المشاهد نت – مكين العوجري
استطاع عبدالله العريفي، مدير مركز المظفر للحرف اليدوية، بتعز أن يحقق إنجازات تعدت الحدود، بعد أن قضى أعوامًا من عمره، وهو يطور من خبراته في فن النقش، مستفيدًا من تجربة أسرته في صناعة الفضة و النحت على المعادن.
إلى جانب عمله في مركز المظفر للحرف اليدوية، تم تعيين العريفي ضابط اتصال الملف العربي لإعدا ملف عربي مشترك بشأن المهارات والفنون المرتبطة بالنقش على الفضة.
تقول اليونسكو أن النقش على المعادن يتضمن “قَطع هذه المعادن يدوياً من أجل رسم أحرف أو رموز أو أشكال هندسية على سطح قطع تزيينية أو دينية أو قطع تُستخدم في الطقوس أو في الحياة اليومية.”
تقدم أعمال النقش كهدايا تقليدية أو تُستخدم في الطقوس الدينية والطب التقليدي والبديل، حسب اليونسكو. وتضيف أن مهارات هذه الحرفة تُنقل ضمن العائلة ومن خلال التدريب في مراكز، ويعتبر النقش على المعادن والقطع المنقوشة وسيلة للتعبير عن الهوية الثقافية والدينية والجغرافية للمجتمعات المحلية المعنية.
يقول العريفي إن النقش على الفضة يعد جزء من الهوية والوطنية، وأحد شواهد التراث الثقافي للمجتمع اليمني. بعد أن تراكمت خبراته ومعارفه في صناعة الفضة و المنحوتات المعدنية في معمل جده الخاص بتصنيع الفضة والنقش في تعز، قام العريفي بتأسيس مركز المظفر لللحرف اليدوية عام 1992.
كان الهدف الأول للعريفي هو نقل المعارف إلى الأشخاص الذين ليسوا من أسر عاملة في النقش. في حديثه لـ “المشاهد”، يقول العريفي: “أولوية مركز المظفر هي نقل الخبرة والمعارف المتعلقة بهذه الحرفة إلى العديد من الأسر، حتى لا تستمر هذه الحرفة محصورة في أسر معينة. وهذا ما تم فعلاً، وأصبح المركز من أفضل المراكز المنتجة للنقش على الفضة في اليمن”.
منذ تأسيس مركز المظفر عمل العريفي على إعداد ملف متكامل يتضمن مشغولات أنتجها المركز، والنقوش والحرف التي تعبر عن عدة مدارس، من ضمنها المدارس اليهودية والمدارس العربية.
يشير العريفي إلى أن لجنة الخبراء المعدة من قبل اليونسكو اختارت مشغولات مركز المظفر كممثل للمشغولات اليمنية لإدراجها في الملف العربي المشترك، وكان ذلك الإنجاز نتيجة لسنوات من إدارة وتطوير المنقوشات الحرفية.
كساد الفضة
تعد الفضة من المعادن التي يستخدمها الذكور في اليمن للزينة منذ القدم، واستخدمت لعدة أغراض، وتباع في أسواق متعددة مثل صنعاء القديمة، وتعز القديمة، والمدينة القديمة في الحديدة، وبقية المحافظات الأخرى، إلا أنها تراجعت بشكل لافت خلال العقدين الأخيرين لعدة أسباب.
يوضح العريفي أن تدهور أسواق الفضة بدأ منذ عام 2006، حيث إن عدم وجود الاستقرار السياسي في اليمن، بخاصة منذ عام 2011، أدى إلى تراجع الإقبال على الفضة، لأن المنتج يرتبط بالزوار أو السياح القادمين من خارج البلد، بالإضافة إلى غياب الكهرباء والتي يعتمد عليها الحرفيون في تصنيع الفضة.
وفقا للعريفي، تفاقمت أزمة أسواق الفضة أكثر في عام 2016 بسبب الانقسامات الجغرافية والسياسات النقدية المتصارعة التي حصلت في البلاد، حيث وجد المنتجون صعوبة في التنقل والتعامل مع الانقسام في العملة الوطنية.
ويعتمد حرفيو النقش على الفضة في اليمن على كميات كبيرة من الفضة والتي تتم إعادة تدويرها من خلال الصهر إلى مشغولات أخرى، بالإضافة إلى استخدام بعض المواد الخام من الخارج.
ويقول إن عملية الصهر والتدوير للفضة تقضي على المشغولات النادرة، والتي بدأت بالانقراض، وكان يلجأ الحرفيون قديماً إلى استخراج الفضة الخام من مناجم الفضة في مناطق نهم شرق صنعاء. ويؤكد العريفي على أهمية وجود وتفعيل تشريعات وقوانين تحمي هذه المهنة وممارسيها حتى لا تتعرض للانقراض.
توثيق نقش اليمن
تحمّل العريفي هم توثيق نقوش الفضة في اليمن، إذ يقول: “أشعر بمسؤوليتي كوني من الممارسين والمنتجين لهذه الحرف وأحمل هم توقفها، وهي تعتبر أمانة تاريخية يجب أن ننقلها إلى الأجيال، وكان الحل الوحيد أن نعتمد على اتفاقية صون التراث اللامادي”.
وأُقرت اتفاقية صون التراث الثقافي اللامادي في مقر اليونيسكو في باريس عام 2003 وانضمت اليمن إليها في 2006. صنفت الاتفاقية الحرف والمعارف والفنون التقليدية ضمن التراث اللا مادي للتراث الإنساني، وتضمنت إجراءات ومعايير دولية تضمن الحماية والاستمرارية ونقلها للأجيال، ويتطلب من الدول الموقعة عليها تعديل قوانينها وأن تعمل اللازم وفق المعايير الملزمة.
أكمل العريفي بالتعاون مع عشرة حرفيين آخرين إعداد الملف الخاص بتوثيق حرفة النقش على الفضة، واستغرق إنجاز ذلك عامين. يقول العريفي لـ “المشاهد”: “مضينا في عدة خطوات إلى أن وصلنا إلى المشاركة في مؤتمر بغداد، والذي يضم عشرة خبراء من اليونسكو بقيادة العراق، لإعداد ملف عربي مشترك يشمل كل الدول العربية في حرفة النقش على الفضة، وتم اعتماد الملف من قبل اليونيسكو”.
يحتوي الملف على معارف حرفة النقش على الفضة، وإجراءات الحماية والصون التي تقوم بها الحكومة اليمنية تجاه هذا الأمر، كما نجح العريفي وزملاءه بتسجيل الحرفة على القائمة الوطنية للدولة.
الحماية من الاندثار
محبوب علي، رئيس فرع الهيئة العامة للآثار بتعز، يقول لـ “المشاهد” إن النقش على الفضة حرفة مندثرة بسبب الأوضاع التي تمر بها اليمن، وعملت الهيئة على افتتاح دورات تدريب وتأهيل وإعداد ملف عن النقش على المعادن.
يشير علي إلى أنه تم إشراك أصحاب الخبرة والكفاءة في إدارة عنصر الفضة، وتم إعداد قوائم للممارسين لحرفة النقش على الفضة في اليمن، وكذلك التسويق لمشاريع تخدم استمرارية وحماية هذه الحرف، وتحسين أوضاع العاملين في هذا المجال.
يؤكد علي أن المنتجات الفضية تعد من أهم علامات التراث الثقافي اللامادي، وتعبر عن الثقافة القديمة والهوية التاريخية لليمن، وكانت تُستخدم قديماً في التماثيل واللغة الأثرية عبر التاريخ اليمني، وهي واحدة من شواهد الثقافة اليمنية والتراث الثقافي اللامادي في اليمن.
لا تزال بعض الأسر اليمنية تحافظ على نشاطها في النقش على المعادن، بخاصة الفضة في ظل تراجع كبير في أسواق النقوش الحرفية في اليمن مع تدهور القطاع السياحي، والعملة الوطنية.