فهمي محمد
أن تكون مثقفاً بالمعنى الذي يحتاج المجتمع إلى دورك، لا يعني أن تكون شخصاً مكتضاً بالمفاهيم والمصطلحات، بقدر ما يعني أن تمارس سلوك وأفعال تجعل الآخرين يرون فيك القدوة والمثال وحتى روح الكفاح الثوري لأجل نيل حقوقهم المفقودة،
المثقف حين يعي ذاته كحامل رساله تجاه مجتمعه يستطيع أن يمارس دوره نيابة عن المجتمع بغض النظر عن حجم الثمن الذي يدفعه، وهو بهذا الوعي الذاتي ( كمثقف ) يحول معرفته وثقافته الفردية إلى فعل سياسي إجتماعي وحتى قانوني ملموس، يساهم به ومن خلاله في انتشال مجتمعه مما هو عليه، أو بمعنى أدق هو المثقف العضوي الذي عول الفيلسوف اليساري الايطالي ( غرامشي ) على دوره ووجوده في تغيير الواقع المحيط به.
فالمثقف العضوي بقدر ما ينتج الثقافة ويحولها إلى نظرية ثورية نقدية تجاه الواقع، بقدر ما يمارس الفعل الثوري في مقدمة الصفوف من أجل أن تنتصر الثورة لمشروعها الوطني أكثر من أن ينتصر الثوار لسلطتهم الثورية. والفرق هنا أن المثقف يمارس ثورة الوعي في سبيل الانتصار لفكرة التغيير.
الدكتورة/ الفت الدبعي من موقعها الأكاديمي كأستاذة لعلم الاجتماع في جامعة تعز لم تتوقف عند مسألة الاشتغال بالتدريس – كأكاديمية متخصصة – في علم الاجتماع، بل وجدناها منذ إندلاع ثورة الشباب وفي مسيرة الحياة الراجلة، في مقدمة الصفوف تمارس ( بمقياس غرمشي ) دور المثقف العضوي تجاه واقعها السياسي والاجتماعي.
فقد انخرطت وسط الجماهير بوعي ثوري يكافح من أجل تغيير التوجه السياسي والاجتماعي والثقافي نحو المستقبل الذي يجب أن يكون وطنياً في اليمن، وليس من أجل تغيير الوجوه الحاكمة فقط، كما هو حال الكثيرين ممن انخرطوا وتدافعوا إلى صف الثورة عام 2011م.
عرفتها عن قرب منذ سنوات ما بعد الثورة وتناقشنا كثيراً في لقاءات مكثفة لكن وعيها الثوري، بقدر ما جعلني اعتز بصداقتها بقدر ما جعلني أؤمن أنها امرأة مثقفة تطارد الحقيقة أكثر من مطاردة الأشخاص، لاسيما بعد أن قرأت ذات يوم لأحد الباحثين الأجانب ما يعيبه على اليمنيين بقوله عندما يتحدث اليمنييون في السياسة يتكلمون عن الأشخاص أو عن الشخصيات السياسية فقط.
ومع صحة هذا القول في توصيف الثقافة السياسية لمعظم السياسيين والمثقفين اليمنيين، إلا أن الجلوس على طاولة هذه المرأة المثقفة يكاد يكون منفرداً وخارجاً عن نطاق هذا التوصيف، فالحوار معها يقودك للحديث عن مشكلة التغيير وجذورها الممانعة وعن محنة السياسة كفكرة مدنية في هذه البلاد، وعن ثقافة العقل الجمعي وممارسته السياسية بشكل يتجاوز النظرة السطحية، وحتى الحديث عن الأشخاص كما ذهب إليه الباحث.
ولأنها تدرك أن مطاردة الحقيقة أو أن الانتصار لفكرة التغيير في اليمن تتطلب التحرر من أثقال الايدلوجيات الحزبية فقد اتخذت قرارها المبكر في مسألة الاستقالة من الانتماء الحزبي مع حرصها الشديد على ممارسة دورها الكفاحي الوطني داخل المجال السياسي والإجتماعي.
وهو كفاح بدأ مع ثورة 11 فبراير وفي مسيرة الحياة واستمر في مؤتمر الحوار الوطني الشامل وفي لجنة صياغة دستور الدولة الاتحادية، ومن ثم في لجنة السلم والمصالحة في تعز خصوصا مع حرصها الشديد على أن تتقارب وجهات النظر بين الأطراف السياسية التي وقعت على وثيقة التصالح وضمانات عدم تكرار الأحداث التي تنقل المكونات السياسية إلى معارك جانبية على حساب معركة الدولة الوطنية الديمقراطية.
على هامش كفاحها السياسي والاجتماعي تعرضت إعلاميا لجرائم السب والتحريض التي ارادت تحجيم ثوريتها تجاه الواقع وتجاه المفاهيم والممارسات التقليدية.
ومع أنها تدرك أن ثقافة الاستبداد هي المحركه لهؤلاء الأشخاص تجاه النساء في اليمن، إلا أنها فضلت خيار التوجه إلى القضاء للفصل فيما كتب في حقها، مع ترك باب الخصومة القضائية مفتوح على ثقافة الاعتذار التي تؤدي إلى إغلاق ملف القضية أمام القضاء دون عقاب.
فهي كما تقول ليست حريصة على عقاب الأشخاص بذواتهم بقدر ما هي حريصة على إدانة الثقافة الكامنة وراء سلوكهم تجاه النساء وادوارهن السياسية والاجتماعية، لهذا فإن اعتذارهم للنساء اليمنيات وللمجتمع في نظرها افضل من إنزال العقوبة القانونية في حقهم.
فالعقوبة القانونية وإن كانت رادعة في عدم تكرار الفعل المجرم فإن الاعتذار الشخصي هو عقوبة صادرة من الشخص تجاه ثقافته، وهي عقوبة ضمير مؤثرة في مسألة تغيير سلوكه من الداخل،
وإذا كانت الأولى تنتصر للقانون فإن الثانية تنتصر للتسامح على حد وصفها. لهذا كانت حريصة على اعتذار العمراني والشجاع قبل أن يتولى القضاء اليمني والمصري إدانتهم والحكم عليهم بالعقوبة.
هي كما تقول دائما تستطيع أن تتجاهل ما يكتب وينشر في حقها لكنها تذهب للقضاء وتتكبد اغرام ومخاسير التقاضي في سبيل الدفاع عن المجتمع بشكل عام لان ما يكتب هو إساءة في حق اليمنيين واليمنيات بشكل عام وليس في حقها فقط.