مرفت الربيعي
للمرأة دور مهم في نهضة المجتمعات، وقد أثبتت بهذا الدور قدرتها على التغيير الإيجابي في مجتمعها، فحضورها اللافت في مختلف جوانب الحياة، وإصرارها على الوقوف بجانب الرجل ومساندتها له دليل على كونها عنصراً أساسياً في إحداث عملية التغيير في المجتمع.
وبالنظر للمرأة في لحج، نجدها تعيش في منظومة اجتماعية فرضت عليها سمات شخصية وأدوارا محددة، في حين يتطلب الواقع منها أدواراً أكثر عملية وقيادية استجابة لمتغيرات الحياة والسياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وأسوة بغيرها من نساء المجتمعات الأخرى.
ومع امتداد الزمن، أثبتت قدرتها وبرزت بشكل ملحوظ في شتى المجالات، واستطاعت الإفلات من هيمنة المجتمع الذي رسم لها خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها، وسلبها حقوقها وأقصاها كثيرا، وأراد منها العيش تحت وطأة القيود التي فرضها عليها، ولا يمكن لها تخطيها بحجّة التقاليد التي نشأ عليها ذلك المجتمع، واتخذ مِن مقولة “ما خرج عن المألوف فهو شاذ” حصنا منيعا أجبر المرأة على عدم تسلّقه وتخطيه، وجعلها تواجه عدداً كبيراً من التحديات والصعوبات الناجمة عن الصراع، والتي أثرت في كل جانب من جوانب حياتها، بما في ذلك ضعف المشاركة في السياسة.
المرأة رافعة أساسية لكل تنمية إنسانية شاملة، وتمكينها والنهوض بها يُعدّ حقاً مشروعاً وأحد أهمّ السُّبل الحتميّة الكفيلة بمنحها قدرة أكبر على العيش الكريم والدفاع عن نفسها ضدّ أي تمييز، واستثمارها اقتصادياً يعود بفوائد هائلة وازدهار، فالبلدان التي تهمّش فيها النساء اقتصادياً وتستبعد عن القوى العاملة أكثر عرضة للفقر والتخلف.
وهناك مَن يرى عكس ذلك، بل يسلك مجرى مغايرا، ويقف في صفوف أولئك الذين يتعمّدون إقصاء ومضايقة المرأة إذا عُيّنت في مناصب إدارية، لتجد نفسها أمام خيار لا ثاني له، وهو التنحّي وتسليم زمام الأمور للرجل امتثالاً لما هو سائد ومتفق عليه في مجتمعها الذكوري، هو أن الجلوس في تلك المناصب حكر على الرجل.
وعلى الرغم من كل ما سبق، أحدثت المرأة اللحجية نقلة نوعية في المجال الاجتماعي والتنموي والحقوقي والثقافي، وتخطّت عتبة اليأس الذي أحاطها المجتمع به وكبلها به، مع عدم تقبله لها، فتوّلت مناصب إدارية في السلطة المحلية، وشقت طريقها نحو التنمية وأنشأت الجمعيات النسوية والتنموية، وأثبتت أنها قادرة على القيادة مثل أخيها الرجل، ورفدت السوق المحلي بمنتجاتها وأشغالها اليدوية، التي تكسب منها ما يعينها وأسرتها لتوفير متطلبات الحياة اليومية في ظل العوز والانهيار الاقتصادي الذي يخنق البلد، ووقفت في القضاء لتضرب بالسوط جلادها، وأغدقت مسامع مجتمعها بقصائدها لتخترق آذانهم وتمتزج بعطر الفل والكاذي؛ فهي ابنة الحسيني المعطرة بقصائد القمندان، وهي الحقوقية التي تعين قريناتها، وتقف في صفّهن لنيل مطالبهن المشروعة، وتؤازر مجتمعا مظلوماً لتنتصر له، وتردع ظالماً.
بإرادة قوية، برزت الأستاذة حياة الرحيبي مدير مكتب حقوق الإنسان من بين تلك النساء اللاتي يمثلن نسبة ضئيلة ممن تولين مناصب إدارية في السلطة المحلية بما يمثل أقل من 3%، وهو عدد لا بأس به مقارنة بما يطالهن من تقاليد جائرة في المجتمع الريفي، وجعلهن يتنازلن عن تحقيق ما يطمحنَ إليه، منتظرات ثقباً تتنفس منه طموحاتهن، وبارقة أمل لأحلامهن، لعل وعسى أن تظفر بعصا سحرية تتكئ عليها أحلامها المبتورة.
تتمسّك الرحيبي بحقها الإداري في السلطة المحلية على أمل أن تصل المرأة به إلى مناصب سياسية وصولاً إلى صنع القرار، فالمجتمع بحاجة إلى نموذج آخر للقيادة. وجاء قرار تعيين الأستاذة إيمان بحرق مستشارة للمحافظ جرعةَ أمل أيقظت طموح المرأة اللحجية وإن كان لم ينعشها، ومع ذلك هي كل شيء إرادته ولا يريده مجتمعها.
إن الإرادة السياسية وتوحيد الهدف هما الأساس من أجل دعم جهود تمكين المرأة، فهي عنصر أساسي في التعافي، لكن مشاركتها المنقوصة تقوّض تنفيذ أجندة المرأة للسلم، والاستثمار، ويولد مكاسب قصيرة وطويلة الأجل، ويعزز مشاركتها في صنع القرار وحل النزاعات.
لذلك علينا أن نسهم في إعطاء المرأة حقّها في اختيار مسارها، ولكن الاكتفاء به من دون تثقيف الرجل بحقوقها سيشكل عائقاً أمام مشاركتها التنموية، كما أن القوانين المجتمعية الحالية تحدّ من مساهمتها وتعيق تقدمها.
( أنتجت هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية)