المواطن/ كتابات – معن دماج
عندما قامت ثورة 26 سبتمبر 1962م في شمال اليمن ضد نظام الإمامة، لم يكن من المبالغة القول ان الاوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية فيها كانت تنتمي للعصور الوسطى، واضافة الى مستوى التطور الاجتماعي والاقتصادي والخدمات الصحية والتعليمية شبه المعدومة والانقطاع التام عن العالم الخارجي – لم يتعرض الداخل اليمني تقريا لأي استعمار اوربي، وحتى فترات السيطرة الاستعمارية العثمانية كانت محدودة ومتقطعة-، اضافة الى كل ذلك فأن نظام الإمامة الزيدية في اليمن المتوكلية كان يقوم على اساس ان الامام العلوي المنتمي الى احد البطنيين – الحسن والحسين – هو الحاكم الشرعي بالحق الإلهي والوصية الدينية، كما انه يقوم اساسا على مبدأ الخروج بالسيف على الحاكم الظالم فهو لم يكن يعترف رسميا بمبدأ ولاية العهد، الامر الذي حول فترات حكم الاسر الهاشمية القصيرة والمتقطعة الى عصور مفتوحة من الحروب سوى بين ابناء الإمام الميت او بين اسرة هذا الاخير وبين بقية الاسر الهاشمية الطامعة والمعتقدة بتوفر شروط الإمامة فيها، وفيما كانت الإمامة تستخدم القبائل الشمالية في حروبها تلك فأنها بالمقابل كانت تطلق يدها وتمنحها الامتيازات في المناطق الزراعية الوسطى والغربية.
تحولت ثورة 26 سبتمبر 1962م التي اطاحت بالملكية الإمامية (التي تنتمي الحركة الحوثية الى احدى العائلات المتنافسة فيها على الإمامة ) وأسست اول جمهورية في الجزيرة العربية، تحولت الى حرب اهلية بين الجمهوريين المدعومين من جمهورية مصر العربية والمعسكر الشرقي وبين الملكيين المدعومين من المملكة العربية السعودية والاردن وايران البهلوية وبريطانيا وبقية الانظمة الرجعية.
ورغم ان هذه الحرب الاهلية قد انتهت بانتصار الجمهورية وتثبيتها وطرد اخر بيت ملكي إمامي في اليمن – بيت حميد الدين – فأن النظام السياسي الذي تشكل منذ انقلاب 5 نوفمبر 1967م يعد بمعنى ما استمرارا لنظام الإمامة الذي قامت عليه ثورة 26 سبتمبر 1962م، لجهة تركز السلطة في نفس المنطقة الجغرافية – المنطقة الشمالية القبلية – والذي بدى وكأنه نظام الإمامة نفسه لكن من دون إمام، مع استبدال الزعامة الروحية التي كانت محصورة في بضع أسر هاشمية تداولت على السلطة لفترات مختلفة ومتقطعة بالسلطة الاجتماعية للمشايخ، ورغم انتماء أغلب رجال السلطة والجيش والمشايخ الى هذه المنطقة بالذات، ظلت المنطقة الشمالية القبلية هي الأفقر في الجمهورية اليمنية، حيث البطالة والتهميش والفقر، وحتى بالنسبة لأولئك الذين وظفوا في الأجهزة العسكرية والأمنية وأجهزة الدولة، ويمكن اعتبار ابناء هذه المناطق أضافة الى سكان تهامة هم الافقر والاكثر تهميشا على مستوى الأرياف اليمنية.
واذا كان فشل جمهورية 26سبتمبر 1962م في بناء دولة المواطنة الواحدة وتحديث البلد وتطوير اقتصاد منتج يحل محل النظام الريعي السائد، بل وتحولها الى نظام سلطاني يحكمها نظام علي صالح الذي كان يطمح الى تأسيس سلاله حاكمه من عائلته، قد ساعد في دفع الاسر الإمامية الطامحة لاستعادة ما تظنه حقا شرعيا في السلطة التي تعتبرها ولاية إلهية على الاقل في خطابها مع انصارها !!، فأن تأثير الثورة الاسلامية الايرانية وطموحها في تصدير الثورة ترك اثرا كبيرا على سلوك وخطاب الاسلام السياسي الزيدي حزبي الحق واتحاد القوى الشعبية اساسا – والاسر الإمامية السابقة التي ربطت علاقة وثيقة بنظام الملالي في الجمهورية الاسلامية الايرانية منذ الثمانينيات في الوقت التي كانت تحظى برعاية واحتضان العربية السعودية وبقية انظمة الخليج العربي، مكنها من تحقيق ثروات وبناء مؤسسات اقتصادية واعلامية، وربط علاقات مع الدوائر السياسية وحتى الاكاديمية والاعلامية في الغرب، اضافة طبعا الى وجود وازن في بنية نظام علي عبدالله صالح وجيشه .
وتحمل الحركة الحوثية ايضا ملامح احيائية زيدية ردا على محاولات تسنين المنطقة الزيدية التي تمت بدعم السعودية ونشاط حركة الاخوان المسلمين – من المفارقات تقارب الاسلام السياسي الزيدي والإمامي مع حركة الاخوان المسلمين طوال الستينيات والسبعينيات ضد اليسار اليمني ولقوميين والنظام الاشتراكي في الجنوب حتى ان اغلب قيادات الحركة الحوثية درست في المعاهد العلمية التابعة للإخوان والممولة من السعودية كنظام تعليم موازي للتعليم الرسمي!! – ونظام صالح .
وتأثر مؤسس الحركة الحركي حسين بدر الدين بتجربة حزب الله في لبنان، اضافة الى التدريب والاعداد الذي تلقته كوادر الحركة الحوثية عسكريا وتنظيميا في ايران ولبنان، ودراسة الالاف منهم في الحوزات الشيعية الايرانية عمقت ذلك التأثير الايراني.
على ان الامر الذي يفسر الصعود السريع للحركة من وضع شبه هامشي ومحصور في محافظة صعده لا يعود الى ذلك، بقدر ما يعود الى انهيار النظام بفعل ثورة فبراير وتحالفها مع علي صالح وحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم والذي مكنها من السيطرة على اغلب اجهزة الجيش والامن وبيروقراطية الدولة وحصولها على تأييد الطبقة التجارية الموالية لصالح ونظامه، حتى وان كان هذا التحالف قد انتهى بمقتل صالح ! .
* جزء من مقال ” اليمن : الثورة، الثورة المضادة، الحرب الأهلية والتدخل الخارجي ” مجلة المرصد الذي يديرها الصديق المناضل بشير الحامدي
* قد يجد البعض في المقال معلومات متدوالة ومكررة ومبسطة ..وذلك لان المقال موجه للجمهور التونسي وفي تونس لا يكادون يعرفون شيئا عن اليمن !!