المواطن/ كتابات – وسام محمد
اليوم أصبح من الغباء الاعتقاد ان الدولة يمكن استعادتها بهذه الطريقة القائمة, ومن الغباء أكثر ان يصبح همنا استعادة الدولة بالصيغة التي عرفناها وعرفنا كم هي معادية للناس وتعمل ضدا على مصالحهم.
قامت ثورة ضد نظام ودولة صالح. نعم. ثم وصلنا الى حقيقة مفادها انه لا يمكن استعادة الدولة عبر ما تبقى من هامشها. لدينا نخب مأزومة واحزاب تعيسة وحتى قادة عسكرين يمكن القول عنهم أي شيء إلا انهم قادة عسكرين. ولدينا حلفاء يعانون من ازمات داخلية ينفسون عنها بتحويل بلدنا الى مسرحا لعبثهم وتكاد النتيجة أن تصبح واضحة: فهولاء الحلفاء لن يستطيعوا تجاوز ازماتهم الداخلية ولا يمكن التعويل عليهم بمساعدتنا في استعادة دولتنا. وكل ما يحدث هو فقط مقدمة للانهيار الشامل.
لكن هذه ليست هي النهاية, كما ليس مطلوب منا الرضوخ والاستسلام للمقسوم.
المطلوب اليوم باعتقادي هو بناء قناعة راسخة ان الدولة لا يمكن ان تعود إلا من أسفل بوظيفة مختلفة وبأسس متينة. وهذا يصلح كاستراتيجية رديفة لاستراتيجية أكبر قائمة على قناعة اخرى اكثر رسوخا بأن مصير العرب واحدا ولا يمكن انتاج حلول قطرية فالأزمة واحدة.
من مقتضيات عودة الدولة من أسفل, حشد طاقات المجتمع وما تبقى من هامش للدولة من أجل تنسيق الجهود من أدنى وانتاج حلول وصهر التجارب الناجحة في قوالب مؤسسية متينة.
العيش على الوهم كارثة وحمل الناس على الاعتقاد ان مصيرهم في يد الأخرين جريمة. على الاقل ليس بعد اربع سنوات من الحرب التي كان المتغير الوحيد فيها هو ذلك الذي بادر الناس لصناعته من تلقاء انفسهم عندما هبوا للدفاع عن مدنهم وقراهم وخلصوها من مليشيات الثورة المضادة.
عودة الناس الى ميدان الفعل كان هو المتغير الذي لم يحظى بالعناية والذي بفضله تحقق الانجاز في دحر المليشيات. ولعل عدم استفادة السلطة الشرعية والنخب والاحزاب مما تحقق وعدم البناء عليه لعل هذا يشير الى عمق الأزمة وإلى أن الحديث عن امكانية استعادة الدولة بالطريقة القائمة هو مجرد حديث آخر عن الوهم. حتى ان مهمة تنسيق جهود المجتمع من اجل صناعة حلول للمشاكل التي يواجهها تكاد تكون مستحيلة عند التفكير بأن هامش الدولة الحالي من الممكن ان يضطلع بهذه المهمة. ببساطة لأن الأزمة أعمق مما نستطيع تخيله.
أما عملية البناء من أسفل فهي بحاجة فقط الى رؤية بحيث تترجم الجهود الجماعية للناس الى استحقاقات لا يمكن اهدارها او السماح بذلك وهذا يعني البدء في التصدي للقضايا التي تمسهم بشكل مباشر وبمشاركتهم انفسهم وضمن اليات عمل ديمقراطية مرنة وواسعة النطاق.