المواطن/ كتابات – فهمي محمد
قليلةٌ هي الأحداث الكبرى التي صنعت تحولاتٍ جذرية وبنيوية ناجعة ومفصلية على المستويين السياسي والتأريخي وكذا الثقافي والإجتماعي في حياة الشعوب ، لاسيما ــ في مجتمعاتنا العربية ــ التي ما تزال حتى الإنتهاء من مشارف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين تعيش حالة من السيولة المكثفة في حركة الأحداث السياسية المتسارعة والمتحايثة في الواقع الإجتماعي والثقافي بخُطواتٍ زاحفةٍ وبطيئة في مسألة التحولات العميقة والجذرية نحو بناء المستقبل المنشود ، رغم فداحة الثمن المدفوع “دائماً” في معركة التغيير السياسي والثوري التي تحدث بين الحين والآخر بهدف تحقيق القطيعة الإيجابية مع الماضي الممتد في حاضرنا على الدوام .
ففي بلادنا ” اليمن السعيد ” على سبيل المثال يُدون التأريخ السياسي على امتداد نصف قرن ونيف قيام ثلاث ثورات ووحدة ، ناهيك عن الحركات التصحيحية التي تعاقبت في الحدوث بين الحين والآخر خلال هذه الفترة الزمنية ، ومع ذلك نجد أن صيرورة التأريخ وتحولاته الثورية/ الناجعة والجذرية نحو التقدم والمستقبل ما تزال حتى اليوم تقاتل وتصارع في مربعها الأول مع النماذج التأريخية الماضوية والممانعة ، التي بدت اليوم في زخم انبعاثاتها اللاوطنية ــ أقوى حضوراً وتأثيراً ــ بل وحنكة سياسية في صناعة المستقبل والمصير من تلك القوى الحالمة بالتغيير الوطني والمدني في اليمن !
ما يعني في النتيجة النهائية أنه بعد هذه” الجعجعات ” السياسية التي نسمعها بكثافة على مدى أكثر من نصف قرن دون أن نرى ” طحين يؤكل ” في الوسط الإجتماعي ، علينا بعد هذا الدوار السياسي والثوري أن نجيب على سؤال ( يمتد في الزمان والمكان لخمسة عقود ونصف ) يقول بملئ مافيه من أوجاع وإنكسارات متكررة : هل نحن بحاجة إلى ” ثقافة الثورة ” على المستوى الرأسي أم إلى ثورة ثقافية ” على المستوى الأفقي حتى ننجح بشكلٍ طبيعي في معركة التغيير التي تصنع المستقبل القابل لمسألة التراكم النوعي “حداثياً وحضارياً” على المستوى السياسي والثقافي والإجتماعي؟
فالثورة الحقيقة في تعريف القاموس السياسي والتأريخي : هي القادرة “دائماً” على إعفاء الأجيال القادمة من مسألة التفكير بالثورة من جديد وذلك مالم يحدث في اليمن بعد ثلاث ثورات ووحدة تخللتها حركاتٍ تصحيحة وتضحياتٍ جسيمة !