بلال الطيب
كان للجيش الشعبي دور بارز خلال ملحمة السبعين يومًا، وحين بدأ الحصار كان ثمة مجاميع قبلية من قيفة، وحاشد، ومُراد، وبرط داخل العاصمة، ساهموا في صد هجوم الإماميين في لحظاته الأولى، إلا أنَّ دور هذه القبائل وغيرها تجسد أكثر في معارك جانبية خارج المدينة المُحاصرة.
كانت قيادات عليا لا تحبذ توافد القبائل إلى مدينة صنعاء؛ بحجة أنَّ المُؤن قليلة، ولا تكاد تكفي من هم فيها أصلًا، ومن هنا برز خيار فتح جبهات قتال خلف خطوط العدو، تستوعب تلك الجموع، وبالأخص الصادقة منها، وعلى الفور ضُربت القوى الإمامية في حرف سفيان، وصعدة، وحجة، ورداع، ويَسْلِح، وحريب، وقطعت الطرق التي كانت تمدهم بالمُقاتلين، والمؤن، والسلاح؛ خف الضغط بسبب ذلك على العاصمة المحاصرة، وحوصر المُحاصِرون.
سبق أنْ تحدثنا عن تلك المعارك الجانبية في مواضيع سابقة، باستثناء جبهة رداع، وهي المدينة التي سيطر الإماميون مع بداية حصار صنعاء عليها، وعلى قلعتها المنيعة الرابضة بزهو حميري في قلبها، وذلك بقيادة أحد أعيان قبيلة قيفة من آل محن يزيد الشيخ عبدالله علي جرعون، والمُقرب من القائد الإمامي الأبرز الفريق قاسم مُنصر، وهي سيطرة – كما سيأتي – لم تستمر طويلًا.
حافظ أبناء قبائل محافظة البيضاء من آل العواضي، وآل الحميقاني، وآل الرصاص، وآل غنيم، والواقدي، والعرش، والصباحي، والرياشية العليا، وقيفة – باستثناء الشيخ المذكور وعدد من المُغرر بهم – على ولائهم الجمهوري، وتمكنوا بمُساعدة قوات جمهورية مُسلحة قادمة من مدينة البيضاء من استعادة رداع وقلعتها، بعد معارك ضارية شهدتها شوارع ذات المدينة وتخومها، غنموا حينها كثيرًا من الأسلحة، وأجبروا الشيخ جرعون وأصحابه على المُغادرة.
انسحب الشيخ جرعون إلى جبل أحرم المطل على مدينة رداع من الجهة الشمالية، والمُهدد لها في نفس الوقت، وظل فيه مدة طويلة، مُستمرًا في تمرده، ليتوجه في أواخر عام 1968م الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والفريق قاسم منصر – جمهر حينها – إليه، وذلك لإقناعه بالانضمام ومجاميعه للجمهورية، إلا أنَّهما فشلا في ذلك، ولم يحدد الشيخ الأحمر مصدر هذه الجزئية تاريخ انتهاء ذلك التمرد.
كان الشيخ عبدالله جرعون شاعرًا شعبيًا مُجيدًا، ومن أشعاره التي قالها وهو مُتحصن في جبل أحرم، وأراد من خلالها استنهاض همم أبناء قبيلته للوقوف معه، وهو ما لم يكن، نقتطف:
قال ابن جرعون يا قلبي علي مهلا
لا لي ولك رأي واحد لا تكن معجول
كما أغدرت واظلمت لابد تتجلا
والضاو يشرق ويبقى ساري المفعول
وبالفعل أشرقت شمس الحرية على مدينة رداع، من حيث لم يكن يتوقع الشيخ جرعون، وظلت سارية المفعول، وانزاح ظلام الإمامة، وأعلن سكان ذات المدينة ولائهم للجمهورية، رغم وقوعهم تحت التهديد الإمامي الجرعوني، الذي هو الآخر لم يستمر طويلًا، والتزموا حينها بدفع الزكاة للحكومة، وذلك لأول مرة في تاريخ الجمهورية الوليدة.