرد والملاحقة وتعرض قياداتها البارزة للضرب وهم طريحي الفراش على أسرة المشافي حيث تولت القيادة الجماعية في الجبهة القومية زمام السلطة والمبادرة وشرعت في اتخاذ سلسله من التدابير والإجراءات الثورية عبر القرارات الصادرة عن القيادة الجماعية والتي عبرت عن الموقف الملتزم بالفكر الاشتراكي العلمي المنحاز بوضوح لمصالح الجماهير الكادحة (المستضعفين في الأرض) وكل أبناء الشعب بالحق وبالعدل وذلك ابتداءً من إعادة تسمية الدولة بـ(جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) وتحديد طبيعة المرحلة، ومهماتها، وقواها الاجتماعية، وإصدار التشريعات والقوانين بما فيها القانون الأساسي كأول دستور وطني نابع من حاجات الجماهير الوطنية وتطلعاتها إلى الغد المشرق وفي ظل التوجه الجديد للنظام وإعادة النضر في أسس تشكيل أجهزة السلطة والدولة والمنظمات الجماهيرية وفقاً للمبادئ الجديدة المعبرة عن جوهر العقيدة الإسلامية التي لا تتعارض مع الفكر الاشتراكي العلمي المنحاز للمستضعفين وللحق وللعدل والمساواة وأهمها: مبدئ القيادة الجماعية والمسؤولية الشخصية أو الفردية، ومبدئ الثواب والعقاب وتحريم الرشوة ومنع الغش والتزوير وتجريمه ومكافحة الفساد والافساد المادي والإخلاقي وبالمقابل تشجيع العلم والعمل والبناء.
إن ذلك الفكر والنهج الإنساني المتحرر من قيود الاستبداد والظلم قد وجد تعبيراته من خلال ادبيات الحزب ووثائقه البرنامجية، وجملة الشعارات الثورية المرفوعة للنضال تحت لوائها والتي وجدت أيضًا ترجمتها عبر الإجراءات الثورية المتخذة وفي ظروف بالغة التعقيد والصعوبة من حيث شحة الموارد والامكانيات وانعدامها وفي ظل المحيط العربي والعالمي المعادي للثورة، الأمر الذي لم يساعد على النمو والتقدم الطبيعي؛ مما تطلب من الجبهة القومية القيام بجهود مضاعفة في توعية الجماهير ونشر الثقافة السياسية الجديدة والتقاليد الديمقراطية بينها بهدف جذبها وحشد طاقاتها للمشاركة الفعالة في عملية الدفاع عن ثورتها وعملية البناء وإنجاز مهام المرحلة وكانت ضمن الشعارات الوطنية والديمقراطية المرفوعة ما يلي:-
– شعار (إدارة مبسطة بفعالية أكبر وبنفقات وتكاليف أقل) إن مغزى هذا الشعار لا يحتاج إلى جهد لمعرفة مضمونه الرافض للفساد والافساد المالي والإداري.
– شعار (ثمان ساعات عمل لا ثمان ساعات في العمل) هذا الشعار جسد التعبير الصادق عن الموقف الإيجابي من العمل والدوام الرسمي كواجب مقدس وكترجمة لمقولة الأجر مقابل العمل المنتج ورفض الفلتان واللامبالاة في العمل الإداري والدوام الرسمي.
وعلى صعيد المؤسسات الأمنية والدفاعية: نوجز أبرز الشعارات كما يلي:-
– شعار (الشرطة في خدمة الشعب) والتاريخ خير شاهد أن هذا الشعار كان اسماً على مسمى.
– شعار (وطن لا نحميه لا نستحقه) إن كيفية الترجمة الحرفية لهذا الشعار من قبل جيش الشعب مسألة غنية عن التعريف ويعلمها العدو قبل الصديق، وإن مصداقية ترجمة تلك الشعارات وغيرها قد تجسدت في الواقع العملي الملموس.
التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية
لقد شملت التحولات الثورية مختلف أوجه الحياة للدولة والمجتمع ومؤسساتها المدنية حيث شكل النظام بعد نيل الاستقلال في جنوب الوطن في تجربته الديمقراطية الشعبية الرائدة نقطةً مضيئة في سماء المنطقة المحيطة ومنارة مشعة للفكر الثوري التحرري الإنساني وملجئ وقبلة للزائرين من الأحرار العرب والعجم وذلك بنهجه الخارق للعادة المألوفة والسائدة في المنطقة العربية والتي كانت أنظمتها لم تتعاط بعد في قاموسها السياسي مع المبادئ الحرة والمصطلحات السياسية العصرية وضمنها مصطلح الديمقراطية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية الجديدة، وكان لها موقف متخلف منها بل وعدائي في أحيان كثيرة، وفي ذلك الوقت كان النظام الوطني الديمقراطي في جنوب الوطن قد شذ عن القاعدة وانفرد في التعاطي مع مفهوم الديمقراطية الثورية وممارستها وبلورة معانيها الجميلة على مختلف الأصعدة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية… الخ واختار الثقافة الثورية التحررية المعبرة عن مصالح المستضعفين المتعارضة مع مصالح النخب الفاسدة والمتنفذة في الدولة والمجتمع والتي أسهمت في احداث نقلة نوعية في المفاهيم والعلاقات السائدة واثرت الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية… الخ بالمفاهيم والمصطلحات العلمية المعاصرة والتشريع لحرية تشكيل الأطر التنظيمية السياسية والجماهيرية والابداعية التي تضم شغيلة الإنتاج المادي والفكري وترسيخ قاعدة عقد مؤتمراتها واجتماعاتها الدورية وإصدار وثائقها الأساسية كل ذلك النشاط الاجتماعي والثقافي والسياسي وغيره وفي أجواء حرة لم تكن مألوفة ولا مسموحاً بها من قبل في الوسط المحلي والإقليمي العشائري والقبلي المتخلف ما أدى إلى رعش الكيان الراكد (زلزال) للمنطقة وبث روح الصحوة السياسية لدى الجماهير الشعبية في المنطقة، وبالمقابل ولَد روح العداء والحقد والكراهية وحبك المؤامرات والدسائس لوأد النظام من قبل الأنظمة العشائرية المحيطة ومع كل ذلك السبق والريادة لم يكابر الحزب في الاعتراف بأخطائه ولم يدر لها ظهره بل كرس لها مؤتمراته الوطنية الخاصة للوقوف امام تجربته الرائدة وما رافقها من أخطاء بالتقييم النقدي واستخلاص العبر والدروس وصدرت عنها وثائق رسمية ومعلنة للجماهير وللعالم والاعتراف بالأخطاء دليل عافية وقيمة تدل على الفضيلة وتربأ بالحزب عن الغرق في مستنقع الغرور والغطرسة والفساد الذي يغرق فيها غيره وما اكثرهم، ويبقى الحزب الاستثناء في هذا المجال على صعيد العالم وبهذا الشأن يمكن الاشارة إلى النقاط التالية:-
1- لقد فرضت الظروف المحيطة بالتجربة الثورية المعبرة عن مصالح السواد الأعظم من جماهير الشعب باعتبارها ظروف محيطة فاسدة ومتخلفة ومعادية للتجربة التقدمية الوليدة والتي فرضت على التجربة اعتماد نظام الحزب الواحد وصحيح ان النظام السياسي كان يستند إلى سلطة الحزب الواحد الحاكم والشمولي غير أن لسلطة الحزب حدود هي السلطة السياسية التي تتعلق برسم التوجه العام للنظام والسياسات العامة للدولة واستشراف آفاق تطور المجتمع ومؤسساته في مختلف أوجه الحياة وفقاً للدستور الذي يحدد مكانة الحزب في النظام ودوره وحدود مسؤولياته ويحدد كذلك مكانة ودور مختلف أجهزة السلطة:
- السلطة التشريعية مجلس الشعب الأعلى، ومجالس الشعب المحلية.
- السلطة التنفيذية بشقيها ممثلة بمجلس الرئاسة ومجلس الوزراء.
- السلطة القضائية بمختلف أجهزتها
ويحدد الدستور حدود مسؤوليتها والتي تقوم بدورها بعكس تلك السياسات العامة إلى خطط منهجية للتنمية الشاملة وإلى برامج عمل تفصيلية للنشاط اليومي لأجهزة الدولة وفي ظل سيادة مبدأ الثواب والعقاب على ضوء نشاط هيئات الرقابة والمحاسبة الرسمية والشعبية وهذا هو الفرق بالضبط بين شمولية الحزب الاشتراكي اليمني وشموليتهم، وبين ديمقراطية الحزب وديمقراطيتهم النخبوية الفاسدة والمتخلفة.
وبالمناسبة هذا هو بيت القصيد في فهم وتطبيق مصطلح الديمقراطية التي تعني حرفياً حكم الشعب لنفسه بنفسه وان الشعب هو مصدر جميع السلطات الفعلي (مالك السلطة والثروة السيادية الوطنية) وليس من الناحية الاسمية والشكلية فقط.
- لقد بدأت الخطوة الأولى في التحولات الثورية بتوحيد 23 سلطنة ومشيخة كانت قائمه ككيانات مستقلة عن بعضها البعض وإعادة تقسيم البلاد إلى وحدات إدارية على أسس ومعايير علمية حديثة، حيث جرى أولاً تقسيم جنوب الوطن إلى ست محافظات ثم تقسيم كل محافظة عدة مديريات وتقسيم كل مديرية إلى عدة مراكز، وفقاً للكثافة السكانية والمساحة الجغرافية والخصائص المميزة لكل وحدة إدارية وبناءً على ذلك تم إعادة توحيد المجتمع العشائري القبلي الممزق ودمجه على أسس ومبادئ المواطنة المتساوية، وبذلك فُتحت الآفاق الجديدة والعصرية لتجاوز العلاقات القبلية والعشائرية المتخلفة والقضاء على اثارها السلبية كثقافة الثأر وما شابهها من الموروثات الثقافية المتخلفة وغيرها من العادات والتقاليد الضارة واحتكام المجتمع في فض أي منازعات إلى مرجعية أجهزة الدولة المختصة والقوانين النافذة.
- وضع العقد الاجتماعي الجديد كأول دستور وطني نابع من إرادة الشعب الحرة ومتحرر من العقد والكوابح وكمصدر لجميع القوانين المنسجمة معه وكان احترام الدستور والقوانين النافذة من الواجبات الوطنية المقدسة من قبل الجميع قيادات وقواعد، والدولة والمجتمع، وكانت الخروقات والمخالفات إن وجدت فهي حالة شاذة واستثنائية ومع ذلك كان النظام لا يتهاون في ردع المخالفين وإن كانت بسيطة، ومهما كانت مواقع المخالفين القيادية في الحزب والدولة أو الشخصيات ذوي المراكز الاقتصادية والاجتماعية الرفيعة وسأختار لإثبات هذه الحقيقة مثالين فقط بالغي الدلالة:-
- المثال الأول: عن مسؤول قيادي رفيع المستوى في الحزب والدولة عضو المكتب السياسي للحزب ووزير الإدارة المحلية اتُخذت الإجراءات القانونية الفورية تجاهه والمرتبطة بفترة محددة ومن ثم أعيد له الاعتبار إثر مخالفته قانون الأسرة ومن جانبه تقبل الاجراء التنظيمي والقانوني بشعور واعي وبروح المسؤولية والشعور بالذنب مما اكسبه احترام القيادة السياسية والجماهير الشعبية.
- المثال الآخر: عن أحد الشخصيات الاجتماعية والاقتصادية من ممثلي الرأسمال الوطني خالف قانون منع تعاطي القات خلال أيام الأسبوع عدا يومي الخميس والجمعة، وقد تناهى إلى مسامعنا محاولته تجنب العقوبة المعنوية باستعداده للتضحية بثلاثة ملايين درهم غير أن القضاء المستقل والمحترم جداً قضى بتطبيق الاجراء القانوني الذي يتساوى في ظله الفقير والغني، والقوي والضعيف، بالحبس للمدة القانونية وهي 6 أشهر تقريباً وغرامة مالية 3 فلسات، وهو المبلغ الذي لا يستطيع حتى أن يسقيك شربة ماء على اعتبار أن الحد الأدنى من العملة المتداولة في السوق هي 5 فلسات غير أن دلالة الاجراء وعبرته عميقه للغاية وتدعو إلى الفخر والاعتزاز بالحزب الاشتراكي اليمني والنظام القانوني الصارم لدولته ونظامه الوطني الديمقراطي، الامر الذي اكسب الدولة وقوانينها هيبة عند الشعب والمسؤولين في المقدمة، وهو دليل قاطع على عدم وجود اية مرجعيات خارج نطاق الدستور والقوانين النافذة مثل:-
الأعراف المتخلفة كنظام “الوصلة”، وعقر البعير والثيران على إثر اقتراف الجرائم مهما كانت بشاعتها والتي تستهدف تعطيل وتهميش دور مؤسسات الدولة وقوانينها. كما لا توجد قوات “البشمرجة” المدججة بالسلاح الثقيل الخارجة عن سيطرة الدولة والقانون، كما حدث ويحدث في شمال الوطن بعد محاولة اغتيال رئيس الوزراء حسن مكي رحمه الله واحتواء المشكلة بعقر البعير والاثوار ونظام “المحدعش”.
- وبعد ان خلّف المستعمر وأعوانه من السلاطين والمشايخ والمستوزرين… الخ مجتمعاً عشائرياً وقبلياً متخلفاً ومتناحراً يسوده الجهل والفقر والمرض والذل وسلب الكرامة والشخصية الوطنية ونظاماً لا يعرف إلا مصالح النخب المتنفذة والفاسدة ومصادرة الحقوق المادية والمعنوية للأغلبية الساحقة من الجماهير الفقيرة وأصبحت الجماهير الشعبية في ظل النظام الوطني والديمقراطي من شِغيلة الإنتاج المادي والفكري منظمة في الأطر النقابية (منظمات المجتمع المدني الجماهيرية الفاعلة) مثل الاتحاد العام لعمال الجمهورية والمنظمة الجماهيرية الاوسع انتشاراً والممثلة لنصف المجتمع (الاتحاد العام لنساء اليمن “أنيد”)، واتحاد الفلاحين ونقابة المهن التعليمية والاتحاد العام لطلبة اليمن، واتحاد الشباب الاشتراكي اليمني “اشيد” واتحاد الصيادين والاتحادات الإبداعية والحقوقية.
كما أن تأسيس الاتحاد العام للأدباء والكتّاب اليمنيين كأول منظمة إبداعية وحدوية جرى تأسيسها في عدن الحرة وفي ظل المناخ الديمقراطي الثوري التحرري السائد برعاية الحزب الاشتراكي اليمني
- وبالتوازي مع تطور أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع المدني كان الحزب أيضاً يمر بمراحل التطور حيث حسم خياراته الثورية خلال مؤتمره العام الخامس للتنظيم السياسي الجبهة القومية، وتوجّت بعد ذلك جهود الحوار البناء بين فصائل اليسار في جنوب الوطن وخاصةً حزبي اتحاد الشعب الديمقراطي بقيادة فقيد الحركة الوطنية اليمنية الكبير رائد الفكر الاشتراكي العلمي في اليمن الأستاذ/عبدالله عبدالرزاق باذيب الف رحمة الله عليه وطيب الله ثراه برياحين الجنة وحزب الطليعة الشعبية بقيادة المناضل الوطني البارز والثابت الأستاذ/ انيس حسن يحيى اطال الله بعمره، وبين التنظيم السياسي الجبهة القومية بقيادة المؤسس الشهيد المناضل/ عبدالفتاح إسماعيل ألف رحمة الله عليه وطيب الله ثراه بالجنة وقد توجت تلك الجهود بانعقاد المؤتمر التوحيدي للتنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية كمرحلة انتقالية على طريق توحيد أداة الثورة اليمنية وبناء الحزب الطليعي اليمني وبالتزامن مع ذلك الحدث توجت فصائل اليسار في شمال الوطن حواراتها الجادة بالتوحيد في اطار حزب الوحدة الشعبية (حوشي) على طريق توحيد أداة الثورة اليمنية بقيادة الحزب الاشتراكي اليمني كأول حزب سياسي وحدوي يتواجد على امتداد الساحة الوطنية اليمنية بشطريها منذُ اكتوبر1978م بعد اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين والذي انعقد تحت الشعار العظيم لنناضل من اجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية.
- البناء الاقتصادي والاجتماعي محور ارتكاز نشاط الدولة والمجتمع حيث انطلق البناء الاقتصادي والاجتماعي على أساس التشريعات الوطنية الجديدة وأهمها:
- على صعيد المدن شكّل قانون التأميم للمرتفعات الاقتصادية المرتبطة بمصالح الاستعمار وأعوانه وتحويلها إلى قطاع عام قائم على الملكية العامة للدولة (ملكية الشعب) في مجالات الصناعة والتجارة والخدمات الأمر الذي شكّل اساساً للبناء الاقتصادي والاجتماعي الجديد والذي اجتذب قطاعات واسعة من الجماهير الشغيلة العاطلين عن العمل إلى ميدان العمل والانتاج وكان التأميم بقانون ولمصلحة جماهير الشعب وبعكس ما يجري اليوم من نهب منظم للقطاع العام والخاص ووفقاً لشريعة الغاب ولمصلحة افراد من (الفاسدين واللصوص والحرميه) ويا لها من مفارقه عجيبة ولم نسمع حولها الضجيج المفتعل ضد الحزب واجراءاته الثورية وعلى الرغم من همجيتها وبشاعتها.
- كما صدرت القوانين الأخرى المنظمة لبناء ونشاط القطاع العام والتعاوني والمختلط والقطاع الخاص للرأس المال الوطني شريك التنمية والبناء والتي ضمنت المصالح المشتركة بين العمال وارباب العمل بعيداً عن التعسف والفوضى والاستغلال البشع.
- وعلى صعيد الريف شكّل قانون الاصلاح الزراعي أساساً لتنظيم التنمية والنشاط الزراعي تحت شعار (الارض لمن يفلحها) حيث تم تقنين سقف الملكية للأراضي الزراعية وارتكاز الانتاج الزراعي على اشكال الملكية الحديثة مزارع الدولة (ملكية الشعب) والمزارع التعاونية والخاصة إلى جانب استصلاح الاراضي الجديدة.
- ولتحفيز الفلاحين على الانتاج الزراعي سارعت الدولة إلى تأسيس مؤسسة الخضار والفواكه كوسيط بين المنتج والمستهلك لضمان تسويق منتجات الفلاحين الفائضة.
والمحفز الآخر: إنشاء محطات تأجير الآليات الزراعية لخدمة الفلاحين والمزارعين وتخفيف أعباء الإنتاج وتسهيل العملية الإنتاجية للفلاحين.
- انشاء التعاونيات الاستهلاكية لتلبية احتياجات الفلاحين وكافة المواطنين بالمواد الغذائية المختلفة.
- انتشار التعاونيات الإنتاجية الصناعية والحرفية والصيادية… الخ.
- إشاعة روح حب العمل والمبادرات الجماهيرية في العمل والإنتاج كشكل من اشكال العمل الجماهيري الطوعي لدعم جهود التنمية والنهوض الاقتصادي مثل: المبادرات الجماهيرية ذات المردود الاقتصادي الاجتماعي للصالح العام.
- وقد شملت الإجراءات الثورية القضاء على الظواهر السلبية التي خلّفها الاستعمار البريطاني كالتخلف والجهل والفقر والقضاء على ممارسة البغاء والرذيلة المنتشرة بصورة رسمية عبر البطاقة ودفع ضرائب ممارسة البغاء شرعنها الاستعمار وقد تم اجتذاب تلك الفئة إلى ميدان العمل والإنتاج ودمجهم في الحياة السوية للمجتمع الجديد، اما اليوم فحدّث ولا حرج عن تحويل عدن إلى مركز لسياحة الدعارة بل واليمن بأكملها، تم اباحتها للسياحة الجنسية لحيوانات البترودولار من قبل دولة (الشحاتة) التي لا تعرف معناً للكرامة الوطنية.
الخدمات الاجتماعية العامة ومستوى تلبيتها لحاجات الجماهير الشعبية:
- دمقرطة التعليم:
لقد انطلق التعليم من الأهداف النبيلة للثورة والمعبرة عن مصالح الجماهير الشعبية الكادحة:
- تثبيت التعليم كحق لكل مواطن ومواطنة على الدولة وبمختلف مستوياته بما في ذلك التأهيل الواسع النطاق في الخارج.
- تقديم التعليم كخدمة مجانية بل وكخدمة الزامية أيضاً في مراحله الأولى (المرحلة الأساسية).
- مسؤولية الدولة الكاملة بتوفير فرص التعليم لأبناء الفقراء والمعدمين على نطاق واسع يكاد يشمل جميع البالغين سن الدراسة عبر انتشار المدارس والاقسام الداخلية التي توفر لهم السكن والغذاء والدواء والملبس ومصاريف الجيب التي تمكنهم من التنقل بين المدرسة وزيارة اسرهم وكانت عناية الحزب الاشتراكي اليمني بالتعليم شاملة لأبناء البدو الرحل عبر المدارس الخاصة بهم مع اقسامها الداخلية وبرامج الاعداد والتأهيل المتكامل.
- توفير الدولة وسائل المواصلات لنقل أبناء القرى النائية وضمنهم أبناء مناطق ما يسمى بالأطراف من المحافظات الشمالية إلى المدارس الأساسية والثانوية، إضافةً إلى استيعاب اعداد كبيرة منهم في الأقسام الداخلية.
- كما إن اهتمام الحزب بالتعليم قد شمل محو امية الكبار مستهدفاً القضاء على الأميه في المجتمع بشقيّها الأبجدية والسياسية من خلال تأسيس جهاز محو الأميه وتعليم الكبار وبشهادة الأمم المتحدة أصبحت اليمن الديمقراطية خالية من الأميه في أوائل الثمانينات.
- لقد كانت مخرجات التعليم الأساسي نظام (البولي تكنيك) تؤهل الطالب الغير راغب في مواصلة الدراسة على الالتحاق بأي مهنة فنية وقد استفادت قطاعات واسعة من أبناء الشعب اليمني من النظام التعليمي بمختلف مراحله في جنوب الوطن وخارجه بقيادة الحزب الاشتراكي اليمني.
- صاحب المشروع الوطني والديمقراطي الحضاري الرائع الذي تكالبت للقضاء عليه القوى الرجعية المحلية والإقليمية والامبريالية العالمية واجهضته بقذائف الدبابات والمدفعية الثقيلة.
- الخدمات الصحية في متناول الجميع:
في ظل قيادة الحزب الاستراتيجية للدولة والمجتمع في جنوب الوطن كانت الرعاية الصحية تقدم كخدمة مجانية لكافة المحتاجين من افراد الشعب وبمختلف أشكالها ومراحلها ولم تقتصر على أبناء المحافظات الجنوبية فحسب بل لقد شملت الوافدين لغرض العلاج من أبناء المحافظات الشمالية أيضاً كما أن سكان مناطق الأطراف الشمالية كانوا ضمن المستفيدين الدائمين من الرعاية الصحية وكانت بالنسبة للقائمين عليها إلى جانب كونها واجباً وطنياً تعتبر رسالة إنسانية سامية، ولا يعرفون اثناء قيامهم بذلك الواجب النظر إلى يد المريض أو جيبه ويقومون بواجباتهم دون تمييز وكان العلاج والتطبيب في متناول الجميع وخاصة الفئات الفقيرة والمعدمة عبر انتشار المراكز الصحية والمشافي.
- مستوى المعيشة وتقديم الخدمات الضرورية الأخرى:
على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة وشحة الإمكانيات والموارد وكثافة المؤامرات المحلية والإقليمية والدولية على النظام الوطني الديمقراطي الفتي كانت الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للحزب والدولة تتوخى خلق الاستقرار المعيشي للمواطنين وتحقيق الرخاء المادي والروحي لهم كهدف نهائي وكانت الإدارة المضبوطة على قدر كبير من المسؤولية والحرص على الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة وتوظيفها بأقصى قدر من الإيجابية والفائدة لصالح التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولذلك كان المواطنون ينعمون بمستوى العيش الكريم عبر ضمان الأسعار الميسرة والمدعومة من الدولة والموحدة في انحاء الجمهورية كالغذاء والدواء والخدمات الكهربائية والمياه والمواصلات والسكن …الخ.
وكانت تلبية مصالح الشعب واحتياجاته هي الشغل الشاغل للدولة ومسؤوليها وبعكس ما هو حاصل اليوم المسؤول في الدولة هو التاجر والمضارب في السوق رغماً عن انف الدستور الذي لا يجيز ذلك ويحرم الجمع بين ممارسة التجارة والمسؤولية القيادية في أجهزة السلطة والدولة.
- النظام العام والأمن والدفاع:
- من أبرز إيجابيات التجربة الثورية في جنوب الوطن كان النظام العام الذي يسري على رؤوس الجميع وبالمقابل يحظى بإحترام الجميع حيث لا يستطيعون العيش خارجه وكانت الحياة تسير وفقاً للنظام العام السائد والقانون ابتداءً من ابسط معاملة إلى اعقدها حيث يتم قضاء حوائج الناس في مختلف المرافق بحسب أولوية الحضور للمواطنين ولا مجال لتخطي رقاب الناس وبعيداً عن المحسوبية والمجاملة والنفاق والتمييز والجميع في ظل النظام والقانون سواسية كأسنان المشط ابتداءً من الرئيس ومروراً بالوزراء والمسؤولين وانتهاءً بالموظف البسيط والمواطن العادي مع وجود بعض الامتيازات الضرورية للمسؤولين الكبار وهي مشروعة ومنطقية بحكم المواقع القيادية العليا والتي لا تفرق كثيراً لقد كان نظام الأولوية في الطابور للحصول على المواد الغذائية يشمل الجميع ولا فرق في ذلك بين الوزير والمواطن العادي حيث كانت حياة الوزراء والمسؤولين مثلها مثل حياة المواطن العادي باستثناء بعض التميز الطفيف وكانوا يمشون في الأسواق ويرتادون المطاعم الشعبية ويقضون أوقات راحتهم وفراغهم بين المواطنين في الأندية الثقافية والرياضية ولا توجد حواجز تفصل بينهم وبين المواطنين كالأطقم العسكرية المدججة بالأسلحة المختلفة والحراسات الأمنية المشددة والمتاريس والحواجز والاسوار والقلاع والحصون ذات التكلفة العالية والدبابات التي نراها اليوم تحيط بقصور حتى اتفه اللصوص وقد صدق في قادة الحزب الاشتراكي ما قيل في حق عمر بن الخطاب رضي الله عنه (حكمت، فعدلت، فأمنت، فنمت).
- توفير الخدمات الأمنية لم يكن مهمة رسمية فحسب بل ومجتمعية أيضاً من جهة كان المجتمع مسؤول عن أمنه وسكينته من خلال نشاط منظمته الجماهيرية الكبرى (لجان الدفاع الشعبي) المنتشرة على مستوى الاحياء والقرى والتي كانت تتولى حماية أمن الحي أو القرية ومراقبة الظواهر المخلة بالأمن والأمان إضافةً إلى تولي حل المشاكل الاجتماعية والاسرية التي تنشئ بين أبناء الحي، والقرية أو في نطاق الاسرة باستثناء القضايا الجنائية والشرعية ومن الجهة الأخرى كانت الدولة تقوم بواجباتها الأمنية عبر مؤسسة الشرطة الشعبية العيون الساهرة على أمن المواطن وضبط القضايا الجنائية وفض المنازعات العنيفة طبقاً للقانون وبدون تحيز لقاعدة (من يدفع أكثر) المحرمة وبدون عبث بكرامة المواطنين من حجز غير مبرر وسجن غير قانوني أو غرامة غير قانونية أو حتى ذكر الرشوة التي أصبحت اليوم شريعة أو إثقال كاهل المواطنين بأعباء أَجرة العسكري أو الطقم أو تكبيل السجين بالقيود والمراود التي تفجرت الثورة اليمنية المباركة لتحطيمها والقضاء عليها؟!! كما هو حاصل في النظام الرجعي المتخلف القائم اليوم.
- لقد اشرك الحزب ودولته المجتمع بصورة واسعة وفعالة دون خشية منهم لأنه منهم وإليهم للمشاركة بنشاط في مختلف أوجه الحياة بما فيها خدمة الدفاع الوطني التي كانت مهمه مزدوجة إلى جانب بناء الجيش الوطني النظامي القوي والقادر على الدفاع عن الثورة وما حققته من مكاسب لصالح الجماهير الشعبية عبر اشراك المجتمع في خدمة الدفاع الوطني من جهة ومن جهة ثانية عبر الانخراط الطوعي للجماهير في مؤسسة المليشيا الشعبية الاحتياطي المنظم والمساعد للجيش النظامي تحت شعار (يدٌ تبني ويدٌ تدافع عن المكاسب الثورية).
- ومن ابرز مميزات التجربة في هذا المجال؛ العلاقة الحميمة التي كانت تربط المواطنين بالأجهزة الأمنية والدفاعية والمبنية على أسس من الاحترام والثقة والتعاون المتبادل الأمر الذي عكس الفهم المشترك لتوجه النظام الوطني الديمقراطي في البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والدفاعي والأمني…. الخ المعبر عن المصالح المشتركة لقوى الثورة، ومع الأسف إن ما يجري اليوم في تلك المؤسسات بل وفي مختلف الأجهزة الرسمية هو الانقلاب الجذري على مبادئ الثورة اليمنية وتصفيه حساب مع مكاسبها الوطنية والشعبية عبر افراغ المؤسسات الأمنية والدفاعية من الدور الوطني والانتماء الشعبي ومحاولة فصلها عن تاريخها النضالي الوطني السبتمبري المشرف صرفها عن مسارها الصحيح في اداء رسالتها النبيلة ودورها الإيجابي البناء في الحياة وتحويلها من أداة فاعلة بيد الشعب والوطن تدافع عن مبادئ الثورة اليمنية وما حققته من مكاسب جماهيرية والدفاع عن سيادة الشعب على أراضيه ومياهه الإقليمية واجوائه وثرواته السيادية، وتحويلها إلى أداة سلبية هدامة بيد حفنة من قوى الفساد والافساد المتنفذة والتي استخدمتها في قمع الشعب وضرب الثورة ومنجزاتها الوطنية والشعبية واستبدال مشروع الثورة بمشروع العائلة الجديدة في الحكم وملاحقة الاحرار أحزاباً وجماعات وافراد وقمع الأصوات الحرة المتمثلة بأهداف الثورة والحاق الأذى الجسيم بالشعب والوطن وقواه السياسية وتحويل دور الجندي من الوطني إلى ما يشبه دور كلب الحراسة لمصالح المافيا وقوى الشر غير المشروعة وقد سهل تنفيذ هذه المهمة سعي النظام الحثيث والمتواصل لتطهير المؤسستين الأمنية والدفاعية من الضباط والصف والجنود الاحرار.
ومهما كانت نسبة الاتفاق أو الاختلاف على ذلك النظام، فلا أحد يستطيع انكار النعم التي كانت تتمتع بها الجماهير من حيث الأمن والأمان والنظام وعلى مدار الساعة والاعوام إلى درجة أن الأسر كان بوسعها التنزه في شواطئ عدن حتى في انصاف الليالي دون خشية من جرائم اختطاف الفتيات أو اختفاء الفتيان أو النهب والسلب وهتك الكرامة وكان الهدوء والنظام والاستقرار هو السمة العامة البارزة حيث لا تسمع أصوات الضجيج ولصوت “طماشة” حتى في الافراح وكان ذلك من أعظم إنجازات دولة الحزب الاشتراكي اليمني على الاطلاق.
- وضمن المكاسب الاجتماعية المشهود لها عالمياً كان (قانون الأسرة) المتطور جداً والذي شكل أساساً لتنظيم العلاقات الأسرية على أسس جديدة وتقدمية وسليمة وفتح آفاقاً رحبة لبناء الأسرة المستقرة والمتماسكة باعتبارها اللبنة الأساسية في بناء المجتمع وتطوره وتحرير العلاقات الأسرية من الموروث التقليدي المتخلف بما يحفظ للمرأة مكانتها وكرامتها وحقها في ان تصبح شريكه فاعله في الحياة وطبقاً للحديث الشريف على صاحبه واله افضل الصلاة والسلام القائل (النساء شقائق الرجال لهن مالهم وعليهن ما عليهم) إضافةً إلى كونها تشكل نصف المجتمع المشلول بسبب القيود الاجتماعية المتخلفة والتقاليد المكبلة لحريتها وحقها في المشاركة النشطة في مختلف أوجه الحياة.
- ومن المكاسب الاجتماعية والسياسية البارزة كان القرار الخاص بتحريم النظرة الدونية تجاه أبناء الشعب بطبقاته وفئاته المختلفة وخاصةً تجاه الفئات المهمشة وتجريم التمييز بين المواطنين على أسس عرقيه أو قبلية أو مذهبية أو مناطقية أو مراتبية….الخ ولا فرق بين أبناء الوطن إلا بالتقوى والمؤهلات العلمية والكفاءات العملية وبالتفاني والإخلاص والنزاهة للقضية العامة وقد ترجمت تلك القرارات إلى واقع عملي ملموس وتجلت مظاهرها ونتائجها بما يلي:-
- الغاء مفردة (الاخدام) من قاموس التعامل في الحياة اليومية والانتقاص من آدميتهم، وربط عدم الالتزام به بعقوبات رادعة.
- ضمان الحقوق المتساوية للمهمشين اسوةً ببقيه المواطنين مثل حق السكن والعمل والتعليم والصحة….الخ.
- القضاء على النظرة الدونية والتمييز العنصري تجاه فئة المهمشين من خلال ضمان حقهم في المشاركة النشطة وعلى قدم المساواة في مختلف أوجه الحياة وقد برزت النتائج من خلال تفجر مواهبهم الدفينة في مختلف المجالات العلمية الأدبية منها والثقافية والسياسية والإدارية والعسكرية.. الخ.
- وإتاحة الفرص امام تأهيلهم في الداخل والخارج والأمثلة كثيره وان تنكر البعض منهم لفضائل الحزب الاشتراكي اليمني عليهم بعد الله سبحانه وتعالى في وصولهم إلى المكانة التي وصلوا إليها في عهده.
على الصعيد الخارجي:
- سياسة الحزب الخارجية كانت انعكاساً لسياسته الداخلية والتي تنطلق من الانحياز لنصرة القضايا العادلة للشعوب وفي التصدي لقوى الشر والعدوان والاستعمار العالمي البغيض واذنابه، وفي المقدمة نصرة القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للأمه العربية والإسلامية حيث كانت عدن قلعة الحرية الحاضنة والداعمة للثورة الفلسطينية وثوارها الاحرار.
- المشاركة النشطة للنظام الوطني الديمقراطي في التصدي للمشاريع الاستسلامية الرجعية والصهيو – امبرياليه من خلال تأسيس جبهة الصمود والتصدي والتي نشأت كرد فعل إيجابي على اتفاقية كامب ديفيد المذلة والتي أدت إلى تمزيق الصف العربي الممزق أصلاً وعمقت جراحه والتي ضمت خمس دول عربيه هي: 1- اليمن الديمقراطية الشعبية 2- سوريا 3- ليبيا 4- العراق 5- منظمة التحرير، الفلسطينية.
- وقد انتهى المشهد بأحداث 26يونيو 1978م المؤسفة والتي تسببت فيها عناصر متطرفة حالة دون حضور الشهيد الرئيس سالم ربيع علي (سالمين) إلى اجتماع المكتب السياسي المكرس لمناقشة الأوضاع على الساحة الوطنية على اثر اغتيال العقيد حسين الغشمي رئيس الجمهورية العربية اليمنية والتي أصرت على تفجير الموقف بإطلاق الصواريخ على مقر اجتماع المكتب السياسي بالتواهي بعد حشد الأنصار من البحر والبر والتمترس في جبال التواهي وقد نجا المجتمعون بأعجوبة ولطف من الله الامر الذي اجبر القيادة الجماعية باتخاذ القرار بحسم الموقف عسكرياً.
المحطة الرابعة: من 26يونيو1978م إلى ابريل1980م
ويمكن القول بأنه وعلى الرغم من الاحداث المؤسفة والمؤلمة التي شهدها جنوب الوطن في المراحل او المحطات المختلفة وحسم معظم تلك الخلافات باللجوء إلى الخيار العسكري فقد تميزت تلك الاحداث بحصرها في اطار الحزب وأجهزة الدولة الأمنية والعسكرية التي كانت بدورها تنحاز إلى صف الشرعية الثورية والتنظيمية والدستورية في حسم الخلافات والانتصار للقيادة الجماعية وبعيداً عن الحاق الضرر والاذى المباشر بالشعب كما ان القوات المسلحة في جنوب الوطن وطوال تاريخ حكم الحزب الاشتراكي اليمني لم تستخدم ولو لمره واحده ضد الشعب والفتك به فتلك ميزه ايجابيه بارزه تحسب للحزب حتى في ظروف الصراعات الداخلية العنيفة وعلى النقيض من ذلك فقد تميز النظام في شمال الوطن بالاستخدام السيئ لجيش الشعب ضد الشعب وخارج نطاق الشرع والدستور وضد الشعب في مختلف الحروب الاهلية القذرة التي كان يشعل فتيلها النظام الديكتاتوري ولم تتوقف حتى اللحظة وتميزت بالإبادة الجماعية والدمار الشامل وفي تجيير واضح لدور الجيش من الدور الوطني إلى دور حماية مصالح عصابة الحكم ومن ابرز ملامح تلك الفترة:
- توحيد أداة الثورة اليمنية على مستوى الوطن اليمني كله عبر اندماج فصائل اليسار وتأسيس الحزب الاشتراكي اليمني.
- إيقاف فتنة الحرب الشطرية الثانية التي اندلعت في ديسمبر1979م وتطبيع الوضع بين الشطرين وتفعيل دور لجان الوحدة اليمنية على اثر اتفاقية الكويت والسير الحثيث باتجاه استكمال خطوات مشروع دستور دولة الوحدة مطوراً لثقافتها السياسية والديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية وضمنها إقامة المشاريع الاقتصادية المشتركة وقد عُرف الحزب تاريخياً كحامل لمشروع الوحدة اليمنية ومبلوراً ومرسخاً لفكرها وثقافتها الديمقراطية.
- وقد انتهت تلك الفترة بالانقلاب الأبيض على مؤسس الحزب الرئيس الشهيد عبدالفتاح إسماعيل الذي جنب الشعب والوطن كارثة إراقة الدماء بتقديم استقالته الطوعية ورفضه أية مقاومة وقبوله العيش في المنفى ألف رحمة الله عليه وطيب الله ثراه برياحين الجنة.
المحطة الخامسة: من ابريل1980م إلى13يناير1986م ومن ابرز احداثها ما يلي:
- انعقاد المؤتمر العام الثاني (في ظروف غامضه) والذي جاءت نتائجه لمباركة نهج الرئيس علي ناصر ومؤيديه.
- على اثر ذلك المؤتمر بدئت تبرز ملامح انقسام الحزب وتبلوره إلى تيارين: تيار مؤيد لنهج الرئيس علي ناصر محمد باتجاه الانفتاح الفوري على الغرب ودول الجوار التي كانت معاديه للنظام وبدون ضوابط غير ان تفاصيل وملابسات الخلاف حول تلك المسائل وطرق معالجتها وحلها ظلت طي الكتمان ومن الطبيعي بروز الاختلاف في الرأي حول تلك المسائل وغيرها وبدلاً من تجاوز ذلك الاختلاف بالحوار والخروج برؤيا مشتركة على أساس القواسم المشتركة وما اكثرها سارت الأمور تتبلور باتجاه تباعد المسافات بدلاً من تقريبها غير ان لوبي الكوارث داخل الحزب قد نشط بشكل محموم ودفع الأمور باتجاه استفحال الازمه ووضعها في طريق اللاعودة وبما لها من جذور وامتدادات مشبوهة خارج النطاق الوطني الامر الذي فاجئ الجميع بموقف غير معهود ولا متوقع وكانت احداث يناير الدامي الصدمة التي لم يفق منها ولم يستوعبها الكثيرون لحجم الكارثة وما خلفته من ضحيا من خيرة القادة والكوادر الحزبية والرسمية الامر الذي كشف عن وجود قوى احتياطيه للاستعمار البريطاني داخل جسم الحزب والنظام الوطني الديمقراطي وفي قمة الهرم الحزبي والرسمي تنمو وتترعرع مخترقةً الحزب وأجهزة الدولة متسترةً برداء الثورة والحزب، حيث سقط الآلاف من خيرة كوادر الحزب المدنية والعسكرية من الطرفين، وقطعاً بأن تلك الكارثة لم تكن طبخه محليه خالصه لأن آلية الحبكة الاجرامية الرهيبة توحي بذلك وعلى اعتبار ان الحزب ونظامه الثوري كان شوكةً في حنجرة النظام الامبريالي الاستعماري العالمي واذنابه ومن المؤكد ضلوع اطراف عديده اقليميه ودوليه في اعداد وتنفيذ تلك الجريمة البشعة والنكراء ولأن الحزب كممثل للمستضعفين من أبناء هذا الوطن وصاحب مشروع حضاري ورساله انسانيه ساميه قد وجد لكي يبقى وخرج من تلك المحنه كعادته متماسكاً ورابط الجأش برغم ذلك الخطأ الفادح والجسيم والمدمر، والذي أدى إلى التضحية بخيرة القادة، والكوادر من الطرفين وعلى رأسهم الشهداء الاماجد فتاح وعنتر ومصلح وشايع وغيرهم من الكوادر المدنية والعسكرية البارزة ولم يكن للحزب بجناحيه أية مصلحه في تنفيذ تلك الكارثة بقدر ما كان الحزب هو الضحية الذي دفع الثمن الباهظ من رصيده البشري والمادي والمعنوي، الامر الذي لا يعفي القادة المتسببين في ذلك من المسؤولية، ولم تكن مساهمات النظام في شمال الوطن خافيه حينها في تأجيج ذلك الصراع بالتمترس إلى جانب طرف وضد الطرف الآخر بهدف ضرب النظام من داخله بعضه ببعضه ومن ثم الانقضاض عليه من خارج الحدود القائمة آنذاك تحقيقاً لرغباته الشيطانية (الانتقامية) والتي تمكن منها بعد حرب 1994م وما يزال مستمراً فيها حتى اللحظة.
المحطة الاخيرة: من13 يناير 1986م إلى22مايو1990م ومن ابرز احداثها ما يلي:
- انعقاد الكونفرنس الحزبي المكرس للوقفة التقييمية النقدية وما انبثقت عنه من قرارات حول إعادة ترتيب الأوضاع القيادية في الحزب والدولة.
- وضع برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الشامل.
- بداية نهج الانفتاح على الرأي الآخر وبروز الكتابات النقدية الجريئة تجاه تجربة الحزب.
- إعادة تفعيل اتفاقيات الوحدة وتنشيط دور لجانها والتوقيع على الخطوة الجريئة نحو الوحدة (اتفاقيه30نوفمبر1989م) التي شكلت المقدمة الفعلية لوحدة 22مايو1990م
- تحت طائله ضغط الظرف الزمني الذي وضعت القيادة نفسها فيه والذي لا يسمح بدراسة ومناقشه قرار بحجم تحقيق الوحدة اليمنية عقدت اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني دورتها الموسعة التي ضمت كوادر الحزب وقياداته من الشطرين كآخر دوره تنعقد في ظروف التشطير وذلك لمباركة قرار الامر الواقع الذي تم اتخاذه في اضيق نطاق قيادي في الحزب بدلاً من الدعوة لعقد المؤتمر الوطني العام الرابع للحزب باعتباره مؤتمر الضرورة الوطنية ليس فقط من اجل دراسة ومناقشة قرار بحجم تحقيق الوحدة اليمنية وانما أيضاً من اجل الاعلان عن توحيد هوية الحزب النضالية في الشطرين وإصدار وثائقه البرنامجية الموحدة بل والاعلان عن انتفاء المبرر السياسي لبقاء الاسم التكتيكي لفرع الحزب في شمال الوطن(حوشي) وكذلك، من اجل تقييم ومراجعة دور، الحزب ومواقفه على ضوء الظروف الجديدة وتهيئة الحزب لخوض النضال السياسي والاقتصادي والاجتماعي السلمي والديمقراطي لتحقيق مصالح الجماهير الشعبية. غير ان الجميع كانوا امام قرار الامر الواقع الذي تم تقبله بمشاعر فياضه بالعاطفة الوطنية في تلك اللحظة التاريخية المباركة والتي قد لا تتكرر لتحقيق هدف الحزب الاستراتيجي والنبيل وحلم الجماهير وقواها السياسية والجماهيرية الذي طال انتظار لحظه تحقيقه فكانت المباركة والقبول بالقرار بغير جدال معتبرين تحقيق الوحدة اهم من اية احتمالات او نتائج سلبيه متوقعه قد تنشئ بعد تحقيقها (وكما حدث) وسار الجميع في موكب تحقيق الهدف الاسمى والعظيم بمشاعر جياشه وعلى بركة الله وانتهى المشهد بارتفاع علم الجمهورية اليمنية في22مايو1990م في سما عدن الحرة وصاحبة شرطها الديمقراطي وبذلك اسدل الستار على فتره من افضل فترات الحكم العادل المنحاز لمصلحه جماهير الشغيلة بناة الحضارة (المستضعفين في الأرض) من شغيلة الإنتاج المادي والفكري في اليمن المعاصر.
(*) قيادي اشتراكي وعضو لجنة المحافظة، والسكرتير السابق للدائرة التنظيمية لمنظمة الحزب بتعز، وأحد كوادر الحزب المناضلة والنوعية على أكثر من صعيد.