تقرير – احمد حسين
يواجه المسافرون الذين يقصدون التنقل بين العاصمة صنعاء ومحافظة مارب عناءً ومشقة لا تنتهي إذ بدلاً من الاتجاه شرقاً عبر طريق “فرضة نهم” التي تشهد مواجهات عنيفة بين الجيش الحكومي وقوات الحوثي التي يبلغ طولها نحو 70 كم، عليهم الاتجاه جنوباً، وسلوك طرق أخرى في رحلات أقرب إلى المغامرة غير المحسوبة التي لا تنحصر مخاطرها عند حوادث السير جراء وعورة الطرق، بل تتعدى ذلك إلى خطر الألغام والمواجهات العسكرية، ولهذا يضطر المسافرون وعربات النقل الكبرى التي تنقل المواد الغذائية والوقود للمرور عبر عدّة محافظات هي صنعاء وذمار والبيضاء، التي يقدر طولها بنحو 800 كم. وذات الحال بالنسبة للمسافرين بين صنعاء وعدن وتعز والأخيرة، تفرض عليها الميليشيات حصاراً خانقاً وذلك جراء انقطاع الطرق الرئيسية بين المحافظات اليمنية بسبب الحرب وانقسام البلاد تحت نفوذ أطراف الصراع.
ونتيجة لانقطاع سبل طرق التواصل البري بين المحافظات اليمنية، مترامية الأطراف، اضطر الأهالي والقائمون على وسائل النقل البري، إلى اتخاذ طرق بديلة تتسم بالوعورة الشديدة ومشقتها الزمانية والمكانية بعكس ما كان عليه الحال قبل الحرب الدائرة في البلاد منذ خمس سنوات، فضلاً عمّا تضيفه النقاط الأمنية المنتشرة بكثافة على امتداد الطرق الرابطة بين المحافظات اليمنية، من انتهاكات إنسانية، سواء تلك التابعة للميليشيات الحوثية أو قوات “الحزام الأمني” التابعة للمجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات، الداعي لفصل جنوب اليمن عن شماله.
وشكل ذلك معاناة إضافية أخرى تعترض خط سير اليمنيين نحو أفق آخر، يطوون فيها مسافة الزمن الصعب، والتعب المثقل الذي خلفته الحرب، تمثل في انقطاع معظم خطوط طرق النقل البري جراء المواجهات المسلحة واستخدامها كشرايين ضخ لتغذية الحرب المستعرة.
معاناة وتكلفة مضاعفة
رغم نجاح اليمنيين في إيجاد شرايين طرق جديدة تحافظ على حركة المجتمع وتنقلات أفراده وتوفر احتياجاته، فإن اليمنيين يشكون من الارتفاع المهول في تكاليف النقل البري وانعكاس ذلك على أسعار السلع والخدمات الأساسية، الأمر الذي ضاعف من معاناتهم التي تضاف لقصص المعاناة الأخرى وتبعا لذلك تضاعفت أجور النقل البري الداخلي إلى نحو 350 في المئة، سواء في نقل الركاب أو السلع التموينية والمواد الغذائية وغيرها مع الإقبال المستمر والمتزايد على خدمات النقل وخصوصاً بعد توقف حركة الملاحة الجوية بين المطارات اليمنية الداخلية.
وعلى سبيل المثال يبلغ سعر تذكرة النقل الجماعي البري من صنعاء إلى عدن نحو 18 ألف ريال بينما كان سعرها السابق4000 ريال ومن صنعاء إلى تعز 12 ألفاً فيما كان سعرها لا يتعدى 3 آلاف ريال، ومن مأرب إلى عدن نحو 16 ألف ريال.
تكلفة إضافية
ضاعف انقطاع الطرق من الأعباء على تكاليف النقل المختلف، وهو ما انعكس على أسعار خدماتها بشكل مباشر علاوة على ما فرضه انهيار الريال اليمني أمام العملات الأخرى في رفع أسعار المواد الغذائية والسلع الرئيسة بشكل كبير.
يقول “عدنان الحيمي” تاجر عقيق وفضيات إن عمله في جلب العقيق والفضة من صنعاء بعد صياغتها وبيعها بمحله بمارب، يكلفه الكثير من الجهد والوقت والتكاليف نظراً لبعد المسافة المقطوعة اليوم، ويوضح أن ذلك اضطره لرفع سعر سلعته ثلاثة أضعاف عما كانت عليه في السابق.
ويضيف الحيمي “لكي أوفر البضائع المطلوبة للزبائن أقطع خلال السفر إلى صنعاء يوماً كاملاً من الصباح وحتى الليل ومثله عند العودة وهذا فيه جهد وتأخير وتكلفة كبيرة علينا وعلى الزبائن الذين اضطررنا مراراً لرفض توفير طلباتهم خلال زمن معين يطلبوه لأن بعد المسافة التي فرضتها الحرب منعتنا من ذلك”.
وفي مقارنة تبين حجم المكابدات التي يعانيها الناس من صعوبة التنقل اليوم، يتابع الحيمي بأسى، “في السابق كنا نجتاز المسافة من مأرب إلى صنعاء في أقل من ساعتين ونصف الساعة، فيما نحتاج اليوم إلى أكثر من 12 ساعة مروراً بوديان وقفار موحشة وطرق جبلية وعرة ومنهكة عبر عدة محافظات فضلاً عن تأخير وإجراءات النقاط الأمنية المنتشرة بكثافة على امتداد تلك الطرق”.
ماسي الطريق وقسوة المسيطرين عليها
وفي صورة أخرى من صور المعاناة يعاني ملايين الناس الذين يتنقلون من محافظة تعز وإليها لصنوف شتى من العذاب خلال تنقلهم بين مناطق المحافظة ذات التعداد السكاني الكثيف والنشاط الصناعي والتجاري الكبير والتي تتقاسمها أطراف الصراع.
ويروي سكان المحافظة قصصاً شتى لصنوف معاناتهم جراء قطع معظم الطرقات الرئيسة من وإلى المحافظة، التي تضم بين جنبات جبالها ووديانها أكثر من 7 ملايين نسمة وعشرات المصانع والشركات الكبرى التي تغذي كافة مناطق اليمن بما تحتاجه من المواد الغذائية والسلع المختلفة.
وانقلبت المسافة التي كانوا يقطعونها في دقائق معدودة بين مناطق المحافظة إلى رحلة شاقة من عذاب الساعات الطوال.
ويقول “رشاد الردماني” مالك مصنع مواد بلاستيكية في تعز أنه خسر الكثير في مصنعه نظراً لصعوبة التنقل بين تعز والعاصمة صنعاء.
ويلخص معاناته وأمثاله من المواطنين في سيطرة قوات الحوثي على الطرق الرئيسة بالمحافظة وأهمها طريق الحوبان الذي يربط المحافظة بالعاصمة صنعاء بينما يسيطر الجيش الحكومي على وسط المدينة وشرقها.
ويوضح الردماني، “أنه بإغلاق طريق الحوبان، الذي وصفه بـ”شريان حياة تعز” تمكنت الميليشيات من الفصل بين سكان المدينة من جهتها الشرقية وباقي المناطق وسط وغربي المدينة”.
ويقول “قبل الحرب كنا نجتاز المسافة من تعز إلى صنعاء في أقل من أربع ساعات، أما اليوم فنحتاج إلى سفر يوم كامل من الصباح وحتى وقت متأخر من الليل عبر طرق فرعية وعرة تمر بوديان وجبال تؤدي في غالب المرات لتعطل المركبات فضلاً عن تكاليف النقل المرتفعة وكذا فترات إغلاقها بين حين وآخر واضطرارنا عدة مرات للعودة من حيث جئنا”.
بينما في محافظة الضالع (جنوبي اليمن) يضطر المواطنون إلى السير مسافات طويلة عبر طرق وعرة في معاناة تشبه معاناة سكان محافظة تعز.
ويصف المواطن محمد المريسي تلك المعاناة بالقول “أضحى السفر من وإلى محافظة الضالع، أشبه بالجحيم نضطر اليوم للسفر عبر طرق بديلة معلقة في الجبال الشاهقة بين السماء والأرض بعد أن أقدمت قوات الحوثي على تفجير الجسور وقطع الطرقات العامة في مريس شمالي المحافظة”.
عودة إلى نقطة البداية
يضيف المريسي قائلا “يضطر الناس لسلوك طرق جبلية قديمة من عهد الدولة الحميرية التي مهدها الأجداد لنقل تجارتهم قبل آلاف السنين سيراً على الأقدام لجلب احتياجاتهم المختلفة أو لنقل المرضى لتلقي العلاج بالمستشفيات الواقعة في المدن الأخرى”.
و يفيد الأهالي في عدد من قرى الضالع أنهم لجأوا للاستعانة بالحمير لنقل احتياجاتهم الأساسية بعد أن تقطعت بهم سبل الطرق السهلة.
وعلاوة على مشقة ذلك العبور الصعب يؤكد المريسي أن هناك من يتعرض للقنص من المارة في هذه الطرق أو للاعتقال ومنهم من يدفع أموالا للنقاط المنتشرة على طول الطريق وأحياناً أخرى تتم مصادرة ممتلكاتهم.
وستظل المعاناة قائمة حتى تضع الحرب أوزارها في اليمن وينتهي الانقسام الذي تشهده البلاد بسبب تشظي الأطراف المتصارعة.
“تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا”.