المواطن/ كتابات ـــ فهمي محمد
مع إعلان دولة الوحدة في الـ22/ من مايو 19990/ م، تحايثت في الوجود أربع معطيات سياسية هامة على سطح المشهد السياسي في اليمن، وهي بلاشك كانت نتاج للفرصة التاريخية التي تخلقت يومها على إثر التوازن السياسي والعسكري في معادلة الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب، كما أنها كانت تمثل في نفس الوقت رافعات سياسية ناجعة في مسألة الحفاظ على ديمومة الوحدة اليمنية وحتى في مسألة بناء الدولة الوطنية في يمن ما بعد الوحدة = { الجمهورية اليمنية } لكنها في المقابل لم تكن تلك المعطيات السياسية مقبولة تاريخياً وسياسياً وحتى ثقافياً ودينياً لدى القوى المتحالفة تاريخياً والحاكمة في صنعاء قبل إعلان الوحدة = { المؤتمر، الإخوان ، القبيلة، العسكر } وهذا يعني أن القبول بتلك المعطيات السياسية( الأربع ) في معادلة الوحدة اليمنية كان يومها مجرد تكتيك سياسي وقتي يتوجب معه بقوة الشرع والدين الإسلامي العمل على تغييرها مهما يكن الثمن المدفوع ، بل أن قبول هذه القوى المتجانسة والمتحالفة يومها بمسألة الذهاب إلى الوحدة والقبول بها مع الحزب الاشتراكي اليمني ( الملحد ) تم بناء على وعد قاطع من قبل الرئيس صالح مفاده « أنه خلال سته اشهر فقط من عمر الوحدة بين الشمال والجنوب سوف يتم القضاء على الشريك السياسي في دولة الوحدة » مايعني في النتيجة أن الفترة الإنتقالية التي كانت معنية في إنتاج شروط الدولة الوطنية الوحدوية وبناء مداميكها السياسية والقانونية في الواقع بناء على المرجعيات السياسية وعلى حسن النوايا بين الطرفين، كانت من أول يوم تم فيه التوقيع على اتفاقية الوحدة ملغومة ومفخخة بسوء النوايا و بمقاصد التآمر من قبل الحاكمين في صنعاء قبل أن تصبح هذه الأخيرة عاصمة للوحدة اليمنية ،
تتمثل تلك المعطيات السياسية الغير مرغوباً بها أولاً :- بحضور الجنوب اليمني نداً سياسياً تجاه الشمال في دولة الوحدة اليمنية ، ناهيك عن حضوره بمشروع وطني قائم على المراجعات النقدية العقلانية، وكذلك بعقل جمعي= { وعاء ثقافي } يشكل قابلية ناجعة في مسألة التعاطي مع فكرة الدولة لاسيما وأن المجتمع في الجنوب وإن كان قد عاش في ظل دولة الحزب الحاكم والمسيطر وإن شئت فقل المستبد يومها، لكن المؤكد أن الجميع بمن فيهم خصومه السياسيين يشهدوا لنظام الحاكم في الجنوب بكونه عمل على تطبيق سيادة القانون على الجميع دون إستثناء حتى مع قيادة الحزب والدولة، بل نجح في بسط سلطة الدولة على كامل التراب الوطني في جنوب اليمن ، مايعني أن المجتمع في الجنوب كان يومها وتحديداً على المستوى السياسي والثقافي وحتى الإجتماعي قابلاً ومؤهلاً لمسألة لتعاطي الإيجابي مع فكرة الدولة ومع فكرة النظام والقانون وحتى مع فكرة التغيير نحو مفهوم الدولة المدنية (عكس نظيره السياسي والثقافي والاجتماعي في الشمال مع وجود بعض الحالات الإستثنائية ) ما يعني أن توسيع دائرة هذا الوعاء الثقافي على المستوى الجغرافي والإنساني في يمن ما بعد الوحدة كان أمر غير مرغوب في حدوثه عند القوى الحاكمة في صنعاء التي كانت حتى يوم أعلان الوحدة (على سبيل المثال فقط) تدفع من الموازنة العامة أموال طائلة للقبائل التي كانت تملك السلاح ولا تتردد برفعه في وجهه السلطة الحاكمة في صنعاء بين الحين والآخر، ناهيك عن أن القبيلة في الشمال كانت تمثل من جهة أولى عصبية مركزية في بنية السلطة الحاكمة على المستوى السياسي وتمارس في نفس الوقت من جهة ثانية دورها التاريخي والوظيفي تجاه الأفراد على الصعيد الإجتماعي وهو ما أدى إلى إعاقة حضور دولة النظام والقانون وبسط سلطتها على كامل التراب الوطني في شمال اليمن منذ ثورة 26 سبتمبر 1962/م، وحتى قيام الوحدة اليمنية عكس ما كان قائماً في التجربة السياسية للجنوب الذي جعل من الإنتماء الحزبي عصبية مركزية في بنية السلطة الحاكمة فيه منذ ثورة 14/ اكتوبر 1967/م، وحتى يوم الوحدة، والفرق بين العصبية المركزية في بنية النظام الحاكم في الشمال وبين العصبية المركزية في بنية النظام الحاكم في الجنوب يكمن في حقيقة مفادها أن العصبية الحزبية تظل من حيث الماهية عصبية سياسية بإمتياز لا تعيق بأي حال من الاحوال حضور الدولة ولا تتناقض مع وجودها ومع مفهومها السياسي والقانوني ، بل على العكس من ذلك نجد المؤسسة الحزبية هي المؤسسة الحاكمة في أرقى النماذج تطوراً لشكل الدولة الحاكمة في العالم = { الدولة المدنية } بينما العصبية القبلية تظل دائما من حيث الماهية عصبية إجتماعية سلبية بإمتياز، وهي المقصودة في ذم الرسول الكريم بقولة « ليس منا من دعا إلى عصبية » « دعوها فأنها منتنة » وإذا تمكنت هذه العصبية في بعض المجتمعات التقليدية من التسلل إلى المجال السياسي العام فإنها حتما تعيق حضور الدولة بكل أشكالها سواء كانت دولة النظام والقانون أو الدولة الوطنية ناهيك عن الدولة المدنية، لذلك أطلق بعض الباحثين على ظاهرة القبيلة ودورها السياسي في معرض حديثهم عن التجربة السياسية في الشمال اليمني مصطلح = { القبيلة السياسية } كما نجد ذلك عند الدكتور سمير العبدلي وغيره ، وهذا ما يفسر بشكل دقيق قدرت الفعل السياسي الممانع على مواصلة زخم إنتصاراته المتكررة في وجه أي محاولة تتعلق ببناء مشروع الدولة في شمال اليمن منذ ثورة 26 سبتمبر 1962/م، وحتى اليوم لكون العصبية المركزية في بنية السلطة الحاكمة عصبية قبلية غير قابلة لمسألة التراكم النوعي على المستوى السياسي والقانوني في بنية السلطة هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد فعل الإنقضاض أو الإنقلاب على أي محاولة تتعلق ببناء الدولة كان ومايزال يتحرك دائما من داخل بنية السلطة الحاكمة في الشمال وليس من خارجها ويستخدم في نفس الوقت أدوات السلطة العسكرية والمالية في معركته ضد مشروع الدولة،( هذا ماحدث في إنقلاب 5/ نوفمبر 1967/م ، وحدث بعده في أحداث أغسطس ضد عبد الرقيب عبدالوهاب ، ثم حدث ضد مشروع الشهيد الحمدي، وفي حرب 1994/م، وأخيراً حدث في إنقلاب 21/ سبتمبر 2014/م ضد مشروع الدولة الوطنية الاتحادية في اليمن ) ما يعني في النتيجة النهائية أن السلطة الحاكمة في صنعاء يوم إعلان دولة الوحدة اليمنية كانت بمنطق عصبيتها القبلية المركزية المتحالفة مع الأيديولوجية الدينية غير راغبة بحضور الجنوب اليمني بمشروع وطني يعمل على تحويل السلطة إلى دولة، والجغرافية إلى وطن في يمن ما بعد الوحدة، أو يعمل في أدنى الأحوال على تفكيك العصبية القبلية المركزية في بنية السلطة القائمة في المناطق الشمالية بعد قيام دولة الوحدة في اليمن، لذلك لا غرابة أن يقف هذا التحالف السياسي الرباعي والعريض في أهم القضايا الخلافية والإشكالية المتعلقة ببسط سلطة الدولة وسيادتها ={ المؤتمر، الاصلاح، القبيلة، العسكر } أثناء الفترة الإنتقالية ضد أي محاولة أو حديث أو صدور قانون يقضي بتسليم السلاح بشكل عام لأن هؤلاء يدركون أن السلاح المنتشر في الشمال اليمني يتمثل بدرجة رئيسية في سلاح القبيلة السياسية، لاسيما الحزام القبلي المحيط بالعاصمة صنعاء التي أجهضت ثلاث ثورات ووحده على حد وصف الشاعر… .