فهمي محمد
كانت الوحدة اليمنية في عام 1990م ، قد خلقت الفرصة التاريخية الأولى أمام اليمنيين فيما يتعلق بإمكانية بناء دولتهم الوطنية الديمقراطية المدنية الحديثة سيما وأن نجاح الوحدة بين شمال اليمن وجنوبه قد جعلت المكون الإنساني في اليمن يخضع لأول مرة لسلطة سياسية واحدة ={ دولة الوحدة اليمنية } بعد أن كان تحقيق ذلك هو حلم الأجيال التي تعاقبت منذ قرون على تراب الجغرافية اليمنية، خصوصاً وأن تلك الأجيال المتعاقبة منذ قرون كانت تخضع دائما لأشخاص السلطة السياسية وليس لسلطة الدولة كفكرة سياسية ، ناهيك عن عمق التخلف السياسي والإجتماعي الذي كان يستدعي بالضرورة طرح سؤال الدولة الوطنية الديمقراطية حتى بعد ثورة سبتمبر واكتوبر اللتان قامتا على أساس فكرة التغيير الثورية تجاه الواقع السياسي والاجتماعي المتخلف في اليمن .
بعد عقود من تجربة السلطة السياسية التشطيرية في اليمن كانت الوحدة اليمنية قد وقفت بشكل جاد ومسؤول أمام سؤال الدولة الوطنية الديمقراطية، بحيث أصبحت الفترة الإنتقالية معنية سياسياً وقانونياً «بموجب المرجعيات» في خلق شروط هذا الكيان السياسي الوطني في واقع الأجيال التي سوف تعيش في ظل مستقبل الوحدة اليمنية ، بمعني آخر كانت المرجعيات السياسية الوحدوية قد جعلت من قيام دولة الوحدة اليمنية قطيعة سياسية واجتماعية مع مفهوم السلطة السياسية التاريخية الحاكمة في اليمن، إلا أن أعداء فكرة التغيير السياسي والاجتماعي أشعلوا حرب 1994 وانقلبوا على الفرصة التاريخية وعلى المشروع الوطني، وبدلاً من تحميل الإنقلاب السياسي والعسكري مسؤولية القضاء على دولة الوحدة اليمنية ={ الدولة الوطنية الديمقراطية } ذهب نظام صالح إلى تحميل إعلان الإنفصال مسؤولية ذلك مع أن إعلان الإنفصال – كفعل غاضب من شخص – كان نتيجة طبيعية من نتائج الإنقلاب على فكرة التغيير وعلى المرجعيات السياسية التي قامت عليها الوحدة اليمنية وحتى على مفهوم الشراكة الوطنية بين شمال اليمن وجنوبه وبين الشركاء السياسيين الموقعين على دولة الوحدة.
هكذا يجيد معظم السياسيين في اليمن لعبة الإنقلابات السياسية المتكررة على الفرص التاريخية السانحة أمام اليمنيين، ثم يحملون فكرة التغيير السياسي والاجتماعي وأصحابها مسؤولية المألآت الكارثية التي ترتبت على انقلابهم الذي أعاق مستقبل الأجيال في اليمن، كما يحدث اليوم مع ثورة 11 فبراير 2011م ، التي تحاكم لا على أساس فكرتها الثورية ولا على أساس واقع النظام الذي ثارت عليه، بل على أساس ما يعيشه اليمنيون اليوم من مألات كارثية هي في الواقع مألات ناتجة عن فعل الإنقلاب على ثورة 11 فبراير وعلى مشروعها السياسي ={ مخرجات الحوار الوطني الشامل} وليس بسببها كحدث ثوري جماهيري مستحق الحدوث ، سيما وقد اندلعت فبراير في وجه نظام سياسي يحتاج ألف ثورة، كانت تشرعنها فكرة التغيير السياسي والاجتماعي وحتى الإقتصادي تجاه نظام لم يمثل ذروة الفعل السياسي الجهوي الذي افراغ المحتوى السياسي للوحدة اليمنية «الوطنية» فحسب بل افراغ بشكل فاضح محتوى النظام الجمهوري كأحد المكتسبات السياسية لثورة سبتمبر .
يتبع….