فهمي محمد
في كل الأحوال تظل عملية الاغتيال السياسي جريمة مدانة / بشعة/ ونذلة/ تستهدف المجتمع أو الجماعات الإنسانية بشكل عام وإن كان الضحية فيها شخص أو فرد يفارق على إثرها الحياة ويترك في أسرته فراغاً وحزناً كبيراً لا ينسى، ولا يعوض حتى من قبل المجتمع الذي يتعاطف مع الضحية ويحوله في لحظة حزن إلى رمز في الذاكرة الوطنية.
السياسي القاتل على امتداد التجربة التاريخية للإنسان، لا يمارس القتل الذي يزهق روح الإنسان، ولا يتخذ القرار بتصفية خصومه في معترك العمل السياسي تحت دوافع الخصومات الشخصية معهم، كما أن هذا السياسي القاتل لم يكن ليوجد على مسرح الجريمة، أو لم يكن ليتصف بهذا المصطلح، لولا تحول الفرد في ديمومته البشرية والإنسانية إلى جماعة تشاركية وتحول هذه الجماعة التشاركية بفعل الصيرورة التاريخية والإجتماعية وحتى الثقافية إلى مجتمع سياسي يعي مسألة التفكير في السلطة والثروة والسياسة والصراع السياسي، وحتى المصالح العامة، ناهيك عمّا تحمله ثقافة هذه المفاهيم العامة، لاسيما في المجتمعات الغير متأنسنة ومتمدنة، من مدلولات مصلحية نفعية تؤسس للخصومات السياسية وللمغريات السلطوية، التي تدفع بالقاتل السياسي إلى اتخاذ موقف وقرار غادر ومنسلخ بكل نذالة وحقارة الانسلاخ عن قيم الإنسانية التعايشية.
حين يقدم هذا السياسي القاتل على تلقيم سلاحه الغادر بشكل مباشر أو عن طريق مأجور، ويصوبه غدراً إلى صدر سياسي أعزل، قد لا يعرفه بالضرورة وربما لم يلتقِ به من قبل، وفي كل الأحوال لم يكن بينهما خصومة شخصية تستدعي الدفاع عن حق مشروع أو تولد الإنفعال والروعنة التي تفقد عقل الإنسان في لحظة عراك تفضي إلى القتل العمد، كما هو الحال في القتل المجرم على المستوى الشخصي، فإن ذلك يعني أن المقتول بشخصيته الفردانية ليس هو المقصود في الابتداء وإنما الدور أو الموقف أو الفكرة أو المشروع هو المستهدف، وحتى عندما يتم اغتيال هذا أو ذاك بهدف خلط الأوراق أو التخلص مما في حوزتهم فإن المجتمع يظل هو المستهدف الأول في عملية الاغتيال السياسي، لهذا وذاك فإن الفكر القانوني انطلاقاً من إشكالية الدوافع التي تظل مرتبطة بالشأن العام قد جعل الاغتيال السياسي يأتي في صلب الجريمة السياسية التي يجب أن يتم التعاطي معها من منطلق المجال العام وليس الخاص، بالمعنى الذي يجعل من توصيفها القانوني جريمة غير جنائية.
اغتيال الحاكم يعني تأسيس السلطة على القوة والغلبة، واغتيال المعارض اغتيال للسياسة كفكرة مدنية وتأسيس مجال سياسي خالٍ من التدافع السياسي بين الأنا والآخر = { تكريس الاستبداد } واغتيال صاحب الموقف هو اغتيال للقيمة النضالية التي يجب أن تحضر في كل منعطف تاريخي، واغتيال صاحب القلم والكلمة اغتيال لحرية الإنسان وإرادته التي خلقه الله على أساس وجودها في هذه الأرض، واغتيال صاحب المشروع هو اغتيال لمستقبل الجماعة، والاغتيال السياسي بهدف خلط الأوراق هو اغتيال لفرص الانفراج التي يتطلع لها المجتمع في لحظة انكساره، وحتى الاغتيال السياسي الذي يستهدف التخلص من الأسرار أو الصناديق السوداء كما يقال، هو اغتيال للحقائق التي يجب أن يقف المجتمع عليها، ما يعني في النتيجة النهائية أن الاغتيال السياسي بكل أشكاله وألوانه سواء كان ضد هذا السياسي أو ذاك، هو اغتيال يستهدف المجتمع وأن مجرد المناكفة به أو الانبساط بحدوثه تحت أي مبررات كانت، هو خيانة للمجتمع والوطن، وعمالة بلا ثمن تقدم في خدمة نذالة السياسي القاتل.