رأفت الوافي
تشهد اليمن حربًا مستعرةً منذُ مارس/ آذار 2015 بين جماعة أنصار الله (الحوثيين)، والحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، الأمر الذي تسبب في تدمير العديد من المراكز الصحية والمستشفيات في عموم البلاد لاسيما محافظة تعز الواقعة جنوب غرب اليمن.
ومع انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) تزايدت حالات الإصابة بالفيروس مما جعل الطواقم الطبية في مقدمة المصابين في ظل تدني الخدمات ونقص حاد في الأدوات والمستلزمات الوقائية كالكِمامات والقفازات والأقنعة الطبية ونظارات الوقاية.
حيث تتعرض حياة الأطباء والممرضين والعاملين في قطاع الصحة للخطر، كونهم يقفوف في الخطوط الأمامية لرعاية المرضى المصابين بعدوى كوفيد-19، جراء صعوبة الحصول على إمدادات أساسية.
تُعَد العدوى التي قد يتعرض لها الأطباء والعاملون في القطاع الصحي من القضايا الصحية المهمة والتي تفوق في تأثيرها قطاعات أخرى، والأسباب لا تنتهي، منها أنهم يتنقلون بين المصابين، وبذلك قد يتسببون في نقل المرض إلى غير المصابين به وأنفسهم وأسرهم.
ممرضات في مواجهة الجائحة
لم يكن العمل في القطاع الصحي يوماً وظيفة سهلة، كونها تُعنى بالحفاظ على الأرواح وإنقاذها، ومع ظهور فيروس كورونا، ازدادت هذه الوظيفة صعوبة ومسؤولية، خاصة للعاملات الصحيات منذ البداية، وحين لم يكن هناك ما يكفي من المعلومات العلمية الدّقيقة عن كيفية التّعامل مع الجائحة، حضرنّ في الصّفوف الأمامية في معركة مواجهة كورونا، وتركنّ أرواحهنّ على المحكّ للحفاظ على مجتمعات بأكملها.
الممرضة وسيلة العُليمي (27 عاماً) إحدى الممرضات التي يعملن في الخطوط الأولى لمواجهة الجائحة،إذ تعمل في مركز العزل بالمستشفى الجمهوري بمدينة تعز، عملت دون خوف من أجل إنقاذ أو محاولة تخفيف آلام العديد من المواطنين في المحافظة ذات الكثافة السكانية وإنعدام الإجراءات الاحترازية في شوارع وأسواق المدينة.
تتحدث لنا الممرضة وسيلة بحزن عميق جراء إصابتها بكوفيد19 وعن المعاناة التي تلقتها أثناء الإصابة، تقول: ” أصبتُ أثناء مزاولة عملي في مركز العزل حيث بدأت أشعر بأعراض الزكام والحمى وآلام المفاصل”
وتضيف ” بعدها تطورت حالتي فبدأتُ أشعر بكتمة في صدر وضيق التنفس، حينها تأكدت أني مصابة بكوفيد-19″، مشيرةً أنها أبلغت من زملاءها وبعد أن عملت الفحص كانت النتيجة إيجابية.
لم تستسلم وسيلة للفيروس، فما يزال هناك مصابون ينتظرونها لتمد لهم ساعدها في محاربة كورونا.
وبعد مرور أكثر من أسبوعين في معركتها مع الفيروس، استعادت عافيتها، لكن الفاجعة كانت عندما علمت أنها قد نقلت العدوى إلى والدها الذي يعاني من جلطة منذُ ثمانية أعوام مما أدى إلى تفاقم حالته الصحية.
تضيف ” الشّعور الأكثر إيلاماً كان حين عرفت وأنا في المستشفى أنّني نقلتُ العدوى لوالدي الذي يعاني من جلطة دماغية منذُ ثمانية أعوام، أنهرت تمامًا حتى نسيت أنني أعمل ممرضة في مركز العزل من خوفي عليه”.
وأشارت إلى أنها تحملت مشقات وتكلفة علاج والدها حيث مكثت معه شهرًا كاملًا في مركز العزل ، وأن زملاءها الأطباء ساعدوها ووقفوا إلى جانبها، كما تحملت مديونية علاج والدها كونها أكبر أولاده وما تزال مديونة. بحسب وسيلة.
وتتابع “أحياناً كنت أسأل نفسي هل يستحق الأمر أن أكمل عملي وأعرض نفسي وأسرتي للخطر، لأعود وأفكّر أنّ حالتي مثل الكثير من الممرضات اللواتي يمكن أن يتعرّضن وأسرهم لخطر الإصابة، ومن واجبي كممرضة أن أساعد المرضى وأن أقف إلى جانبهم”.
لم تكن وسيلة من أصيبت وحدها، فقد تعرضت الممرضة التّي تقوم بمتابعة علاج الأشخاص المصابين بفيروس كورونا في مركز العزل ، الدكتورة افراح الطولقي .
الطولقي أصبت في مارس آذار 2021 أثناء متابعة عملها في مركز العزل نفسه، تقول “ظليت 10أيام مصابة بالفيروس لكن سارعًا ما تمثلت للشفى بعد استشارات الطبيب وألتزامي بالإجراءات ومتابعة مستمرة للعلاج”. لم تلبث أفراح كثيرًا حتى تعرضت لإنتكاسة جديدة أدخلتها في موجة مرضية أفقدتها القدرة على الوقوف لمدة شهر كامل.
“انضربت جميع أجهزة جسمي أصبت بجرثومة المعدة والتهاب في المرارة و الكلى واضطرابات في الأمعاء وعسر في الهضم ورعشه وضعف شديد حتى أني لا أقوى على الوقوف على قدمي” تضيف الطولقي .
ومثل قصص وسيلة وافراح هناك ممرضات سبقهنّ بالإصابة، فقد أصيبت مشرفة قسم التمريض في مركز العزل بالمستشفى الجمهوري بتعز، الدكتورة أمل الشميري، والتي أصيبت في الموجة الأول من أنتشار فيروس كورونا في اليمن مطلع العام 2020
تقول أمل “لم أكون أعلم حينها عن فيروس كورونا ولم يكون هناك إعلان في البلاد عن تواجده، كل ما كنت أعرفه انه حمى فيروسية أو حمى النيل بعد أن أصيب العديد من الناس في المنطقة، دخلتُ بمضاعفات من حمى وسعال جاف مما جعلني انقطع عن عملي وبقيت في البيت لمدة أسبوعين على التوالي .
وتضيف “بعد إصابتي تعاملت مع الأمر على أنه التهابات في الرئة وكتمة في النفس وحمى وتعويض سوائل ولم أجد أي فائدة مما،اضطررت لإستخدام الاعشاب الطبية كوسيلة أخرى”.
تكثر الحكايات والقصص عن ضحايا الطّواقم الطبيّة في ظلّ انتشار وباء كورونا في اليمن ،وكيف كان باستطاعتهنّ مقاومة الإصابة والقيام بواجبهن التّمريضي في محاربة هذا الفيروس القاتل.
ضعف إجراءات السلامة
تسبب ضعف إجراءات السلامة في إصابات العديد من الأطباء والممرضين أثناء الموجة الأولى والثانية من انتشار فيروس كورونا في محافظة تعز في ظل نقص اللوازم الطبية الوقائية لتقيهم من العدوى.
وفي السياق يقول الدكتور، صادق الشجاع أمين نقابة الأطباء بتعز، إن عدم توفر وسائل الوقاية اللازمة للأطباء والعاملين في المستشفيات والمراكز الصحية تسببت في إصابتهم بفيروس كورونا خصوصًا العاملين في مراكز العزل والذين كانون في المقدمة.
ويضيف الشجاع أن اللوازم الطبية والوقائية إذا توفرت قد لا تصرف للزملاء الأطباء وإنما للظهور الإعلامي فقط مشيراً أن الممرضين في مراكز العزل حالتهم سيئة.
تهاون الأطباء في اتخاذ إجراءات السلامة أو عدم حصولهم عليها، كان سبباً بإصابة الكثير منهم خاصة الأطباء الذي هم كبار في السن.
يتابع الشجاع عدم ألتزام الكادر الطبي في إجراءات السلامة جعل منهم فريسة سهلة للفيروس منهم الأطباء الذين أعمارهم كبيرة.
إحصائيات
منذُ انتشار جائحةكورونا في اليمن مطلع العام الماضي 2020 تسببت في وفاة 106 طبيبا أثناء مواجهتهم فيروس كورونا ، بحسب إحصائية لنقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين.
فيما أصيب عشرات الأطباء والممرضين أثناء مزوالتهم أعمالهم في المستشفيات ومراكز العزل تمثل معظمهم للشفاء خلال الموجة الأولى والثانية.
ومع تدشين اللقاح ضد كورونا في العالم، والتي حصلت اليمن دفعة منه، تستهدف الحملة في مرحلتها الأولى 317 ألفا و363 من الكوادر الصحية وكبار السن وذوي الأمراض المزمنة، وفق وزارة الصحة الحكومية.
ومنذُ ظهور كوفيد – 19 في البلاد خلال شهر أبريل من العام الماضي، توفي العشرات من الأطباء في عدد من المحافظات اليمنية أبرزها “صنعاء، عدن، إب، شبوة، حضرموت، تعز” إلى جانب العشرات من الممرضين والصحيين.
وحتى مساء الجمعة، وصل إجمالي الحالات المصابة بفيروس كورونا في مناطق سيطرة الحكومة إلى 6056 إصابة، منها 1165 وفاة، و 2454 حالة تعافٍ، وفق إحصائيات اللجنة العليا للطوارئ.
لربّما كلمات الشّكر والتّحايا والتّقدير لا تكفي حجم تعب وجهد الأطباء داخل المستشفيات، ولربّما كل الطواقم الطبيّة بحاجة لمزيد من الوعي في اتخاذ للحفاظ على سلامتهم أكثر.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الانسان و الشؤون العالمية في كندا