المواطن/ ثقافة
* نقلا عن صفحة مواعيد أخيرة
• يصحو في الخامسة صباحاً ويحب المشي في الأماكن المفتوحة
• يهتم بتنظيم الوقت لكن ليس إلى درجة القولبة
خاص بـ”مواعيد أخيرة”
عند الحديث عن الروتين اليومي للأدباء والكتّاب في اليمن، تبدو الفكرة في عداد المهمات الصعبة. ذلك أن نمط الحياة العامة في اليمن، لا يساعد على اتخاذ أنماط حياة فردية مكرسة لإنتاج الفن والمعرفة. لا يكاد يختلف اثنان على أن هذا ما يواجهه أغلب الكتّاب والشعراء والفنانون والباحثون في مختلف حقول المعرفة داخل اليمن، مع استثناءات قليلة بالطبع. وهكذا، تبدو فكرة الروتين اليومي أو العادات اليومية للكاتب اليمني بعيدة عن اعتبارها قابلة للتطبيق، ناهيك عن اعتبارها ضرورية للإنجاز المنتظم. وفي كل هذا يحضر القات كإشكالية جدلية تقف على رأس أسباب نمط الحياة العشوائي. لكن بما أن هناك أعمال تُنجز، فلا بد أنها مرت، بطريقة أو بأخرى، في سياق تنظيم الوقت وتكريس الجهد لإنجازها.
ضمن اهتمامنا في “مواعيد أخيرة” بتسليط الضوء على الروتين اليومي والعادات اليومية لأبرز الكتاب والفنانين، ندعوكم للتعرف على العادات اليومية لواحد من أبرز الشعراء اليمنيين.
منذ عقد التسعينات، يكتب محمد عبدالوهاب الشيباني قصيدة النثر بوعي وإحساس رفيعين بالقيمة الشعرية والشكل الفني معاً؛ مجموعاته الأربع التي أصدرها إلى الآن، تكشف عن عناية فائقة في الاشتغال عليها. وإضافة لذلك، تظهر فيها بوضوح براعة شاعر محترف وقادر على تحويل الصورة الشعرية الثابتة إلى مشهد حكائي يومي رشيق الحركة. وبعبارة واحدة، لنصوصه الشعرية ذلك النوع من الإغواء الذي يمكن أن يستحوذ إلى ما لا نهاية على سياق مقدمة كهذه لمقال عن الروتين اليومي للشاعر.
في ردّه على سؤال “مواعيد أخيرة” عن الوقت الذي يكتب فيه نصوصه الأخاذة، قال باقتضاب: “ليس لي وقت محدد للكتابة”. لكن فعل الكتابة بالنسبة له يتوقف على ضرورة اكتمال ووضوح الأفكار في ذهنه، كحافز أساسي للبدء في الكتابة. بعدها يمكن أن يكتب “في أي وقت كان”. فكتابة الشعر حسب تجربته، تختلف عن كتابة الأعمدة الثابتة أو إنجاز الكتب المكتملة دفعة واحدة، كما اعتاد أن يفعل الروائيون أو الباحثون المتفرغون.
غير أن ذلك لا يعني أن محمد عبدالوهاب ليس لديه روتين يومي ينظم عبره الوقت ويكرّس الجهد لفنه. فبعد أن أقلع عن تناول القات نهائياً قبل عشر سنوات، صار يستيقظ عند الخامسة صباحاً. وفي حال توفرت لديه إضاءة جيدة وانترنت، يبدأ بفتح جهاز الكمبيوتر أو الهاتف لمتابعة رسائل البريد الإليكتروني وبريد مواقع التواصل الاجتماعي، ويردّ على ما يتطلب الرد منها، يتابع الأخبار، ويتهيأ لجولته الصباحية. يمارس رياضة المشي في الأماكن المفتوحة لما يقارب الساعة، ثم يعود لقراءة تفضيلاته من الأعمدة اليومية في المواقع الأليكترونية ومواقع الصحف الكبيرة.
في السابق كان يذهب إلى العمل بعد جولته الصباحية، لكن منذ أربعة أعوام لم يعد لديه عمل يذهب إليه. لذلك يخرج من المنزل في جولة صباحية أخرى، وعادة ما يتوجه للقراءة في مركز الدراسات أو أية مكتبة عامة؛ وغالباً ما تكون زيارته هذه لاستعارة كتاب أو لإرجاع آخر. قد يبقى في المكتبة لمطالعة عابرة، وفي حال وجد بعض الأصدقاء في المكان، سيتحدث معهم بعض الوقت، عن الأدب والفن والتاريخ. بعد ذلك يخرج قاصداً بعض المقاهي التي اعتاد الالتقاء بأصدقائه فيها، حتى إذا كانت في أماكن متباعدة، بشرط ألا يكون ذلك متعارضاً مع ارتباطه بحضور أو مشاركة في فعالية ثقافية أو أدبية. خلال هذه الجولة، يكون قد تمكن من التقاط حالة شعرية أو أكثر “من وجوه الناس”. وقبيل الظهر، يعود إلى البيت ويتناول وجبة خفيفة قبل الدخول إلى مكتبته الخاصة، حيث ينصرف للقراءة والكتابة حتى الثالثة عصراً، وهو موعد الغداء.
لا تستمر فترة القيلولة بالنسبة له أكثر من الساعة الرابعة. إذا لم يكن مرتبطاً بمناسبة اجتماعية: عزاء أو عرس أو زيارة عائلية، يعود إلى المكتبة واللابتوب من جديد، ويستكمل ما كان يقرؤه أو يكتبه.
هكذا يوزع محمد عبدالوهاب الشيباني برنامجه اليومي بين الكتابة والقراءة والتواصل الاجتماعي والعائلي، قبل أن يحين موعد نومه الذي اعتاد ألا يكون متأخراً.
خلال عشر سنوات من هذا الروتين اليومي، أنجز ثلاث مجموعات شعرية جاهزة للنشر، وثلاثة كتب؛ واحد “في المقالات الادبية والنقد، وآخر في الكتابات الصحافية، بالإضافة إلى كتاب عن وجوه وشخصيات أدبية وثقافية وسياسية يمنية أثرت في أحداث اليمن المعاصر”. “معظم هذه الكتب أنجزتها بعيداً عن القات وطقوس المقيل وأوهامه.” أضاف، بدون أن تفوته الإشارة إلى الصفاء الذهني الذي شعر به بعد أن أقلع عن القات، وإلى اتساع الوقت لديه فيما يتعلق بالقراءة والكتابة. رغم ذلك، يذكر أيضاً أن مجموعاته الثلاث الأولى أنجزها “ضمن طقوس المقيل والقات”.
عن تفضيلاته من وسائل الكتابة، لم يتأخر محمد الشيباني كثيراً في استخدام الكمبيوتر المحمول للقراءة أو الكتابة، ونادراً ما يعود الآن لاستخدام الورقة والقلم. أما شاشة الهاتف المحمول، فقليلاً ما يستخدمها للكتابة، وإن كان يقرأ عبرها “بعض الموضوعات” التي عادة ما يشاركها الأصدقاء في مواقع التواصل.
أما عن تفضيلاته في القراءة، فقد صارت كتب التاريخ بموضوعاته المختلفة، سيما التاريخ اليمني، هي الأكثر جاذبية لديه مؤخراً. لكنه قبل ذلك، ظل لسنوات طويلة مهتماً لدرجة الهوس بقراءة الروايات، وقد امتلك منها “مكتبة لابأس بها”. ورغم أنه قرأ لفترات طويلة في الشعر الجديد وكُتب النقد الشعري والسردي، وكتب الفكر والسياسة والتاريخ، إلاّ أنه لا يزال يعتقد بأن الرواية هي الأكثر تأثيراً فيه. حتى أنه كثيراً ما يعود لقراءة بعضها للمرة الثانية أو الثالثة، مثلما يعود لقراءة كتب المذكرات التي يصنفها في سياق تفريعات التاريخ.
***
خلال مشواره الأدبي أصدر محمد عبدالوهاب الشيباني أربع مجموعات شعرية: “تكييف الخطأ” 2001، “أوسع من شارع أضيق من جينز” 2002، “مرقص” 2004، “نهار تدحرجه النساء” 2014. وثلاث مجموعات جاهزة للنشر: “أقدام تتهيأ لركل المديح”، “الجراد الذي لم ينس شجرة الفلاح اليابسة”، و”المسافة التي تتوسط العبث المهذب”، إضافة لثلاثة كتب في النقد الأدبي والتاريخي.
هذا المنجز الشعري مرّ بنوعين متناقضين من الروتين اليومي للشاعر؛ الفترة التي كان فيها يمضغ القات بشكل يومي، أصدر خلالها مجموعاته الثلاث الأولى، والفترة التي أقلع فيها عن القات، أصدر فيها مجموعة واحدة والمجموعات الثلاث مع الكتب الثالثة التي لم تصدر بعد. فيما يتعلق بالتزام الكاتب أو الفنان بروتين يومي، يؤيد محمد الشيباني تنظيم المبدع لوقته، لكن ليس إلى درجة التنميط والقولبة. يقول: “لست مع تنميط الوقت وقولبته، الذي قد يتحول مع الأيام إلى مكبّل قاتل. قد يدخل المبدع في روتين غير طويل من أجل إنجاز عمل مخطط له ويتطلب مثل هذا الروتين المنمط وهذا أمر مهمّ أيضاً”.
وإلى ذلك، يختصر محمد عبدالوهاب الشيباني التحديات التي يواجهها الكاتب اليمني في الفقرة التالية:
“المبدعون اليمنيون وعلى مدى سنوات طويلة، عانوا من الأوضاع السياسية الاقتصادية التي توجت بهذه الحرب التي أكلت الأخضر واليابس. هذه المعاناة جعلتهم يلهثون وراء قوت أُسَرهم اليومي، الذي يتطلب مكابدات خارقة بسبب الفوضى ضاربة الأطناب في السلوك العام، فصارت العشوائية، كتمثيل آخر للفوضى، هي التي تحكم الجميع بمن فيهم المبدعين أنفسهم. إصرار الكثيرين منهم على إنتاج المعرفة بمعناها الواسع “ثقافة وأدب وفنون” في ظروف قاهرة كهذه، أمر يحسب لهم. ومسألة تقييم الجودة فيها ينبغي ألاّ تغفل التباساتها الظرفية هذه”.