رانيا محمد بازل
قضية التحرش والاغتصاب من القضايا ذات السياقات التاريخية الطويلة، ولكن في ظل ما تعيشه بعض البلدان من حروب وفقدان للأمن وما يصاحبها من أوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية سيئة في الوقت الحالي أدت إلى تفاقم المشكلة في مقابل قلة الوعي المجتمعي الذي ينظر إلى هذا النوع من القضايا على أنها مصدر لجلب العار توصم به الضحية وأسرتها.
وفي ظل التنامي لظاهرة العيب والخوف من الفضيحة بالإضافة إلى عجز الجهات المعنية في تقديم الحلول الجذرية لتلك القضية وصعوبة تحديد أسباب الظاهرة مقابل الانتشار الكبير لها، ومع ضعف الثقة بالمؤسسة القضائية والقوانين التي تتسم بالضعف والهشاشة تنص في موادها على معاقبة الجاني بعقوبة مدتها 7 سنوات على جريمة اعتداء بالاغتصاب لأي شخص ذكر كان ام انثى بدون رضاه٬ ولا تقل عن سنتين ولا تزيد عن عشر سنوات إذا ارتكب الجريمة من المتولين الاشراف على المجني عليه أو حمايته أو تربيته وهذه القوانين لا تعد رادعة ومازالت تعاني من الضبابية في نصوصها. والحقيقة قد يلجئ الأهالي إلى تسوية النزاعات الناتجة عن الأسباب السابقة بشكل عرفي وقبلي عن طريق تزويج المرأة بالمغتصب للتخلص من وصمة العار الذي قد يلحق بأسرة الضحية ويعرضها للنبذء والامتناع عن التعامل أو التزاوج معها، وفي أسواء الأحوال يتم قتل الضحية من قبل أولياء الأمر للتخلص من هذا العار وتطهير سمعة العائلة وسط المجتمع الذي يعامل المغتصب كرجل يعود لممارسة حياته الطبيعية بينما يعنف الضخية ويحملها عواقب هذا الجرم.
من جانب أخر، تتعرض أسرة الضحية نفسها إلى الاعتداء من بعض المسلحين من أهالي المغتصب أو بعض القبائل المجتمعية. مثال على ذلك، تم الاعتداء على إحدى الأسر في مدينة تعز بعد أن تعرض طفلها للاغتصاب من قبل أحد أفراد مسلحين وفقا لتقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية، أصيب جراء هذا الإعتداء أفراد الأسرة وقتل أحدهم.
في الآونة الأخيرة لم يشمل الاغتصاب النساء فقط بل امتد إلى الأطفال الذين يحتلون المرتبة الأولي من بين الفئات الأكثر عرضة للإغتصاب، بالإضافة إلى المعتقلين في السجون سواء في المناطق الجنوبية أو الشمالية. ووفق تقارير الكثير من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية يتم إرتكاب العديد من حالات الاغتصاب، في ظل التجاهل القضائي المحكوم بالمصالح السياسية والسلطوية والانتماءات الأيدلوجية. لم تقوم هذه الجهات المعنية بحماية حقوق المواطنين بما يجب عليهم القيام به من إجراءات ضد الجاني بل يتم السكوت عما تتعرض له أسر الضحايا من تهديد للتراجع عن الشكاوى والا سوف يتعرضوا للإيذاء أو القتل مما يدفع العديد من الأسر للتخلي عن حقوقهم القانونية من العدالة الجنائية.
وأدى غياب الإحصائيات الدقيقة عن عدد ضحايا الاغتصاب إلى تهميش هذه القضية. ولم يتم تناولها بشكل جدي من قبل المجتمع ولم تتناولها وسائل الإعلام الرسمية والغير رسمية، بالإضافة، إلى تلاشي حملات المناصرة والضغط بشكل مفاجئ دون أن تحدث أثر حقيقي، في الخلاصة، إن الأثار المترتبة لقضية الاغتصاب أو التحرش الجسدي تمتد إلى المستقبل وتأثر على مستقبل الضحية وأسرتها، وخلق مجتمع عدواني متفسخ من الاخلاق والقيم وانتشار الفوضى، الأمر الذي يتطلب تدخل عاجل من قبل الجهات الحقوقية والإنسانية في توفير الدعم القانوني للضحية وأسرها، وكذلك قيام المؤسسات الرسمية بشكل عاجل بتوفير الحماية للضحية وأسرتها من القتل أو التعرض للإيذاء. أيضا، عليا نحن مجتمع الناشطين والمجتمع المدني التحرر من الصمت تجاه هذه القضية ومناشدة مناصرة حقوق الضحايا ومعاقبة الجاني حتى لا يعود لهذا المشكلة بيئة خصبة ترحب بالجاني وتعاقب الضحية. ومن أجل التصدي لمثل هذه الجرائم لابد من أعادة النظر للقوانين وتشديد العقوبات على الجناة للحد منها.