قيس العامري
بعد مضي 11 عاما على اندلاع ثورة 11 فبراير، ما يزال الجدل حولها قائما بل إنه اتسع بشكل أكبر من ذي قبل نظرا للوضع الذي تعيشه البلد.. ومن هنا يأتي سؤالان هامان.. هل كانت الثورة خاطئة وهل فعلا ما نعيشه اليوم كان بسببها؟.
قبل الاجابة على السؤالين يجب ان نبتعد عن التعصب سواء أكنت ممن شاركوا بالثورة أو وقفوا ضدها، ونقرأ الامور على حقيقتها.
هل كانت الثورة فعلا خاطئا؟
هذا السؤال إجابته تكمن في سؤال آخر وهو: ما دوافع هذه الثورة؟
الجميع يعلم أن اليمن قبل الثورة كان يعيش أزمات مركبة، فعلى الصعيد الاقتصادي كانت معدلات الفقر والبطالة والجوع كبيرة جدا ومستمرة في التوسع، فيما كانت مجالات التعليم والصحة وأخرى تعيش وضعا متدهورا دون وجود أي مؤشرات لتحسن الوضع.. سياسيا كان الحزب الحاكم يحكم قبضته كليا على سلطات الدولة ولم يسمح للمعارضة بلعب دورها او الوصول إلى السلطة بل وصل الامر إلى بدء تنفيذ مخطط ذي وجهين إما “تصفير العداد” كما قالها سلطان البركاني وبالتالي بقاء صالح في الحكم وإما تسليم السلطة لنجل الاخير “أحمد”، وهذا الامر كان يدفع بالبلد نحو مزيد من الأزمات.
ومع اندلاع ثورتي تونس ومصر، بدأ الغليان الشعبي في اليمن وسرعان ما تقاطر الشباب إلى الشوارع ونصبو الخيام وطالبوا بإسقاط النظام.
كان الكثير من الشباب الذين خرجوا مطالبين بإسقاط النظام عاطلين عن العمل رغم مضي سنوات طويلة على تخرجهم، وجانب آخر كانوا قد يأسوا من إنهاء الفساد المستشري في الدولة، وقسم ثالث – وهم حلم الاولين – أراد أن يكون بلده متطورا كما بقية البلدان، والجميع كان واثقا أن كل تلك الاحلام لن تتحقق الا برحيل النظام ولذلك هتفوا بإسقاطه.
هذه الدوافع هي في الواقع لاتختلف إطلاقا عن دوافع كل ثورات العالم وبالتالي فإن الثورة لم تكن حدثا خاطئا البتة.. فالشعوب تثور لأجل حقوقها وكرامتها وهذا ما فعله شباب فبراير.
هل ما يحدث حاليا بسبب الثورة؟
هذا السؤال أيضا لا يمكن الاجابة عليه بنعم أو لا.. فمن الظلم الاجابة عليه بنعم، كما أنه ليس صحيحا الاجابة بلا.
ولنجب على هذا السؤال باستعرض اهم الاحداث ابتداء من عام الثورة 2011 وحتى عام الحرب 2015 بسبب الانقلاب الحوثي.
أولا.. ثمة أخطاء ارتكبت خلال الثورة وهي جزء أساسي لما وصلنا اليه اليوم، وثمة محامد وإيجابيات تؤكد أن الثورة كانت حدثا تاريخيا هاما في حياة اليمنيين ونافذة حقيقة لتحقيق أحلامهم.. فما هي تلك الاخطاء.
تلك الاخطاء تتمثل أهمها بسيطرة الاحزاب على حركة الثورة وتسييرها وفقا لأهدافها السياسية، وهذا ظهر جليا بمجرد أن جاء العرض الخليجي “المبادرة الخليجية” حيث هرعت الاحزاب الى القبول به رغم أنه كان مخالفا تماما لاهداف الثورة.. ومن هنا بدأت القصة.
لكن صحيح أن الاحزاب قيدت العمل الثوري في أوج توهجه الا ان الواقع يؤكد أن الثورة لاتزال مستمرة.. فالثورة ليست حدثا تقيده الحدود الزمانية والمكانية بل خارطة الاهداف والاحلام.. فمتى ما تحققت تكون الثورة قد آتت أكلها.
في 2012.. تسلم هادي السلطة ولكنه لم يتسلمها فعليا وهذا باعترافه وشهادة كثيرين وظل الجيش بالتحديد خارج حدود سيطرته.
أفضت الثورة الى مؤتمر حوار وطني، استمر 9 اشهر، وخلاله انجز اليمنيون وثيقة تحولت الى مشروع دستور، يوجد فيه كل ما كان يحلم به الشعب منذ عقود بل قرون.. حيث السلطة والثروة للجميع لا لأسرة أو جماعة أو حزب.
والى جانب مؤتمر الحوار كانت الحكومة تجري اصلاحات واسعة في مختلف المجالات وكان الوضع أفصل نسبيا مقارنة بما قبل الثورة.
ما الذي حدث؟
كانت نيران الانتقام ما تزال تشتعل في نفس صالح، فذهب للتحالف مع الحوثيين الذين كانوا أصلا قد انظموا للثورة المطالبة بإسقاطه، وذهب التحالف الجديد لتنفيذ الانقلاب.
لم يكن وراء الانقلاب الحوثي وصالح فقط، بل والإمارات والسعودية، والاخيرة دفعت ملياري دولار لإسقاط صنعاء وبعدها اندلعت الحرب الكبيرة..
إذن كانت مؤامرة لوأد الثورة ولكنها فشلت.. فالثورة ما زالت مستمرة حتى اليوم، حيث تقاوم مشاريع التقسيم وتقاتل الانقلاب.
ومن هنا يتأكد لنا أن الثورة لم تكن سببا فيما نحن فيه، بل حقد صالح وطمع الحوثي وتدبير السعودي والإماراتي والاخيرين لاهداف تخصهما.
وفي الاخير.. الثورات لاتتحقق اهدافها خلال يوم او سنة او حتى سنوات، بل قد يمتد الامر الى عقود ولكم في ثورات العالم عبرة يا أولي الألباب.