تعز – هنادي أنعم
في أجزاء من مدينة تعز (جنوب غربي اليمن) التي خضعت للحصار الذي فرضته جماعة أنصار الله (الحوثيون) منذ اندلاع الحرب في مارس/آيار 2015، أغُلقت جميع الطرق المؤدية إلى المدينة، وأصبح طريق الأقروض الوعرة بمديرية المسراخ جبل صبر هو المنفذ الوحيد للمدينة والشريان الأساسي.
ومازالت المدينة تعاني من الحصار الخانق الذي يمنع حركة المواطنين وإدخال المواد الغذائية والدواء ومستلزمات الحياة إليها إلا بصعوبة كبيرة مما نتج عنه ارتفاع كبير في اسعار المواد الغذائية وغيرها من مستلزمات الحياة.
نالت النساء النصيب الأكبر من المعاناة التي تعيشها المدينة، غير أن معاناتهن في الحرب لا تقتصر على ظروف النزوح ومشاعر الخوف من القصف والقنص فقط، فالحصار فاقم من معاناتهن كثيراً.
معاناة مضاعفة
وتعاني النساء من صعوبة التنقل والحركة عبر الطرق الوعرة البديلة والتي تعد شاقة جدا خاصة لمن يعانين من الأمراض أو الحمل فقد بات الوقت الذي تحتاجه إحداهن للوصول إلى الحوبان من وسط المدينة يزيد عن 5ساعات، بعد ان أغلق أنصار الله (الحوثيون)المدخل الشرقي للمدينة، في حين كان الوقت الكافي للوصول الى الحوبان لا يتجاوز نصف ساعة، كما فرضت القوات الموالية للحكومة المعترف بها دولياً قيوداً تعسفية على الحركة في نقاط التفتيش الذي يسيطرون عليها.
تجارب مريرة وقاسية تعترض المرأة أثناء السفر من وإلى الحوبان، اذ تضطر لعبور طريق الأقروض الجبلي متجاوزة صعوبات كثيرة وتكلفة مواصلات باهظة.
ويستغرق السفر عبر طريق الأقروض من 4 إلى 5 ساعات؛ بسبب ضيق الطريق ووعورتها، الأمر الذي يجعل المركبات تتوقف بشكل متواصل لإفساح المجال لعبور المركبات الاخرى من الاتجاه المعاكس.
ويزداد السفر خطورة في هذه الطرقات خلال فصل الصيف بسبب السيول إضافة إلى الصعوبات في المنحدرات الزلقة إثر المطر في رأس النقيل أعلى الاقروض وهي المنطقة الأكثر وعورة والتي شهدت أكبر عدد من الحوادث منذ أن غدت طريق بديلاً للمنفذ الشرقي لتعز حيث تعبر المركبات سلسلة جبلية ضيقة وخطرة وكان اخر تلك الحوادث بحسب إفادة احد السائقين قبل شهرين.
انتصار
انتصار والتي تبلغ من العمر اربعين عاماً وأم لخمسة اطفال ، إحدى النساء اللواتي سافرن عبر هذا الطريق الجبلي وشعرت بمرارة السفر تحدثت بالقول: “أصبحت فكرة السفر من وإلى مدينة تعز وكأنها بمثابة جحيم قد تكون نتائجها وخيمة”.
وتسرد انتصار قصتها ومعاناة تجربتها قائلة: “كان اتخاذي قرار السفر من مدينة تعز إلى صنعاء بسبب مرضي؛ طفت جميع مستشفيات تعز ولم تتحسن حالتي وبسبب التدهور الصحي في المدينة ونزوح اغلب الأطباء الذين كنت اتعالج عندهم قبل الحرب؛ جازفت وسافرت وكان أول سفر أخرج فيه من مدينة تعز إلى صنعاء منذ نشوب الحرب
وتشرح: “زادت كمية التوتر لأنني سأسافر وأمر في الأقروض الوعرة والمخيفة، كانت مجرد مخاوف فقط وما كنت اتوقع أن مخاوفي ستكون في محلها”.
وتضيف: “الوقت الذي قضيته في الطريق اربع ساعات كي أصل إلى الحوبان، بينما كان الوقت لا يتعدى ربع ساعة والذي ضاعف معاناتي وتعبي فوق مرضي هو وعورة الطريق الممتدة من تعز حتى بداية الدمنة”.
وفي الطريق الضيقة تمر السيارات في خط واحد في أغلب الطريق وعند مجيء سيارة من الاتجاه المعاكس ترجع السيارة مسافه وهو ما عبرت عنه انتصار بالقول: “كمية الخوف والتوتر التي مررتُ بها لا توصف، بالنسبة لي؛ كوني أول مرة اغادر تعز منذ بداية الحرب والحصار الجائر، إضافة الى تكبد خسائر بالأموال بدلًا عن دفع 3 الف إلى صنعاء، أصبحت 13الف”.
ليست الطريق ووعورتها وتكاليفها هي كل التحديات فالتفتيش في النقاط العسكرية التابعة للقوات الحكومية والاسئلة التي يسألونها، وكذلك جماعة الحوثيين وطلب البطائق في كل النقاط هي تحدٍ أضافي عاشته انتصار.
وتواصل انتصار سرد تجربتها قائلة: “عندما وصلت إلى آخر نقطة في الأقروض في المحطة، انقلبت دينا (مركب نقل متوسط) في الطريق الضيقة وتسببت بانسدادها، النساء والأطفال وكبار السن كانوا في حالة هلع وخوف وتوقفنا وأصبح الخط يعج بالسيارات، وهو ما دفع السائق لصعود جبل والنزول من منحدر صخري لولا لطف من الله لانقلبت بنا السيارة ومات جميع الركاب”.
“كنا أمام تحدٍ أضافي”، تقول انتصار مواصلة سرد معاناتها: “تأخر الوقت، كانت الساعة اربعة ونصف ونقاط الحوثيين لا تسمح للسيارات بالمرور بعد الساعة الخامسة، اضطررنا بعدها للمبيت في الدمنة إلى صباح اليوم التالي”.
وتصف انتصار معاناتها مع السفر مضيفة: “اثناء هذا السفر تحتاج مصاريف وتتضاعف معاناتك خاصة لو كنت مريض، غير إن العملة الجديدة لا تقبل في مناطق الحوثيين ومن الضروري أن يكون لديك عملة قديمة”.
وترى انتصار أن السفر ضاعف من مرضها إذ قالت: “أعاني من ضيق تنفس والطريق كله تراب؛ سافرت عشان اتعالج مرضت بالطريق”.
وتؤكد انتصار: “اصبح السفر جحيم ومعاناة؛ بالنسبة لي جلست 3 أيام في صنعاء اتعالج واليوم الرابع تحركت إلى تعز مروراً بالدمنة، وفي طريق العودة توقف الصالون للتفتيش وأخذ الحوثيون البطائق ومما زاد الطين بلة اشتباههم ببعض الأشخاص، عندما ركبنا من فرزة الحوبان ” المكان المخصص للسفر الى تعز في الحوبان” ولأن اغلب الركاب من إب، داخلين تعز لقطع جوازات، وكما ذكرت في أول نقطة للحوثي من دمنة خدير أخذوا البطائق وقدموا بلاغات وتوقفت أغلب السيارات مدة طويلة حتى الساعة السابعة ليلًا”.
وتختتم انتصار: “أجبرت على المكوث في الدمنة يوم اثناء السفر ويوم في العودة وفي الليل تبين أنه لا يوجد شيء على الركاب واعطوهم البطائق لكن الوقت كان قد فاتنا ولا نستطيع المرور بعد الساعة الخامسة، وفي صباح اليوم الثاني اكملت رحلة التعب وتوجهت إلى تعز المدينة وفي كل نقطة تفتيش الحوثيين يأخذون البطائق واللي داخل يقطع جواز سفر يدفع 500 ريال على كل جواز إلى ان دخلنا منطقة القوات الحكومية، كان الصالون معروف مع أفراد النقاط؛ لكن بعض الركاب كانوا قلقين والجنود يشتبهون بهم لأنهم من محافظه إب، الركاب كان مشتبه بهم من القوات الحكومية والحوثيين على حدٍ سواء لكن المقاومة كانت أهون واستطعنا العبور بسلامة”.
محاولات حل
عمار السوائي عضو المبادرة الناشئة التي تعمل على فك حصار تعز برعاية أممية تحدث في تصريح خاص بالقول: “مبادرة الوساطة لا تزال حتى اللحظة مبادرة وساطة لفتح الطرق المؤدية من وإلى مدينة تعز ومديرياتها المختلفة قائمة ومستمرة، غير أنها تعرضت لعثرات بعد التطورات العسكرية الميدانية الأخيرة، انقطعت خطوط التواصل مؤقتاً بطبيعة الأمر، لكن نوايا فريق المبادرة الاستمرار في هذا الجهد وعدم التوقف، حتى يتمكن الفريق من إحراز تقدم واضح لصالح الناس”.
وأضاف: “بصورة عامة مبادرة فتح الطرق تخدم الفئات الضعيفة؛ خصوصاً النساء والأطفال وكبار السن والمرضى وغيرهم ممن يتعرضون لصنوف العذاب جراء الرحلات المضنية والطرق البديلة”.
وفيما يظل القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يوفر الحماية للشخص في حرية التنقل ساري المفعول خلال النزاع المسلح وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على إن “لكل فرد الحق في حرية التنقل وفي اختيار محل إقامته داخل حدود دولته”، لا تزال المرأة اليمنية تقاسي عناء الحرب وويلاتها ناهيك عن الظروف الاقتصادية الصعبة للغاية وعلى الرغم من واقعهن الصعب فإن اليمنيات كما هي عادتهن لا يزلن ينظرن إلى المستقبل بعيون مكحلة بتفاؤل لا ينقطع أملاً في فك الحصار عن مدينة تعز.
ولم تحظ مدينة تعز بالاهتمام الدولي فيما يتعلق بحصارها، وحتى هذه اللحظة لا يود توجه حقيقي لحل الأزمة ورفع الحصار المضنى عنها.
ورغم الجهود الأممية ومفاوضات السلام وكل المبادرات غير ان جميعها فشلت حتى الان في فك الحصار عن المدينة والتي لابد من تخفيف وإنهاء المعاناة الإنسانية التي يتعرض لها المواطنين اليمنيين فيها، ويجب أن تكون محل جهد ومسعى دائم للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي.
تقول الناشطة علا الأغبري، وهي أحدى النساء اللواتي شاركن في مفاوضات مع طرفي الصراع لفتح الطريق: “كان اول جهودنا كفريق أن ذهبنا إلى لحوبان والتقينا بطرف أنصار الله وبالعديد من الشخصيات المؤثرة، كانوا رافضين لانهم فتحو الطريق من سابق وعلى إثره تقدمت المقاومة”.
وأضافت: “زملائنا في المدينة لهم جهود واقاموا لقاءات لكن من خلال اللقاءات الكل متجه للجبهات واقصد هنا ان المبادرات التي كنا نقوم بها لم تلقى اهتمام وكان الجميع متجه للحرب
وتؤكد الأغبري: “جهودنا بالوساطة أو فتح الطرقات هي مبادرات قمنا بها لاجل بناء السلام والتمكين السياسي لجميع الاطراف وبناء السلام نفسها طويل والأمر مجهد والشغل الذي نقوم به صعب جداً خصوصاً كشباب ومبادرة غير مدعومة تعمل بجهود ذاتية، المعاناة كبيره من ناحية المواطن ومن الأشخاص الذين يعملون على فتح الطرقات”.
وتختتم الأغبري تصرحيها بالقول: “أتمنى أن تفتح الطرقات ونرى بصيص أمل، ونرى أحد يهتم للمواطن التعزي الذي عانى من ويلات الحرب الكثير”.