فهمي محمد
العقل السياسي أم الأحزاب السياسية ؟
منذ عقود يعيش اليمنيون محنة فشلهم المكثف مع مستقبل الأجيال القادمة لاسيما فيما يتعلق بتحقيق فكرة الخلاص الثوري والانتصار السياسي لوجود الدولة والوطن أو حتى الفشل في التمكن من إنتاج شروط التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية التي يؤسس وجودها كشروط موضوعية / فاعلة / للقطيعة التاريخية مع واقع اللادولة وواقع اللا وطن في اليمن ، ومع أن الأحزاب السياسية تظل هي أدوات الحاضر الأكثر نجاعة في مضمار الفعل السياسي / ناهيك عن كونها الأدوات المعنية بمسألة التغيير وقيادة مساره نحو المستقبل الذي يجب أن يكون ، إلا أن الأحزاب السياسية في اليمن وجدت نفسها عند الكثير هي المتهمة في هذا الفشل الذي صنعه العقل السياسي اليمني .
على هذا الأساس في تحميل المسؤولية تجاه الأحزاب السياسية وصل الحال لدى بعض المتعلمين والأكاديميين اليمنيين للإيمان بدعوة الكفر السياسي تجاه الإنتماء الحزبي وهو ما سوف يشكل قيمة مضافة لصالح دعاة التكفير الديني في حق التعددية السياسية والديمقراطية لاسيما وأن هذه الأخيرة تقوم في الأساس على وجود أحزاب سياسية مدنية تعبر عن تطلعات الشعوب التي انتصرت تاريخياً بعد نضال طويل لمفهوم الدولة المدنية بعد أن تحول المجتمع بفعل الصيرورة إلى شعب سياسي .
العقل السياسي في اليمن « منذ قرون » هو في الأساس عقل سياسي / سلطوي / إقصائي / لا يؤمن بوجود الآخر ، ولم تشكل قيم التمدن مصدر من مصادر تكوينه ، لهذا نجده على الدوام يمارس ثقافة الإقصاء والغلبة على الآخر ، بل يستخدم عناصر القوة والسلاح ويفجر الحروب في سبيل تحقيق ذلك قبل أن يشهد اليمنيين نشأة الأحزاب السياسية مع بداية الخمسينات من القرن الماضي .
العقل السياسي في اليمن هو في الأساس نتاج ثقافة سياسية/ تاريخية/ أحادية / استبدادية / مصدرها في التكوين الجمعي قيم القبيلة التي تحولت في اليمن إلى قبيلة سياسية ، ناهيك عن قيم المناطقية والمذهبية والجهوية وحتى عوامل التضاريس والجغرافية ، هي في كل الأحوال ثقافة مجتمع قبلي مناطقي مذهبي عصبوي لم يتحول بعد إلى شعب سياسي ، لهذا يقول القرآن الكريم={ وجعلناكم شعوب وقبائل لتعارفوا} وما يفهم من سياق الآية الكريمة أن مفهوم المجتمع القبلي غير مفهوم الشعب ، فكل واحد يعبر عن واقع حال يعيش الإنسان في ظله ، كما أن مسار التطور في حياة الإنسان يقول إن المجتمع تكون على أساس تجاوز مرحلة الفردانية ، ثم تحول المجتمع بفضل عوامل التمدن إلى شعب بعد أن تخلى المجتمع عن ثقافته العصبوية قبلية أو مذهبية أو مناطقية ذلك على سبيل المثال وليس الحصر ، لصالح قيم التمدن الحرية والمواطنة ، ما يعني في النتيجة أن العقل السياسي العابث في اليمن هو نتاج ثقافة مجتمع تقليدي وليس ثقافة شعب سياسي لأن هذا الأخير مايزال في مرحلة التخلق الذي يسبق التكوين الوجودي .
سوف يستمر فشل اليمنيين مع فكرة التغيير التي تتوخا المستقبل ، لكن هذا الفشل يعبر في المقام الأول عن فشل العقل السياسي اليمني الذي هو انعكاس طبيعي للثقافة السياسية التقليدية الفاعلة ، وليس عن فشل الأحزاب السياسية التي تعد انعكاس للطموح السياسي نحو المستقبل الذي يجب أن يكون في اليمن ، ناهيك أن الأحزاب السياسية في محطات كثيرة خاضت معارك كبيرة مع العقل السياسي اليمني حتى وهي أحزاب سلطة حاكمة كما حدث في الجنوب، لا يعني هذا أننا نجعل من الأحزاب السياسية صراط مستقيم نحو عبور « المضيق » بل يعني أن فشل التغيير في اليمن يعبر عن إشكالية تاريخية سياسية ثقافية اجتماعية أكبر من أن تتحملها فكرة التعددية السياسية بحد ذاتها وعلى هذا الأساس تكون الأحزاب السياسية مقصرة في عملية تفكيك هذه الإشكالية وعدم الاشتغال عليها بكونها أدوات كفاح وتغيير ، من هذه الزاوية تكمن أهمية نقد الأحزاب السياسية ، اقصد نقد دور الأحزاب وليس الذهاب إلى هدم فكرة التحزب السياسي في اليمن.
نستطيع القول بأن تجربة الثورة والسلطة في يمن ما قبل الوحدة قادرة على أن تقدم لنا صورة تفصيلية لليمن واليمنيين مع وجود العمل بفكرة التحزب السياسي ومع عدم وجودها وما هي مألات ذلك على مستقبل اليمنيين بشكل عام – حتى اليوم – هذا من جهة أولى ومن جهة ثانية تستطيع نفس التجربة ={ الثورة والسلطة } أن تجيب على سؤال القيمة التاريخية والوطنية للأحزاب السياسية اليمنية فماذا يعني الحديث في تلك الاستطاعتين ؟
يتبع…