المواطن/ كتابات – محمد هائل السامعي
السياسي الشريف هو الذي يعمل لصالح بلده وشعبه بالدرجة الأولى، وهو الذي يعمل أيضاً من أجل البشرية، ضمن هذا النضال الوطني الجامع بشرفٍ ما بين المحلّي والأممي. فالمناضل الشريف هو الجامع عقائدياً للوطني مع الأُممي، لكونهما يتقاطعان حتماً في النضال يومياً، والواحد منهما يُكمّل الآخر. وفي نضال المناضل الشريف، يتّحد هذا المناضل مع الدول والمؤسسات والرفاق، المشاركين له في عقيدته ونضاله السياسي الدؤوب، إذ تجمعه معهم قواسم مشتركة ورئيسية، يَجهد مناضلو عصرنا لنيلها، منها نصرة السلام العادل، والتنمية المُستدامة للشعوب، والى جانبها التعايش السلمي، الذي هو السبيل الكفيل بحل عديد من الأزمات والقضايا العالقة .
لم أزر جمهورية الصين الشعبية أبداً، لكنني أعرف وأدرك وأشعر وأؤكد، إنطلاقاً من خبراتي السياسية والفكرية، أن السياسي الشريف والناجح هو الحزب الشيوعي الصيني لجمهورية الصين الشعبية، الذي يُعتبر صاحب المشروع السياسي الرائد في تحقيق نجاحات باهرة، إذ عجزت قوى استعمارية ورجعية وفاشية وعسكرتارية عديدة في ضرب أو تصفية هذا الحزب، برغم تمكنها من ضرب وتصفية غيره من الأحزاب والحركات التحريرية في عالمنا العربي.
يَكمن السر المعلوم في قوة الحزب الشيوعي الصيني وانتصاراته المتتالية، في إعتماده على الشعب الصيني الواعي والمخلص للحزب والدولة والشعب وقضايا العالم الأُممية، وعلى الرغم من شراسة الحرب التي يقودها القطب الواحد، المهيمن على العالم، إلا أن الصين قيادةً وشعباً تمضي الى الأمام بكل ثقة وإصرار، لتحقيق العدالة الاجتماعية والتحديث والحرية والمساواة والعيش الكريم للشعب الصيني.
يدلل على هذا ما نلامسه من انفتاح في توجهات النظام والتعديلات المتسمرة في البرنامج الحزبي الصيني وخططه التنموية الطموحة وطويلة الأمد.
وتكمن عظمة الشعب الصيني في قيادته الحكيمة وإسهاماتها الكبيرة في تسييد السلام العالمي وفي البلدان التي فقدت شعوبها الإستقرار وتعوّقت فيها التنمية، ومنها اليمن.
ودلالة على ذلك، نقرأ في تقرير الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني، شي جين بينغ، المقدّم الى المؤتمر الوطني التاسع عشر، بتاريخ 18 أكتوبر 2017، “أن الشيوعيين الصينيين لا ينسون.. وبفضل عدم نسيان الغاية الأصلية، يمكن العمل من بداية حسنة لبلوغ نهاية جيدة. إن الغاية الأصلية للشيوعيين الصينيين ورسالتهم هما السعي من أجل سعادة الشعب الصيني ونهضة الأمة الصينية، كما هما قوة محرّكة أساسية لتشجيع الشيوعيين الصينيين على التقدم إلى الأمام باستمرار. لا بد للرفاق في كل الحزب من مشاركة الشعب في السراء والضراء والاتحاد معه كرجل واحد دائماً، واعتبار تطلعات الشعب إلى حياة جميلة هدفاً للكفاح إلى الأبد، ومواصلة المضي قدماً وبشجاعة نحو الهدف الطموح لتحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية، بروحهم غير المتراخية أبداً، وبموقفهم الكفاحي المُتّسم بالتقدم بإرادة لا تقهر.”.
وفي هذا السياق، يُعتبر التنسيق الدولي للحزب الشيوعي الصيني الذي أنجح أعمال المؤتمر الثاني للحوار بينه وبين الاحزاب العربية، وتلبية الاحزاب السياسية في اليمن بمختلف توجهاتهم الفكرية والسياسية الدعوة والحضور ومشاركتهم في المناقشات الكثيرة في إطار المؤتمر، إلا دليل على البُعد الفكري للحزب الشيوعي الصيني وانفتاحيته، ونزاهة الصين في علاقاتها مع الجميع، إذ أنها تعمل على قاعدة الربح للجميع، لنفسها وللعالم، وهنا بالذات ندرك كم هي القيادة الحزبية للصين محترمة ونبيلة وواعية، إضافة الى ذلك، هي لم تعقد إجتماعات سرية في غرف مُغلقة ومعتمة، مع قيادات من أحزاب ما، بل جمعت كل الاحزاب وبكل تياراتها وسياساتها وأيديولوجياتها في بوتقة واحدة، وسارت معهم علناً إلى إقرار بيان واحد، على قاعدة سياسية واحدة، ويتقاطع معها، وتلبي مطالب الجميع وتتفق مع منطلقاتهم.
وبالرغم من أن الحزب الشيوعي هو الحاكم، وهو الذي يصيغ سياسة الدولة الصينية، وبرغم أفكاره المغايرة للعديد من الاحزاب التي دعيت الى المؤتمر المذكور، إلا أنه كان من حق تلك الاحزاب الإدلاء برأيها والإعلان عنه والتمسك به كما تريد، ولم يتعارض وجود هذه الاحزاب في الصين، مع وجود علاقات حزبية لها مع أنظمة وسلطات حكومية في العالم.
إن مشاركة الكثير من الاحزاب العربية في المؤتمر في الصين، شكّل حدثاً متميزاً ونادر الحدوث في العالم. لذلك، نتمنى من قيادات أحزابنا العربية استلهام التجربة السياسية للحزب الشيوعي الصيني، والمبادرة في حل أزماتها السياسية، وتصحيح برامجها، واستيعاب الشباب في قياداتها، لتمكينهم من المشاركة الفاعلة في صنع القرارات السليمة والشجاعة لصالح بلدانهم وشعوبهم.
وفي التقرير نفسه للأمين شي جين بينغ، وبخاصة حول الاشتراكية وعلاقات الصين بالعالم، قال “شي”، أنه “ينبغي على جميع أعضاء الحزب استيعاب الجوهر الروحي والمضامين الوفيرة لأفكار الاشتراكية، ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، بشكل عميق، وتطبيقها وتنفيذها بشكل شامل وصحيح في شتى الأعمال،وضرورة ا لتمسك بدفع عجلة بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية”. وأكد “ارتباط حُلم الشعب الصيني بأحلام شعوب مختلف البلدان بشكل وثيق، ولا يستغني تحقيق حُلم الصين عن الظروف الدولية السلمية والنظام الدولي المستقرّ. ومن اللازم لنا أخذ النوعين المحلي والدولي من الوضع العام بعين الاعتبار، وسلوك طريق التنمية السلمية بعزيمة لا تتزعزع، وتطبيق إستراتيجية الانفتاح المتّسمة بالمنفعة المتبادلة والفوز المشترك، والتمسك بوجهة النظر الصحيحة إلى العدالة والمنفعة، وترسيخ مفهوم الأمن الجديد المتجسد في التشارك والتكامل والتعاون والاستدامة، والسعي وراء مستقبل تنموي متّسم بالانفتاح والابتكار والشمول والمنفعة المتبادلة، وتعزيز التواصل الحضاري المتصف بالوئام مع إبقاء الاختلاف وضم كل ما يفيد من الأفكار، وإنشاء منظومة إيكولوجية تقضي بإجلال الطبيعة والدعوة إلى التنمية الخضراء، لنظل بُناةً للسلم العالمي، ومساهمين في التنمية العالمية، وحُماةً للنظام الدولي..”.
تُعتبر الاحزاب الوسيلة الرئيسة التي يتم من خلالها النضال السياسي، فهي تمتلك البرامج التي توضّح توجهها الفكري والسياسي والأهداف الذي تسعى الى تحقيقها. فالحزب مدرسة لكل عضو منخرط فيه، وبواسطة الحزب يستطيع المرء إيصال صوته للمجتمع للتعبير عن طموحه والمطالبة بحقوقه، وتبنّي قضاياه التي يَعتبرها عادلة ومشروعة.. فالحزبية ليست جريمة بحق المجتمع كما يزعم البعض، ولكن تخلّفنا السياسي هو مَن يصنع الجريمة.. الحزبية الحق هي احترام للجميع، والعمل مع الجميع من أجل الجميع.
وبحكم معرفتنا بعمق العلاقات اليمنية الصينية، والصداقة الثنائية المبنية على الشفافية في التعامل اليمني الصيني، القائمة على الاحترام المتبادل والتعاون التنموي المشترك، نؤكد ثقتنا العميقة بالقيادة الصينية، ندعو قيادتنا السياسية اليمنية للإستمرار في اللقاءات الرسمية مع قيادة الحزب الشيوعي الصيني، بهدف البحث سوياً عن حلول حقيقية تنقذ الشعب اليمني من جحيم الحرب وتجارّها، وتقيم جنة التعاون المشترك مع الصين لصالح كل اليمنيين.
وفي الختام، لا بد من التدليل والتوقف عند بعض البنود الهامة التي وردت في البيان الختامي للمؤتمر العتيد، للحوار بين الحزب الشيوعي الصيني وأحزاب الدول العربية، والتي تعزّز دور الأحزاب العربية بالتعاون مع الحزب الشيوعي الصيني، لخلق واقع عالمي جديد، وعلاقات متساوية بين الاحزاب في العالم، وهي الى ذلك تؤكد جوهر العمل الحزبي المتناغم مع مصالح الشعوب وأمانيها:
التأكيد على أنه لا يوجد في العالم نمط تنموي ينطبق على كل الدول، وعلى كل دولة تحقيق التنمية على أساس ظروفها الخاصة.. ومن هنا يتفهم الجانب الصيني ويحترم الجهود الحثيثة لأحزاب الدول العربية، في استكشاف الطريق التنموي المتفِق مع ظروفها الخاصة، بينما تعُرب أحزاب الدول العربية عن إعجابها بما يحققه الشعب الصيني من المنجزات في ظل قيادة الحزب الشيوعي الصيني..
ـ تمثل الأحزاب السياسية مصدراً لاتخاذ القرار.. ومن المفترض أن تلعب دوراً رائداً في توجيه دفع جهود بناء مصير مشترك للبشرية..
ـ التأكيد على العمل يداً بيد لبناء علاقات حزبية من نمط جديد بين الحزب الشيوعي الصيني وأحزاب الدول العربية، والتي تقوم على مبادئ إيجاد الأرضية المشتركة مع ترك الخلاقات جانباً وتبني الاحترام المتبادل والاستفادة المتبادلة..
ـ دعوة جميع الدول إلى التقيد بالمبادئ الرئيسية للعلاقات الدولية القائمة على مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والالتزام بتبادل الاحترام للسيادة وسلامة الأراضي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، والمساواة، والمنفعة المتبادلة والتعايش السلمي.
وتدعم أحزاب الدول العربية بثبات مواقف الصين من قضية تايوان، وقضايا تتعلق بالتيبت، وشينجيانغ، وحقوق الإنسان، وبحر الصين الجنوبي وغيرها، بينما يدعم الجانب الصيني حل القضايا الساخنة في “الشرق الأوسط” سياسياً.. ويؤيد القضية العادلة للشعب الفلسطيني لإستعادة حقوقه الوطنية الشرعية وإقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة الكاملة..
ـ وفي الختام سجل المؤتمرون رضاهم بنتائج المؤتمر، واستعدادهم لمواصلة الجهود في تعميق التواصل والتعاون، بين الحزب الشيوعي الصيني وأحزاب الدول العربية، بما يُسهم بشكل أكبر في دفع علاقات الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية إلى الأمام باستمرار.
لقد شكّل المؤتمر فرصة حقيقية للتعارف ولتعميق العلاقات بين الجانبين العربي والصيني، كما شكّل فرصة أيضاً لعقد جلسات حوار بين المشاركين العرب بعضهم مع بعض، لبحث الكثير من القضايا الشائكة، الموجودة في أكثر من منطقة عربية، وهي فرصة ربما لا تكون موجودة على أي أرض عربية في بلادنا الواسعة، من المحيط إلى الخليج. (المصدر: محمود ريا. موقع “الصين بعيون عربية”).