المواطن/ كتابات – محمد عبدالوكيل جازم
أعزي نفسي وأعزي جميع الاهل والاصدقاء برحيل ناشر سيف أحمد الشهير بعمو ناشر (مصور دار الرئاسة ) أو مصور سالمين كما كان يحلو للبعض أن يناديه هو أحد القامات العملاقة الذين وثقوا لوجه اليمن بالصورة كأبناء عمومته الذين سبقوه، وكان لهم باع طويل في التأسيس والتجذير للتصوير في اليمن ؛ كأحمد عمر العبسي، وعبدالرحمن عمر وعبدالودود عمر وغيرهم .
على أحد الجبال الشاهقة- “جبل حارات أعبوس” المطل على خليج عدن- ولد المصور الفوتوغرافي ناشر سيف ..اخذ علومه الأولية في كتّاب القرية وعلى مرمى البصر كانت مدينة عدن في انتظاره وهناك بدأ في اللعب على الكاميرا والفلاش باك فقد أحب التواري خلف الكاميرا باحثا عن قيمة إضافية تميزه مقارنة بالضعف البشري في محبة الخلود الذي هو يرفض لينأى بنفسه في اتجاه الطبيعة البشرية في اتجاه رصد فرح الإنسان المعانق للطبيعة .
انه من ذلك النوع الذي ما أن تتذكر الوطنية، والمواطنة حتى تتذكره؛ لأنه يعيش في الذاكرة كما أنه يعيش من أجلها، وثق بكاميرته منذ الستينيات؛ لاحداث وتقلبات مرت بها اليمن فقد كان يشغل وظيفة مصور أول في دار الرئاسة بعدن؛ بل مؤسس قسم التصوير قبل الوحدة في مدينة عدن ولنزاهته اختاره سالمين ليكون مصوره الخاص وفعل مثله عبدالفتاح اسماعيل وعلي ناصر والبيض ولعله الأكثر إلتصاقا بالرئيس سالمين الذي قضى نحبه في 1978م وما نراه من صور لسالمين ورفاقه وأصدقاءه اليوم هي من تصويره .
والأكثر من هذا كله والأجمل مواقفه الشجاعة النبيلة ووفاءه لمبادئه الوطنية اليسارية العميقة فقد غطى بالكاميرا للحظات كثيرة ونجاحات غزيرة مرت بها اليمن ووثق لإخفاقات كثيرة أيضا وكان ينقل كل ذلك بصدق وأمانه، صور وجوه كثيرة كان يعرفها ووجوه لم يلتقي بها الا من خلال الفلاش باك، مرة حدثني عن زيارة سرية لسالمين أخذ فيها المقربين وطاف بهم وهو معه في الحدود اليمنية السعودية والحدود مع عمان وتوغل في مساحات واسعة من الربع الخالي، وهي رحلة حملت الكثير من المغامرة لكنها أضافت الكثير لعين المصور تشردوا فيها بالصحراء وجاعوا وضاعوا لكنهم انتصروا في النهاية.
عمو ناشر سيف من ذلك النوع الذين اضافوا الى وجه الوطن ملامح ماكان لخيالنا أن يصل إليها ومعه ها نحن نرى وجه اليمن مرسوم امامنا صور اقتلعت من الوجدان اقتنصتها عين صاحية مدربة على اخذ الجديد في الدهشه ولعلي اليوم وأنا استعرض قائمة المصورين الذين أبهجوا الحياة الاجتماعية والسياسة والذين احتشدوا في صورة واحدة أجده في مقدمة الصفوف، يضاف الى ذلك نوعية الصور التي التقطها كونه مزودا بحنكة سياسية جعلته الأقدر على قراءة الوجوه والمواقف والأحداث.
وفي كل مرة كانت اليمن حاضرة بالصورة وهو خلف الكاميرا لا أحد يعرف عنه شيء لأنه نذر نفسه بكل تواضع للقضية ولا زلت الى اللحظة اتذكر لقائي به قبل عامين كان يقضي فترة نقاهة بعد خروجه من المستشفى اثر ذبحة قلبية ألمت به، ألتقية في بيت أحد أصدقائه بمدينة حدة لانه لايمتلك بيت وهو الذي أفنى عمره في رئاسة الدولة كان يرتدي كعادته بدلته السفاري وشال يلتف حول عنقه وضحكة آسرة تضيء المكان وبدلا ما يتحدث عن نفسه شكرني لأنني فكرت بالعمل على إعادة طباعة مجاميع محمد عبدالولي القصصية والروائية مع العديد من اصدقائي كان من ذلك الذي ينقل الحديث عن الآخر هروبا من الحديث عن نفسه ارجو الله ان يغمده بواسع رحمته