المواطن/ كتابات – عيبان محمد السامعي
ثانياً: الدور السعودي في اليمن:
منذ عقود طويلة تعاملت السعودية مع اليمن كفناء خلفي لها, مما أكسبها خصام عموم الحركة الوطنية اليمنية وذلك لعاملين: الأول: احتلال نظام آل سعود لجزء من اليمن الطبيعية: “جيزان ونجران وعسير”. والثاني: أن السعودية مثلت قاعدة للأنظمة الرجعية في المنطقة، لاسيما موقفها المعادي للثورة اليمنية ودعمها للنظام الامامي[38]
ويمكن تجلية الدور السعودي في اليمن وخلفياته التاريخية من خلال المحطات الآتية:
المحطة الأولى (1800 – 1962م):
تعود بدايات الطموحات السعودية لمد نفوذها في اليمن إلى العام 1800م, ويفيد د. محمد علي الشهاري بالقول: “بعد أن أكملت الأسرة السعودية سيطرتها على نجد والحجاز بدأت تمد أبصارها نحو اليمن, فمع نهاية العام 1800م شنّ عبدالعزيز بن محمد بن سعود حملة عسكرية على عسير السراة انتهت بإخضاعها لسلطانه, وغدت عسير السراة منذئذٍ نقطة انطلاق للتوسع السعودي صوب عسير تهامة وصوب تهامة اليمن كلها.”[39]
وفي عامي (1809 – 1810م) حاولت قوة سعودية الوصول إلى حضرموت, ولكن كان مصير أكثرها الفناء, وهو نفس المصير الذي لقيته قوة أخرى بعثت هناك عام 1811م.[40]
واقع الحال يقول بأن عوامل الجوار الجغرافي والأواصر الاجتماعية المشتركة قد لعبت دوراً تأثيرياً كبيراً في مسار العلاقات بين اليمن والسعودية. إذ ترتبط الدولتان بشريط حدودي بري طويل يبلغ 1800كم, وبثلاثة منافذ حدودية رئيسية هي: البقع وعلب والوديعة. وهناك قواسم مشتركة أخرى تتمثل بعوامل التاريخ المشترك والأواصر الاجتماعية والأعراف والعادات المشتركة لسكان المناطق الحدودية, وعلى وجه الخصوص المناطق التي كانت تسمى بالمخلاف السليماني وتهامة اليمن, والتي تشمل: جيزان ونجران وعسير, فأصول سكان هذه المناطق يمنية.
لقد كانت هذه المناطق يمنية يحكمها الأدارسة [41] حتى عام 1926م, حيث أصبحت منطقة نزاع حدودي بين السعودية واليمن بعد أن دخل الأدارسة في حلف مع السعودية.
اندلعت حرب غير متكافئة بين النظام اليمني والنظام السعودي, انتهت بتوقيع معاهدة الطائف عام 1934م, وتمكنت السعودية من فرض شروطها على اليمن وضم المناطق المذكورة إليها.
وتكمن أسباب انهزام النظام اليمني أمام النظام السعودي وإخفاقه عن استعادة المناطق المحتلة في طابع الدولة اليمنية التي أسسها ابن حميد الدين, التي قامت على أساس الجور وفرض الجباية المغلظة وسيطرة الاقطاع الطائفي الموغل في الرجعية والتخلف التي لم توفر الشروط السياسية اللازمة لنهوض حركة تحرير وتوحيد يمنية قادرة على مواجهة النظام السعودي والأطماع الاستعمارية الخارجية.[42]
لقد كان لانهزام النظام الامامي انعكاسات على الداخل اليمني تبدَّت في نشوء معارضة يمنية طالبت الإمام بإجراء إصلاحات إدارية وسياسية.[43] ولمّا قابل الإمام هذه المطالب بأذن من طين وأخرى من عجين, توسعت رقعة المعارضة وتغيّر شكل نضالها من المطالبة بإصلاح النظام إلى الثورة عليه, كما حدث في ثورة فبراير 1948م الدستورية, وانتفاضة الجنود في 1955م, واندلاع ثورة 26 سبتمبر عام 1962م التي تمكنت من كنس نظام الأئمة الإقطاعي إلى مزبلة التاريخ.
المحطة الثانية: 26 سبتمبر 1962م وحتى 1990م:
منذ الوهلة الأولى ناصب النظام السعودي ثورة 26 سبتمبر 1962م العداء, واعتبر أن قيام نظام جمهوري في جنوب الجزيرة العربية يشكل تهديداً خطيراً عليه, ولهذا سخّرت السعودية كل إمكانياتها لدعم القوى الامامية في حربها ضد النظام الجمهوري الوليد خلال الأعوام (1962 – 1970م), وقام الطيران السعودي بتوجيه ضربات على مواقع القوى الجمهورية, وعلى الرغم من الإمكانيات المهولة التي حصل عليها الاماميون, وسيطرتهم على مناطق شاسعة من الأراضي اليمنية وصولاً إلى محاصرتهم العاصمة صنعاء عام 1967م, إلا أنهم عجزوا عن إسقاط العاصمة والقضاء على الثورة, وذلك بفضل الصمود الأسطوري لليسار الجمهوري الذي تجسّد في ملحمة حصار السبعين يوماً (28 نوفمبر 1967 – 7 فبراير 1968م).
عندما أدرك النظام السعودي استحالة تقويض النظام الجمهوري الوليد؛ بفعل تمسُّك اليمنيين بأهداف الثورة السبتمبرية والدعم المصري للثورة, لجأ إلى خيار آخر وهو اختراق القوى الجمهورية واحتضان اليمين الجمهوري المتمثل بترويكا: القضاة والمشائخ العشائريين والزعماء الدينيين, بالإضافة إلى استمراره في احتضان ودعم الفلول الإمامية وجمع الطرفين في مواجهة اليسار الجمهوري, وفي سبيل ذلك عمل النظام السعودي على عقد عدة مؤتمرات تجمع تلك القوى, ففي الفترة من 31 يوليو إلى 10 أغسطس1965م، احتضنت مدينة الطائف السعودية مؤتمراً ضمّ مشائخ القبائل وقيادات سياسية في جناح اليمين الجمهوري وممثلين عن الملكيين. وهذا المؤتمر يعد من أخطر المؤتمرات التي قامت بُعيد ثورة 26 سبتمبر؛ إذ عُقد في أراضي دولة كانت ولم تزل معادية لثورة 26 سبتمبر, كما أنه مثّل أكبر اختراق سياسي سعودي للصف الجمهوري, وقد تمخّض عنه المطالبة بالدولة الإسلامية كبديل للنظام الجمهوري وكأنّ النظام الجمهوري مقطوع الصلة بالإسلام![44]
وتعززت هيمنة السعودية على القرار الوطني منذ انقلاب 5 نوفمبر 1967م الذي قاده شيوخ قبائل وقيادات عسكرية وسياسية أبرزهم: عبدالله بن حسين الأحمر زعيم قبيلة حاشد وسنان أبو لحوم ومجاهد أبو شوارب زعيمي قبيلة بكيل وحسن العمري رئيس هيئة الأركان ومحسن العيني القيادي البعثي الذي تولى رئاسة حكومة الانقلاب وعبدالملك الطيب أحد رموز الإخوان المسلمين. وقد كان من نتائج هذا الانقلاب إفراغ الثورة السبتمبرية والنظام الجمهوري من مضامينهما, وتصفية عناصر اليسار الجمهوري في أغسطس 1968م وتمهيد الطريق أمام إتمام صفقة مع القوى الملكية برعاية المملكة العربية السعودية عام 1970م.
إذن تمكن النظام السعودي من خلق واقع جديد في اليمن يستجيب لمصالحه الجيوسياسية ويتضاد مع المصالح العامة لليمنيين, وعمل على خلق أذرعة لضمان استمرار نفوذه في اليمن, تمثلت تلك الأذرعة بثلاثة تيارات:
الأول: التيار القبلي بزعامة عبدالله بن حسين الأحمر الذي ظلّ يمثل الذراع الطولى للنفوذ السعودي في اليمن طوال أربعة عقود ونيّف من الزمان.
الثاني: التيار العسكري بقيادة كبار الضباط في الجيش من بينهم: العمري ثم في فترة لاحقة ورث هذا الدور علي عبدالله صالح وعلي محسن الأحمر.
الثالث: التيار الديني بزعامة عبدالمجيد الزنداني رجل الدين المتشدد وذو التأثير الواسع, وجمعت هذا التيار بالنظام السعودي أهداف مشتركة تمثلت بما يسمى “محاربة الشيوعية” والنظام التقدمي في الجنوب ونشر الفكر الوهابي في اليمن الشمالي.
جندت السعودية الثلاث التيارات السالفة الذكر في تصفية القوى التقدمية وسحق أي محاولة تهدف لإخراج اليمن من عباءة النفوذ السعودي, مثل المحاولة الوحيدة واليتيمة التي قادها الرئيس المغدور به الشهيد إبراهيم محمد الحمدي.
وعلى الرغم من أن الرئيس الحمدي وصل إلى السلطة بضوء أخضر من النظام السعودي, إلا أنه غيّر من المعادلة القائمة, وبدأ يتخذ خطوات جريئة في تقليص النفوذ السعودي وهيمنة المشائخ القبليين الموالين للسعودية, كما عمل على إجراء تغييرات في السياسة الخارجية لليمن الشمالي وإحداث تقارب مع اليمن الجنوبي في إطار المساعي الهادفة لتحقيق الوحدة بين الشطرين, وعقد مؤتمر لأمن البحر الأحمر في عام 1977م شاركت فيها الدول المشاطئة للبحر الأحمر: اليمن الشمالي واليمن الجنوبي والصومال والسودان وغابت عنه السعودية. كل هذه الاجراءات التصحيحية الوطنية أزعجت النظام السعودي الذي اعتبرها تجاوزاً للخطوط الحمراء, لذا اتخذ قراراً في ليلة ليلاء وبالتنسيق مع أدواته في الداخل التخلّص من الرئيس الحمدي, وهو ما تم فعلاً في 11تشرين الأول/ أكتوبر 1977م, وكان العقل المدبر لهذه العملية السوداء صالح الهديان الملحق العسكري في السفارة السعودية بصنعاء.
تعززت هيمنة النظام السعودي على القرار السياسي اليمني بُعيد اغتيال الحمدي, فقد أظهرت النخبة الحاكمة الجديدة قدراً كبيراً من موالاتها للنظام السعودي الذي شرع في تشكيل لجنة خاصة تولّت شراء ذمم قيادات سياسية وعسكرية وقبلية يمنية لضمان استمرار هيمنته على اليمن. وفي هذا السياق أفادت تقارير صحفية إن ما يقارب 2700 مسؤول حكومي وشيخ قبلي وسياسي وعسكري وصحفي يمني يستلمون إعاشات شهرية من اللجنة الخاصة السعودية, وبإجمالي يصل إلى 56 مليون ريال سعودي, ومن بين هؤلاء قيادات رفيعة في الدولة ابتداءً من رئيس الدولة آنذاك علي عبدالله صالح.[45]
المحطة الثالثة: (1990 – 2015م):
سبّب تحقيق الوحدة اليمنية في 22 أيار/ مايو 1990م صداعاً للنظام السعودي بسبب حالة العداء التي كان يُكنّها ضد النظام التقدمي في الجنوب, وأوعز إلى أدواته في الداخل اليمني التحيّن للخلاص من قيادة الحزب الاشتراكي اليمني التي كانت تحكم الشطر الجنوبي, ومن ثُمّ الاستفراد بالمشهد اليمني.
هذا المخطط واجهه متغير سياسي كاد أن يقلب الأمور رأساً على عقب, تمثّل بموقف القيادة اليمنية من أزمة الخليج الثانية عام 1991م, إذ رفضت اليمن التصويت في مجلس الأمن الدولي لصالح التدخل العسكري الدولي لإخراج قوات الرئيس العراقي صدام حسين من الكويت, مما خلق أزمة سياسية حادة بين صنعاء والرياض, كان من نتائجها طرد قرابة مليون مغترب يمني مقيم في دول الخليج, وقد نجم عن هذا الاجراء أزمة اقتصادية كبيرة أثقلت كاهل دولة الوحدة الوليدة.
وفي هذا الصدد يجدر الإشارة إلى أن المغتربين اليمنيين يواجهون معاملة إنسانية سيئة, إذ يُفرض عليهم نظام الكفيل, ويُحرمون من حقهم في التملّك, كما يعانون من قيود إدارية وإهدار حقوقهم وغياب قانون ينظّم علاقتهم بالكفلاء وبأرباب العمل, وفرض رسوم وضرائب باهظة, والتعرّض للمعاملة المهينة من قبل الكفلاء.
وتشير التقديرات إلى وجود ما لا يقل عن مليوني يمني مغترب في السعودية غادروا وطنهم قسراً للبحث عن فرص لتحسين أوضاعهم المعيشية.
كما تشير التقديرات إلى أن تحويلات هؤلاء المغتربين لوحدها تصل إلى 3 مليارات دولار, وهو مبلغ ضخم يمثل مصدر دخل لعشرات الآلاف من الأسر اليمنية.
تمثل الهجرة إلى السعودية ودول الخليج عموماً حلماً للكثير من الشباب اليمني الذي يعاني من الفقر والبطالة, ومع قيام الحكومة السعودية بتشديد الشروط للسماح لليمنيين الإقامة فيها[46], لجأ الكثير من اليمنيين إلى سلوك الهجرة غير الشرعية أو “دخول السعودية بالتهريب” كما هو متداول شعبياً.
مع تنامي موجة الهجرة غير الشرعية إلى الداخل السعودي بانضمام أفواج من الأفارقة الصوماليين والارتيريين والأثيوبيين شرعت الحكومة السعودية عام 2003م ببناء جدار أو سياج مكهرب على طول الحدود اليمنية ــ السعودية الذي يبلغ 1800 كيلو متر, ويمتد من البحر الأحمر غرباً وحتى حدود سلطنة عمان شرقاً، ويبلغ ارتفاع الجدار ثلاثة أمتار ومزود بأنظمة رصد إلكترونية.[47]
بررت الحكومة السعودية إقامة هذا العازل كإجراء وقائي لحماية حدودها الجنوبية من تدفق الهجرة غير الشرعية ومن عمليات تهريب المخدرات والأسلحة ومكافحة الإرهاب.
وكان مطلع الألفية قد شهد إبرام “اتفاقية جدة” لترسيم الحدود بين اليمن والسعودية, التي بموجبها تنازلت الحكومة اليمنية ــ وبصورة نهائية ــ عن قرابة 460 ألف كم مربع من الأراضي اليمنية التي تشمل نجران وجيزان وعسير والمخلاف السليماني, وهي مساحة مهولة تساوي عشرات الأضعاف من مساحة دولة بحجم لبنان.
في آب/ أغسطس 2009م تفجرت الجولة السادسة من الحرب بين الحركة الحوثية والنظام اليمني, وهي الجولة التي شهدت متغيراً جديداً تمثل بتدخل القوات السعودية ضد الحركة الحوثية وبطلب من الرئيس السابق صالح, وانحصر هذا التدخل في بعض المناطق شمال محافظة صعدة. الجدير ذكره هنا أن الحكومة السعودية كانت قد اتهمت الحوثيين بقيامهم بانتهاك حدودها الجنوبية وشن هجمات على حرس الحدود السعودي, في وقتٍ كان الإعلام السعودي واليمني أيضاً يتحدث عن تنامي الدعم الإيراني للحركة الحوثية.
بعد انقشاع غبار الجولة السادسة من الحرب في فبراير 2010م, ظلّ النظام السعودي يراقب المشهد اليمني عن كثب, الذي شهد تحولات عاصفة, إذ تفجرت ثورة شعبية ضد نظام صالح في 11 فبراير 2011م بسبب لصوصيته وتسلطيته وسياساته الفاسدة وغياب التنمية وتصاعد نسب الفقر والبطالة وتعمم مظاهر البؤس والتهميش الاجتماعي.
أربكت الثورة الشعبية النظام السعودي, في بادئ الأمر, وبات يشعر بالقلق من تنامي ثورات الربيع العربي التي شملت بلدان أخرى: مصر وتونس وسوريا وليبيا والبحرين.
لم يكن هاجس القلق من تنامي هذه الثورات محصوراً في النظام السعودي, بل بات هاجساً عاماً يؤرّق مختلف النظم الخليجية والعربية ومن خلفهم الولايات المتحدة الأمريكية, مما حدا بهذه النظم إلى اتخاذ سياسة احتوائية لموجة الربيع العربي وقطع الطريق أمام تمدد شررها إلى دول أخرى.
تجسدت هذه السياسة الاحتوائية في الحالة اليمنية بمسارين: الأول: المبادرة الخليجية التي وقعت عليها الأطراف السياسية اليمنية في نوفمبر 2011م. أنقذت هذه المبادرة المخلوع صالح ومنحته حصانة من المساءلة واختزلت المطالب الشعبية المتمثلة برحيل النظام السابق وتحقيق حياة حرة وكريمة لليمنيين وبناء دولة مدنية عادلة إلى أزمة حكم سياسي بين سلطة ومعارضة.
المسار الثاني: قيام النظام السعودي بدعم الحركة الحوثية خلال الفترة من عام 2013م إلى منتصف عام 2014م واستخدامها في تصفية حسابات مع آل الأحمر.
لقد أوعز النظام السعودي للحوثيين بالتمدد في مناطق محافظة عمران وصولاً إلى صنعاء “لتأديب” بيت الأحمر التي خرجت عن بيت الطاعة السعودية, ومما يدلل صحة هذا الأمر تصريحات السفير السعودي لدى اليمن بُعيد سقوط عمران بيد الحوثيين التي كشفت عن حالة ارتياح انتابت القيادة السعودية من هذا الحدث. وكذلك تصريحات الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي الذي أدلى بتصريح شهير يقول فيه “أن عمران عادت إلى حضن الدولة!”.
وفي حقيقة الأمر, فإن النظام السعودي أساء التقدير عندما لجأ إلى استخدام الحركة الحوثية كورقة في تصفية حساباته مع آل الأحمر, اتضح هذا الأمر مع مرور الوقت, فبُعيد سقوط صنعاء بأيدي الحوثيين في 21 أيلول/سبتمبر 2014م بدأ الحوثيون يخرجون عن النص المكتوب, فقد تملّكهم الشعور بتعاظم قوتهم, فعمدوا إلى التمدد في المناطق الوسطى والجنوبية وتوجيه رسائل قاسية للمملكة السعودية كإجراء مناورات عسكرية عند حدودها الجنوبية, وإقامة جسر جوي بين صنعاء وطهران.
المحطة الرابعة (مارس 2015- حتى الآن):
بعد أن تيّقن النظام السعودي أنه وقع في فخ, وأنه بات بين فكي كماشة النفوذ الإيراني, ففي الشمال باتت العراق تحت الهيمنة شبه الكاملة لإيران وساحة مفتوحة للحرس الثوري الإيراني, وفي الجنوب ها هي اليمن تدخل في نطاق نفوذ طهران. قرر النظام السعودي التدخل العسكري من خلال عملية أطلق عليها اسم “عاصفة الحزم” في 26 مارس 2015م.
جاء إطلاق العملية العسكرية كمحاولة لإعادة ضبط المصنع بين اليمن والسعودية, وكانت التقديرات الأولية للأطراف اليمنية تشير إلى أن الحرب لن تستمر طويلاً, وأنها ستقتصر على توجيه ضربات جوية لتدمير الترسانة العسكرية للانقلابيين واستعادة الدولة الشرعية في غضون أشهر معدودة, لكن الواقع أبان عن خطأ تلك التقديرات, ليس ذلك وحسب, بل كشف عن خبايا أخرى لم تكن حاضرة في العقل السياسي اليمني, إذ بات واضحاً أن التدخل السعودي ومعه دول التحالف العربي لم يكن مجانياً أو “من أجل سواد عيون اليمنيين”, بل كان يحمل أهداف أخرى ومطامع اقتصادية, من بينها: سعي الحكومة السعودية إلى مد انبوب نفطي من أراضيها باتجاه بحر العرب مروراً بالأراضي اليمنية في حضرموت والمهرة ليكون خطاً بديلاً عن الخط البحري الذي يبدأ من مضيق هرمز وينتهي إلى بحر العرب خشية من إمكانية إقدام إيران على إغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط السعودية.
وقد أفادت تقارير صحفية عن أن الرياض مارست ضغوطات على اليمن من أجل تجميد عملية التنقيب عن النفط في بعض المناطق اليمنية الواقعة على الحدود السعودية في محافظة الجوف وشرقي مأرب حيث يُعتقد وجود مخزون كبير من النفط والغاز في هذه المناطق.[48]
كما كشفت دراسة حديثة النقاب عن أن السعودية مارست ضغوطاً على الحكومة اليمنية لإيقاف مساعي التنقيب عن النفط في منطقة تهامة اليمنية, إذ كانت حكومة الوفاق الوطني اليمنية قد عزمت على عقد اتفاقيات مع شركات صينية وروسية للتنقيب عن النفط في سهل تهامة (هامش……..) عام 2013م, بعد أن أكدت دراسات استكشافية عن وجود مخزون نفطي كبير في تلك المنطقة, وعندما علمت الحكومة السعودية بمساعي الحكومة اليمنية تدخلت ومارست ضغوطاً لإيقاف تلك المساعي وهو ما دفع بوزير النفط ــ حينها ــ أحمد دارس إلى تقديم استقالته[48].
الجدير ذكره أن التنقيب عن النفط بتهامة بدأ في منتصف السبعينيات من القرن المنصرم, عندما استقدم إبراهيم الحمدي الرئيس اليمني الأسبق (المغدور به) شركة شل الامريكية للتنقيب, وبدأت الشركة حفر آبار استكشافية جنوب مدينة حرض, إلا أن الشركة أوقفت العمل فجأة وانسحبت من اليمن. ويتحدث الشارع اليمني أن شركة شل تلقت عرضاً سعودياً مقابل ذلك؛ مما وتَّر العلاقة بين الحمدي والحكومة السعودية[49].
إجمالاً يمكن القول: إن السعودية تسعى من خلال تدخلها إلى إعادة هندسة السياسة في اليمن بما يؤمّن لها مصالحها الخاصة, وهي مصالح ــ غالباً ــ ما تتناقض والمصالح الاجتماعية للشعب اليمني.
الهوامش والإحالات:
[38] بتصرف: معن دماج, من صفحة الكاتب على الفيسبوك.
[39] د. محمد علي الشهاري, ص2.
[40] محمد علي الشهاري, ص3.
[41] الأدارسة: قبائل تعود أصولها إلى المغرب العربي امتد حكمهم في الفترة (1876- 1923م), انخرطوا في نزاع طويل مع نظام الإمام يحيى بن حميد الدين الذي حاول أن يخضعهم لحكمه, غير أنّ زعيم الأدارسة الحسن بن علي الادريسي أبرم اتفاق حماية مع الملك السعودي عبدالعزيز بن سعود عام 1926م لمواجهة خطر الإمام يحيى بن حميد الدين.
[42] يراجع: محمد الشهاري, ص169.
[43] راجع: الشهاري, ص173.
[44] بتصرف: قادري أحمد حيدر, ثورة 26 سبتمبر.. المؤتمر السياسية المعارضة الأولى من 1962 – 1967م, مركز الدراسات والبحوث اليمني, ط1/2001م, ص125 وما بعدها.
[45] راجع صحيفة الشارع اليمنية, العدد 237.
[46] تكمن المفارقة الصارخة هنا أن الشروط المشددة المفروضة على اليمنيين يقابلها تسهيلات وشروط أخف وطأة أمام الباكستانيين والفلبيين والهنود وغيرهم من مواطني دول شرق آسيا المقيمين في السعودية.
[47] راجع: ويكيبيديا.
[48] راجع: مأرب الورد, لغز توقف التنقيب بمحافظة الجوف اليمنية, تقرير, الجزيرة نت, الرابط:
https://www.google.co.uk/amp/www.aljazeera.net/amp/news/ebusiness/2014/3/14/لغز-توقف-التنقيب-بمحافظة-الجوف-اليمنية
[49] تهامة: سهل ممتد ذو مساحة شاسعة يشمل محافظة الحديدة وجزء من محافظة حجة غربي اليمن.
[50] راجع: د. طاهر محمد الهاتف, دور الفساد متعدد الجنسيات في إشعال التوتر والتصدع باليمن, نواة.. المعهد العربي للبحوث والسياسات, 2018م, ص11.
[51] بتصرف: د. طاهر الهاتف, ص11.