حسين الفضلي
يعتبر الأطفال في اليمن هم الحلقة الأضعف في دائرة الفئات العمرية،حيث يذوقون فيها مرارة العيش ويتعرضون لشتى أنواع التعنيف والضرب كنتيجة حتميةللأوضاع المتردية في البلاد والذي تعيشه منذ بداية الصراع .
فالعنف أصبح ظاهرة ،يعيشها أطفال اليمن بشكل يومي ولاسيما العنف الأسري والذي زاد توسعه بشكل كبير بين الأسر منذ بداية الصراع القائم في البلاد الأمر الذي جعل الأطفال عرضة للتأثيرات الناتجة عن العنف والذي يخلف لهم العديد من المشاكل وخصوصا النفسية والإجتماعية في المستقبل.
نماذج لضحايا العنف.
تسرد فاطمة (١٢عام) أحداث مؤلمة تتعرض لها من أسرتها وتقول : ” كل يوم أتعرض للتوبيخ والضرب على أدنى الأسباب وأحيانا دون أسباب ،حيث يقوم والدي أو والدتي بضربي فمرة كسر والدي عصا المكنسة فوق رأسي ، ووالدتي ضربتني بمعلقة الطبخ “. وتضيف فاطمة أن في جسدها أثار شاهدة على التعنيف الذي تتعرض له من أسرتها.
وتوضح فاطمة أن لا تزال أثار لحروق في جسدها رغم مضي الوقت عليه ، حيث قامت أمها بلسعها بالنار أو الأواني الحارة عدة مرات أثناء تعليمها الطبخ الأمر الذي تسبب لها بتشوهات جلدية وإن كانت بسيطة والتي يرى جزأ منها على كف يدها بوضوح.
من جهتها تقول (م .ع) اسم مستعار لفتاة في السادسة عشر من عمرها أن أخيها الكبير مثل لها حاجز الصد عن ممارسة حياتها بشكل طبيعي حيث كان يمنعها من كل شيء وإن خالفت تعرضت منه للضرب المبرح .
وتضيف (م.ع) : أخي منعني من مواصلة تعليمي ، بالرغم من أن درجاتي مرتفعة وكنت ضمن قائمة الأوائل لكنه منعني من الدراسة بالصف الخامس ،وعندما ذهبت إلى المدرسة ضربني بعنف وتسبب في كسر يدي “. تسبب هذا التعنيف في إجبار (م.ع) عن مواصلة تعليمها الإبتدائي وألحق بها كسر في ذراعها الأمر الذي تعيشه معظم الفتيات في اليمن وخصوصا اللاتي في السن المبكر.
وتستطرد (م.ع) أن أخوها هددها بالقتل إن ذهبت إلى المدرسة أو تجاوزت أوامره وذهبت مجدداً، وتقول أنها ليست الوحيدة التي تتعرض فهناك أيضا أخواتها وزميلاتها كانت هي النموذج الأوضح لشرح معاناتهن.
«الذكور أيضا ضحايا للعنف الأسري»
ليست الإنات فقط هم من يتعرضون للعنف الأسري بل الذكور أيضًا، فهناك العديد من الذكور الأطفال يتعرضون للعنف الأسري وصادفنا نماذج عدة ، لكن نظرًا للتربية الخاطئة بمجتمعنا فقد يمانع الذكور بإظهار أنهم ضحايا، كما أنهم يقلقون من عدم تصديق الناس لهم.
(رفيق) طفل في الخامسة عشر من عمره يستذكر الوقائع المظلمة التي عاشها مع والده ويقول : ” أبي كان بلا رحمة يضربني يومياً ، ويطردني من البيت ، كما أنه منعني من مواصلة التعليم كان أكبر همه الفلوس “. كما شرح لنا ” رفيق ” بلهجته القروية أن والده كان قاسيا لدرجة كبير وتعرض للضرب والتعذيب والتهديد من والده مراراً وتكراراً .
ويضيف أن والده منعه من التعليم وأجبره على العمل في سن التاسعة حيث أمره ببيع الماء في السوق وحرمه من مواصلة تعليمه ،بالإضافة أنه في نهاية كل يوم يصادر ما جمعه رفيق من مال تحت الضرب والصياح.
من جانبه يقول(س.ع.م) اسم مستعار لطفل في الرابعة عشر من عمره يقول: ” بعد وفاة أمي تزوج أبي لكن زوجته كانت تضربنا وتهددنا كل يوم حتى أنها أحرقتنا بسكين وضعتها بالنار ، وكانت تعاملنا كغلام أجير عندها دون أن يقول لها أبي شيء على ذلك “.
ويضيف (س.ع.م) أنه أظطر للهروب من المنزل والسفر إلى محافظة أخرى وعانى الويلات في ذلك حتى حصل على عمل في أحد الورش لصيانة السيارات في محافظة تعز، بالرغم من عمله الشاق إلا أنه يصبر عليه عندما يتذكر الماضي الأليم الذي قاساه في المنزل .
ردود الأباء
يدافع بعض الأباء عن أنفسهم تجاه ممارستهم للعنف ضد أبناءهم الأطفال ويعتبرونها أحد وسائل القويم والتربية للأطفال .
يقول (س.ف)وهو أب لخمسة أبناء : ” أنه يلجاء لممارسة العنف تجاه أطفاله عندما يخطئون أو يرتكبون حماقة ، والضرب والصياح عليهم يجعلهم يخافون من تكرارها أو الوقوع في الخطأ مرة أخرى”.بينما أنكر أباء أخرين التعنيف لأبناءهم وأدعوّا المثالية في التعامل مع أبناءهم.
في المقابل أثبتت دراسات نفسية وأخرى مهتمة في التربية أن ممارسة العنف والضرب والصياح كأحد طرق التربية تعد خاطئة وتخلف أثار سلبية نفسية على سلوك الطفل الذي عانى من هذه التعنيف.
الأثار النفسية والإجتماعية للأطفال المعنفين والحلول.
يعد العنف الأسري ظاهرة منتشرة بشكل كبير في اليمن، وله تأثير كبير على الأطفال في المستقبل، حيث أنه قد يصيب الأطفال بالتوحد ومن المرجح أن يقوموا بتكرار أعمال العنف، وبالتالي يخلق شخصيات عدوانية تؤثر سلبًا على المجتمع، أو يجعلهم شخصيات سلبية غير قادرة على اتخاذ القرار.
بدوره يقول الدكتور جبريل البريهي دكتور علم النفس وأخصائي بالأطفال: ” أن العنف الأسري للأطفال له تأثيرات سلبية عدة أبرزها العدوانية ،وضعف في التمييز واتخاذ القرار والخجل بالإضافة إلى إضطرابات نفسية تؤثر على سلوك الطفل المعنف وتجعله يمارس سلوكيات اجتماعية سلبية مثل الميل للعزلة والتوحد التفكير بالإنتحار وتعاطي المخدرات.
ويضيف البريهي أن للعنف الأسري القائم ضد الأطفال يجعل الأطفال غير قادرين على تكوين علاقات وقد تمتد هذه الأثار إلى المدى الطويل حيث يظل الأطفال يتذكرون تلك الأحداث التي لها علاقة بالعنف واجعلهم ينفرون من المجتمع ويواجهونه بعنف أخر،كما قد يؤثر على قدرات الأطفال الطبيعية في النمو الأمر الذي يؤثر عليهم في الذكاء والمزاجية والغضب والحزن.
كمايرى البريهي أن هناك أمور عدة يجب أن تلتزم بها الأسر تجاه الأطفال للحد من هذه الظاهرة والتي تتمثل في حسن معاملة الأطفال ،وتجنب التعنيف لهم ، كما يجب إتاحة الفرصة الكاملة للطفل في التصرف والتعبير عن أرائه كما يجب إبعادهم عن مشاهد العنف سواء في الواقع أو المحتوى المرئي الذي يشاهده الأطفال في التلفزيون وغيره.
من جهته أستاذ علم الإجتماع في جامعة تعز الدكتور عبدالسلام يقول أن العنف ضد الأطفال بحاجة إلى معالجة جذرية من الأسر ذاتها ، كما يجب تقنين ممارسة العنف ضد الأطفال في اليمن واتخاذ إجراءات قانونية صارمة تجاه تلك الأسر ،والعمل على تأهيل الأطفال المعنفين وإرشادهم وإعادة دمجهم بالمجتمع.
( تم نشر هذه المادة بدعم من JDH/JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا).