المواطن نت- متابعة
فيما يلي نص الاحاطة عن عملية السلام في اليمن والتي قدمها المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن أمس الأربعاء.
شكراً لك، السيدة الرئيسة. اسمحوا لي أولاً أن أغتنم هذه الفرصة للترحيب بزميلي الجديد في قيادة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، وكيل الأمين العام السيد توم فليتشر، وأتطلع قدماً للعمل معك. كما أود أن أعرب عن خالص امتناني لأعضاء المجلس الذين ستنتهي ولايتهم في نهاية العام. لقد كان دعمكم المستمر في هذا المجلس بالغ الأهمية لجهودي.
السيدة الرئيسة، ونحن نقترب من نهاية عام 2024، لا يسعنا إلا أن نتوقف عند عام اتسم باضطرابات عميقة ومآسي هائلة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. فلقد تحمل الكثيرون معاناة فادحة وخسائر جراء النزاعات العنيفة، بما في ذلك في اليمن. ومع التطورات الدراماتيكية الأخيرة في لبنان وسوريا، بات من الجلي أن الشرق الأوسط بحاجة ملحة إلى الاستقرار، واليمن ليس استثناءً من ذلك.
لا ينبغي لنا أن نغفل عن الخطوات الإيجابية التي اتخذها اليمن في السنوات الأخيرة. إن اتفاق الهدنة الذي توسطت فيه الأمم المتحدة عام 2022، والتبادل واسع النطاق للمحتجزين على خلفية النزاع خلال عامي 2020 و2023، بالإضافة إلى الالتزامات التي تعهدت بها جميع الأطراف في عام 2023 لدفع جهود السلام بموجب خارطة طريق ترعاها الأمم المتحدة، تمثل دلائل قوية على أن الانخراط الدبلوماسي من قبل الأمم المتحدة، والقوى الإقليمية، والجهات الفاعلة الدولية، تظل المسار الأكثر فعالية لتحقيق سلام مستدام. من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي هذه اللحظات لتحقيق خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود.
وإلا، وفي ظل انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، سيستمر اليمنيون في المعاناة. ولا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة. إنهاء الحرب هو خيارمتاح – وهو خيار لايزال في متناول الأطراف. أدعو جميع الأطراف على الانخراط بجدية مع الجهود التي أقودها لتنفيذ خارطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة. أؤمن بشدة أن هذا الهدف لا يزال قابلاً للتحقيق. ومع ذلك، فإن العمل، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن أمر ضروري إذا كانوا يسعون لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل سلمي.
السيدة الرئيسة، بالأمس، وفي يوم الدولي لحقوق الإنسان، استُحضرَت المبادئ السامية التي رسخها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ولكن بالنسبة لليمنيين، فإن هذا التذكير شديد الوضوح، في ظل استمرار تقلّص الفضاء المدني في اليمن. هذا الشهر يصادف مرور ستة أشهر على بدء جماعة أنصار الله حملة إعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وكيانات من القطاع الخاص.وبرغم الإفراج عن ثلاثة من المحتجزبن، فإن عشرات الآخرين، بمن فيهم أحد أعضاء فريقي – لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي. ولايزال البعض منهم محرومين من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم. تشكل هذه الاعتقالات التعسفية انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم. أواصل دعوتي للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، وأعبر عن تقديري العميق لدعم هذا المجلس الواضح والثابت لهذه الرسالة.
بالتزامن مع جهودنا الأخرى، يظل مكتبي ملتزماً بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع. وقد مضى على احتجاز البعض عشر سنوات، ورغم الجهود المستمرة والاجتماعات العديدة التي عقدها مكتبي مع لجان الأسرى التابعة للأطراف. أدعو الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق ستوكهولم، ومواصلة العمل مع مكتبي بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية. ينبغي أن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه: “الكل مقابل الكل”.
السيدة الرئيسة، تتفاقم الأزمة الاقتصادية في اليمن. ولطالما نبهت هذا المجلس في كل شهر إلى العواقب الوخيمة التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدام الاقتصاد كأداة في النزاع. إن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدى إلى زيادة الفقر بشكل واسع بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل العديد من الأسرعاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.
خلال زيارات مكتبي إلى عدن وصنعاء، أوضحنا مفترق الطرق الحرج الذي تواجهه الأطراف: إما الاستمرار في هذا المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم واستخدام الاقتصاد كسلاح في النزاع والذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحل القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة. من خلال التواصل مع أصحاب المصلحة، بما في ذلك القطاع المصرفي، نعمل على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن اقتصاد اليمن، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز بما يخدم مصلحة الشعب. يركز هذا الجهد على ترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو/ تموز الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.
السيدة الرئيسة، لا يزال انعدام الأمن في البحر الأحمر يتفاقم نتيجة لأعمال أنصار الله، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات. هذه الأحداث ، التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي أقودها. أحث جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة لحل النزاع في اليمن. إن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.
لا تزال الأوضاع الهشة في اليمن مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، وتعز، مما تؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح. مؤخراً، تصاعدت الأعمال العدائية في شرق تعز، مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية. وفي الأسبوع الماضي فقط، ضربت طائرة بدون طيار سوقاً مزدحماً في مقبنة بمحافظة تعز، مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص على الأقل وإصابة آخرين بجروح خطيرة. أدعو جميع أطراف النزاع إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم بموجب القانون الإنساني الدولي لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. هذه الحوادث تؤكد على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. لدعم جهود التهدئة، يواصل مكتبي التواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة. وخلال الزيارات الأخيرة إلى عدن ومأرب، أجرى زملائي مناقشات مع كبار القادة العسكريين في الحكومة اليمنية لتبادل وجهات النظر ومعالجة التحديات الأمنية على المستوى المحلي.
السيدة الرئيسة، يواصل مكتبي جهوده الحثيثة للتشاور مع مختلف شرائح المجتمع اليمني والاستماع إلى آرائهم. لقد واصلنا سلسلة الحوارات السياسية مع الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية لتحديد الأولويات واستكشاف معايير التسوية السياسية. ومن أهم النتائج الرئيسية لهذه الجلسات هي الإجماع على الحاجة إلى عملية يقودها اليمنيون، تضع احتياجات الشعب في صميمها، وتعزز المصالحة، وتمهد الطريق للتعافي المستدام. هناك أيضاً إدراك واسع بأن أي تسوية مستقبلية يجب أن تكون شاملة، تضمن تمثيل جميع فئات المجتمع. وفي هذا السياق، تظل الشمولية وأجندة المرأة والسلام والأمن محوراً رئيسياً في صميم جهودنا. وفي إطار هذه المساعي، شاركنا مؤخراً في رعاية القمة النسوية السابعة في عدن بالتعاون مع عدد من المنظمات الدولية، لإرسال رسالة موحدة وواضحة للدعم والتضامن والدعوة لنضال النساء اليمنيات من أجل المساواة، وإنهاء التمييز والعنف، وبناء سلام شامل في اليمن.
مثل هذه المساحات للحوار بين اليمنيين من جميع التوجهات السياسية تُعدّ ضرورية للغاية. ومع ذلك، يثير القلق أن هذه المساحات باتت مهددة بشكل متزايد بفعل المصالح الحزبية التي تسعى إلى تضييق الفضاء المدني المتنوع أو تهديد المشاركين في الاجتماعات. إن تقييد عمل المجتمع المدني واستمرار مناخ الترهيب يشكلان يشكل اعتداءً على حقوق اليمنيين. هذه الممارسات تُقوّض الأسس الضرورية لأي عملية سلام يمنية، وتشجع المفسدين، وتسمح للجماعات المسلحة بمواصلة انتهاكات حقوق الإنسان دون أي مساءلة. يجب وضع حد لهذه القيود والتهديدات بشكل عاجل وفوري.
الآن، وأكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى تكاتف الجهود لدعم الجهات الفاعلة في المجتمع المدني اليمني والمدافعين عن حقوق الإنسان، لضمان حمايتهم وتمكينهم من أداء أعمالهم بأمان وكرامة، مما يساهم في تحقيق المصالحة القائمة على احترام الحقوق. وفي هذا السياق، أتطلع إلى إحاطة السيد هشام العُميّسي.
على الصعيد الدولي، أجريت مؤخراً مناقشات بناءة مع أصحاب المصلحة اليمنيين والدوليين في مواقع متعددة. في كل هذه اللقاءات، حملت رسالة واحدة مفادها أن الوصول إلى حل سلمي للنزاع في اليمن ممكن، واستمرار الوحدة والدعم الدوليين نحو هذا الهدف أمر ضروري.
لمواجهة التحديات وترجمة الفرص إلى تقدم ملموس، فإن الدعم الموحد لهذا المجلس يمثل ضرورة حتمية. فقط من خلال التزام مشترك والعمل الحاسم، يمكننا خلق بيئة ملائمة لوساطة فعالة وتحقيق سلام مستدام وشامل وعادل الذي طالما تطلع إليه الشعب اليمني ويستحقه بحق. ومهما كان الأمر، يمكن لليمنيين أن يعوّلوا على الجهود والدعم المتواصلين من الأمم المتحدة لتحقيق هذه التطلعات. شكراً جزيلاً.