المواطن/ تحليلات – فهمي محمد
لم اكتب عن المحافظ أمين ولم يكن ذلك في حسابي عندما كان الرجل في رأس السلطة المحلية لكني كتبت عن تعز الكثير فمن الأفضل أن لا تثني على شخص مازال في رأس السلطة بل أنقده كلما أنحرف عن المسار ، ففي كل الأحوال واجب علينا نقد الحكام لا مدحهم وهو واجب تقتضيه المصلحة الوطنية أو هكذا هي قناعتي في تقدير الأمور دائماً .
منذ صدور القرار الخاص بتعين المحافظ أمين بداءت ردود الافعال تجاه الرجل على شكل عراك في وسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض ، وقد ساهم هذا العراك إلى حد ما في تفخيخ أرضية المناخ السياسي وخلق خصومة مع الرجل القادم من وراء البحار قبل أن يصل الى تعز ويمارس عمله في مبنى شركة النفط التي يتخذ منها مقراً لأعمال السلطة المحلية ، لكن الملاحظ أن هذا العراك لم يحدث الآن على إثر تعين المحافظ الجديد نبيل شمسان مع أن صدور قرار التغيير والتعين كان غير متوقع حدوثه للجميع بهذه السرعة ! .
كان الفراغ الذي خلفه الغياب الطويل للمحافظ السابق على المعمري قد جعل الأمور سياسياً وإدارياً تسير خارج سياقها الطبيعي لاسيما في مظهرين يعدآن هنا على سبيل المثال وليس الحصر للحالة السياسية والإدارية المحتله .
الأول يتعلق بوجود أزدواجية في القرارات الإدارية بين قرارات شرعية تقضي بتعين مدراء عموم يصدرها المحافظ من خارج البلاد بعد أن تعرضت حياته للخطر أثناء وجوده في تعز ، وبين قرارات أخرى على نفس الصعيد تتعلق بتعين مدراء عموم في نفس المكان يصدرها بعض الوكلاء الذين يستغلون وجودهم وادوات القوة والنفوذ المتاحة لديهم في فرضها وتمكين المعنيين فيها من الممارسة على الواقع وبشكل جعل شرعية القوة والنفوذ أمر واقعياً وبديلاً موضوعياً عن الشرعية القانونية الممنوحة للمحافظ على المعمري ، وإذا كانت هذه الإزدواجية قد خلقت مشاكل معقدة على الصعيد الاداري بحيث اصبحت اول المشكلات المطرحة على طاولة المحافظ الجديد آمين محمود ، فإنها في المقابل قد القت بشيء من ظلالها القاتم على المناخ السياسي في المدينة وعلى العلاقة السياسية بين الاحزاب التي أصبحت في حالة توتر .
أما المظهر الثاني فقد أدى غياب المحافظ الى جعل المحافظة ومخرجاتها تدار من قبل جماعات تتحرك بدوافع سياسية او قل تشكلت داخل مبنى المحافظة لوبيات سياسية حزبية تمارس الضغط وتصنع القرار لاسيما وأن جميع الوكلاء اتو الى هذه المواقع عن طريق المحاصصة السياسية وليس عن طريق الكفاءة الادارية مع العلم أن منصب الوكيل منصب إداري بحت وليس منصب سياسي كما هو حال منصب الوزير القابل للمحاصصة السياسية أثناء تشكيل الحكومات ،
وإذا ما قبلنا أن الاستثناء في تلك الظروف قد برر وجود المحاصصة او العمل بها لاسيما وأن مدينة تعز ظلت بعد الإنقلاب وأثناء الحرب هي المساحة المتبقية في الجغرافية اليمنية أمام الاحزاب السياسية لممارسة دورها السياسي ، فإن الشيء المؤكد ان تلك المحاصصات قد خلقت صراع بين المكونات السياسية حين تحولت الى سباق حزبي محموم على الإدارات العامة دن وجود ضوابط قانونية يتم التقيد بها او العمل بها في ظل هذه المحاصصة السياسية ، وإذا كان التنافس على المرافق والإدارات المدنية قد تركز بشكل حاد بين الناصري والاشتراكي والمؤتمر الذي عاد للمشهد في تعز في وقت متاخر ، فإن حزب الاصلاح في المقابل قد أنهمك منذ الوهلة الأولى وبشكل مركز في السيطرة على مفاصل الجيش والأمن وبالشكل الذي جعل المؤسسة العسكرية بشقيها = ( الجيش والأمن ) تقع تحت وصاية الحزب او همينته السياسية ،
كل ذلك حدث في الأساس على حساب تغيب المعيار الوظيفي والقانوني والمهني لصالح المنطق السياسي التحزبي في المؤسسة العسكرية والمدنية في مدينة الثورة الحالمة بالدولة المدنية .
قبل عام وصل المحافظ أمين محمود الى مدينة تعز في ظل اجواء سياسية وادارية وعسكرية وأمنية ملبدة وغير طبيعية وكانتاج لحالة موضوعية مشوهة في الواقع السياسي والإداري تكونت في هذه الأجواء المشحونة مشاهد تراجيدية تحولت الى معادلة صراع سياسي ، فقد اقترب الناصريون والمؤتمريون من المحافظ منذ الوهلة الأولى لحد الإلتحام مع وجود تفاهمات من قبل الحزبين مع الجماعة السلفية ، وقد تحول هذا الإقتراب مع المحافظ الى موقف سياسي وإعلامي ممارس في الواقع وفي المقابل أبتعد الاصلاح واختلف مع المحافظ وتحول ذلك الى موقف سياسي وأعلامي ممارس في الواقع ، في حين ظل الاشتراكي في منزلة بين المنزلتين مع وجود ثنائية في الروئ داخل قواعده الحزبية بين مؤيد ومعارض لهذا الموقف المعتزلي إن جاز التعبير هنا بمصطلح تم إستعارته من الحقل المعرفي لعلم الكلام .
على إثر وصوله إلى تعز بدأ المحافظ عازم على تقديم شيء لمحافظة تعز فقد تم تشكيل لجنة للفصل في القرارات الإدارية المزدوجة كان مكتب الشئون القانونية أحد أعضائها وهو مايعني إسناد مسئولية الفصل في شرعية تلك القرارات الإدارية المزدوجة الى احكام القانون ، وفي حال ما تم تنفيذ ذلك وفقاً لمنطق القانون فإن المكاتب الايرادية مالياً ستصبح من نصيب أشخاص محسوبين على الاشتراكي ( الضرائب + النظافة والتحسين ) إضافة إلى المالية والجمارك الذين لم يكونوا محل خلاف لكن مدرائهم محسوبون على الاشتراكي ايضاً وذلك لم يكن مقبولاً في تقدير الحسابات السياسية التي فعلاً كان لها رأى آخر في حل مشكلة الازدواجية في القرارات الإدارية وبشكل يستقيم مع منطق المحاصصة الحزبية التي مثلت أحد تجلياتها إعادة إنتاج أشخاص محسوبين على نظام صالح أو العفافيش كما يطلق عليهم شباب الثورة الذين رأوا في ذلك محالة هدفها السياسي إعادة إنتاج نظام ما قبل ١١/ فبراير ٢٠١١ .
…..يتبع