تحقيق / ريَّان أحمد (اسم مستعار)
“المَنسيّون في اليمن” عبارة يرددها بعض التهاميين حيث يرون أنها أصبحت مرتبطةً بالواقع المفروض على تهامة أرضاً وإنساناً، ويصفون بها فداحة وضعهم المعيشي والوظيفي بالدولة منذ عقود من الزمن.
قد يتساءل الكثير عن القضية التهامية و مظلومية أبناء تهامة و تهميشهم، والإقصاءات التي تنالهم، وكثيراً ما نسمع أو نقرأ عنها في منصات ووسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإعلامية.
في هذا التقرير سنقوم بالتحقق عن ما يتم تداوله عن إقصاء الكوادر التهامية من المناصب السياسية في الدولة، وكذلك عن مدى صحة استغلال أرض وثروات تهامة الزراعية ومينائها من غير أبناء تهامة. كما سيسلط التقرير الضوء على التهميش الممنهج لمواهب وأصوات تهامة الفنية والأدبية.
ماهي تهامة؟
تقع منطقة تِهامة غرب اليمن، من مدينة ميدي في محافظة حجة، عبوراً بميناء مدينة الحُدَيْدَة الإستراتيجي، إلى السهل الساحلي للبحر الأحمر على طول الطريق المؤدي إلى مضيق باب المندب الإستراتيجي وتعتبر المنطقة الأكثر تجانساً سكانياً واجتماعياً وثقافياً وبيئياً، وتحمل موروثاً ثقافياً واحداً، ولها تضاريس واحدة ونشاط اقتصادي متكامل وخصائص جغرافية متنوعة بين سهل وجبل وبحر.
معارك وبطولات مغيَّبة من المناهج التعليمية
شهدت منطقة تهامة عدداً من المعارك والحروب التي خاضها أبناؤها وأبناء قبائلها على امتداد فترات متعاقبة من الزمن، ضد قوى الاستعمار البريطاني، والعثماني، وانتصاراتهم الباسلة التي سطروها، وإلحاق الهزائم الساحقة بجيوشهم، وما تلا بعدها من أحداث بطولية حققها التهاميون، وصولاً إلى مقاومتهم الشرسة ضد الحكم الإمامي، وقوى التغيير العنصري، ناهيك عن أنَّ تهامة كانت بوابة فك الحصار عن الجمهورية، وبالرغم من كل هذا التاريخ الناصع ؛ إلا أن تهميشها كان هو المقابل الذي قوبلت به منذ أول سلطةٍ جمهورية وإلى اليوم.
ولعل التهميش الأكبر الذي مورِسَ وما يزال يُمارَس ضد أبناء تهامة إلى جانب تجهيلهم.. هو إغفال المناهج التعليمية اليمنية لتاريخ تهامة ونضالهم الأسطوري، والملاحم البطولية التي خاضوها، إذ لم تأخذ القدر المطلوب من التعريف والإشادة بها، أو الاهتمام الأكاديمي من حيث البحث و الدراسة، أو حتى تسليط الضوء عليها وعلى تضحيات الأبطال والشهداء الذين سقطوا بتلك المعارك والأحداث التي شهدتها منطقة تهامة في ساحات الوغى ؛ بعزيمة وشجاعة رجالها البواسل والشجعان، ورجال قبائلها الأشاوس ومن ضمنهم قبيلة الزرانيق التي هي أكبر وأشهر قبيلة في منطقة تهامة.
يتحدث د. عبدالودود مقشر، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المشارك بجامعة الحديدة، بأن تهميش وإقصاء أبناء تهامة ليس وليد اللحظة، بل هو متجذّر ومستمر تاريخياً منذ عقود طويلة، وبأشكال متعددة، ويضيف ” عانى التهاميون من التهميش والإقصاء في بلادهم، ولم يحسّوا أو يشعروا بالمواطنة بل المواطئة على الاستهزاء بكل ما يتعلق ببلادهم ؛ رغم أن القادمين إليها والهابطين بها هم ضيوف عليها وعلى ناسها…وهكذا كان الحال والمآل حتى قامت الثورة اليمنية في 26 سبتمبر فإذا الوضع أسوأ بكثير مما كان، وتم الاستيلاء على أراضيهم”.
الأكثر فقراً في اليمن!!
يعيش التهاميون فصولاً متنوعة من المعاناة والفقر المدقع، وبالرغم من أن تهامة غنية بخيراتها وثرواتها الهائلة؛ إلا أن إيراداتها تذهب للمتنفذين والتجار وللمسيطرين عليها.
أُطلِقَ على تهامة “سلة اليمن” لما تتمتع به من مساحات زراعية واسعة وأراضٍ خصبة، تنتج مختلف المحاصيل من الفواكه والخضروات، تغطي بها ثلث الإنتاج المحلي في اليمن، إلا أن أغلب تلك المزارع وأراضٍ أخرى بالحديدة يتم نهبها والاستيلاء عليها من قبل رجال مال وأعمال ومشائخ ومتنفّذين و عسكريين وقياديين بالدولة بينهم وزراء وبرلمانيين حسب ما أوضحه تقرير اللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق حول قضايا الأراضي في محافظة الحديدة، الصادر بتاريخ 5 أبريل 2010، والذي كشف عن 148 شخصية متورطة بنهب الأراضي في الحديدة ،كما وثَّق التقرير 400 حالة اعتداء على أراضي المواطنين، و 106ملف شكاوى لمواطنين تم نهب أراضيهم.
يوسف عبدالله 39 عاماً، يعمل منذ ثمان سنوات في مزرعة لمسؤول سابق بالدولة (رفض يوسف الكشف عن اسمه لأسباب أمنيّة)، تبعد المزرعة حوالي 800 متر، عن منزله الكائن في أرياف مديرية الضحي شمال مدينة الحديدة.
في حديثه للخيط الأبيض أوضح أن المزرعة والتي تقدر مساحتها حوالي (4400 متر مربع) ، حدث عليها مشاكل سابقة قبل 17 سنة تقريباً ؛ تتعلق بقضايا سطو ونهب على أرضيتها قبل أن تصبح مزرعة، و كانت تتبع ملكيتها لأشخاص من القرية ؛ إلا أنهم تفاجأوا ذات يوم بنزول هذا المسؤول ومعه أفراد مسلحين قاموا بتحديد الأرضية وعمل أسوار ترابية على أطرافها.
ويضيف يوسف “حدث حينها نزاعات بين أصحاب ملكية الأرض وبين المسؤول، وانتهت في آخر المطاف بدفع الأخير مبالغ زهيدة ثمناً للأرضية، مقابل التنازل عنها، والتي قبلوا بها بعد تدخّل بعض الوجاهات ؛ لعدم احتفاظهم بالوثائق التي تثبت ملكيتهم لها رغم شهادة الكثير من أبناء المنطقة بملكيتهم للأرض”.
يتابع “بعد أسابيع نزلت حرَّاثات تقوم بتسوية الأرض لجعلها أرض زراعية، ومنذ ذلك الحين وإلى اليوم تنتج هذه الأرض محاصيل زراعية متنوعة، كالذرة والسمسم والحبحب والبطيخ والبسباس ، يشرف عليها أشخاص من طرف المسؤول، بينما أغلب العاملين فيها من أبناء المنطقة، ويتم تصدير المحاصيل لمختلف المناطق والمحافظات اليمنية”.
وعن الأجرة التي يتقاضاها العاملون مقابل العمل بها يقول يوسف بأنها لا تتجاوز ألف ريال يمني لليوم الواحد، أي ما يعادل ( 1.66 دولار أمريكي) وفترة عملهم تكون في أيام حصد المحاصيل.
ماذا عن ميناء الحديدة؟
ميناء الحديدة وهو ثاني أكبر الموانئ البحرية اليمنية..هو الآخر تذهب إيراداته للمسيطرين عليه، ويُحرم منها أبناء تهامة الذين يفتك بهم الجوع والفقر ومختلف الأمراض.
يغطي ميناء الحديدة حوالي 70 إلى 80 % من إيرادات اليمن ؛ خصوصاً بعد السيطرة عليه من قِبل جماعة أنصار الله ( الحوثيين) أواخر عام 2014م واعتمادهم بشكل كبير ورئيسي على عائداته في استمرار تغذية صراعهم وحربهم مع قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات التي اشتعل فتيلها بتاريخ 26 مارس 2015 في ما يُعرَف بعملية عاصفة الحزم.
لم يتوقف التهميش والإقصاء لأبناء تهامة عند ذلك فحسب؛ بل يتم حرمانهم من مختلف الوظائف وخصوصاً القيادية والإدارية والقضائية والمناصب الأمنية العليا، وتذهب جميعها لأبناء المحافظات اليمنية الأخرى
تحليلات وأرقام
وبحسب بحث إحصائي واستقصائي قام به معد التحقيق أسفرت عنه هذه التحليلات والنتائج :
يسيطر على إدارة الوحدات الحكومية والمكاتب والهيئات الإدارية بمحافظة الحديدة كالتالي:
* أبناء المحافظات الأخرى يمثلون نسبة 70.6% ، إذ يستحوذون على 44 إدارة من أصل 62 وحدة وهيئة ومكتب حكومي بالمحافظة، بينما نسبة تمثيل التهاميين منها 29.4%، إذ بلغ عدد الإدارات التي يديرونها 18 إدارة من أصل 62 وحدة وهيئة ومكتب حكومي بالمحافظة.
* القطاعات الأمنية والبحرية وقطاعات الشرطة والقطاعات الجمركية والإيرادية بمحافظة الحديدة لم يتم تمثيل أي تهامي في إدارتها أو قيادتها عدد الوزراء التهاميين في الحكومات اليمنية المتعاقبة من عام 2001 إلى يناير 2022
* يمثل التهاميين وزيراً واحداً في حكومة عبدالعزيز بن حبتور الحالية والتي تخضع تحت سلطة الحوثيين، الذي هو الدكتور – حسين مقبولي نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية بينما لم يتم تمثيل أي تهامي في حكومة معين عبدالملك المعترف بها دولياً.
* مثَّل لأبناء تهامة في حكومة بن دغر وزير واحد وهو :الدكتور/ عزي هبة الله شريم- وزير المياه والبيئة
* لم يمثل أحد من التهاميين في حكومة بحاح المصغّرة.
* مثل التهاميين في حكومة بحاح الأولى وزير واحد هو: الدكتور /عزي هبة الله شريم – وزير المياه والبيئة.
* مثّل التهاميين في حكومة باسندوة وزيران هما الأستاذ / صخر الوجيه -وزير المالية، الدكتور / شائف عزي صغير- وزير الدولة عضو مجلس الوزراء.
* مثَّل التهاميين في حكومة علي مجور، وزيران، هما: الدكتور /إبراهيم عمر حجري – وزارة التعليم الفني والتدريب المهني، والدكتور /شائف عزي صغير – وزير الدولة عضو مجلس الوزراء.
* مثّل التهاميين في حكومة عبدالقادر باجمال الثانية (بعد التعديل الوزاري بتاريخ 11 فبراير 2006 ) وزير واحد هو: الدكتور/ جلال إبراهيم فقيره – وزير الزراعة والري.
* مثَّل التهاميين في حكومة عبدالقادر باجمال الأولى وزير واحد هو الأستاذ / أحمد سالم الجبلي- وزير الزراعة والري.
استبيان
قام معد التحقيق بعمل استبيان يدوي إلكتروني على عينة عشوائية طبقية من سكان محافظة الحديدة، شارك في الإجابة عنه (34) من الذكور والإناث.
حيث كشفت نتائج التحليل للبيانات أن ما نسبته (100%) يقولون أنه يوجد فعلاً تهميش لأبناء تهامة.
هل التهميش متعمد ؟
أوضحت نتائج التحليل أن مانسبته (94.1% ) يقولون أنه تهميش متعمَّد وما نسبته (2.95%) يقولون بأنه تهميش ممنهج ومدروس مسبقاً، بينما ما نسبته ( 2.95%) يقولون بأنه تهميش غير متعمّد.
– وحول نتائج تحليل سؤال عن تأثيرات هذا التهميش على أبناء تهامة ( سؤال متعدد الخيارات)،أجاب عليه 9 من المشاركين في الإستبيان، وبما نسبته (33.3%) بأنه سيُحدث تأثيراً نفسياً، وبما نسبته (66.7%) قالوا بأنه يُحدِث فقدان ثقة بالحكومات، وبنسبة ( 55.6%) قالوا أنه يعمل على زعزعة الثقة الداخلية بين التهاميين، وبنسبة(88.9%) قالوا أنه يحدث الشعور بالإحباط وخيبة الأمل لدى التهاميين، وبنسبة (55.6%) بأن تاثيرات التهميش ستولّد حالة عنف وغضب بين أوساط المجتمع التهامي.
وحول أنواع التهميش (سؤال متعدد الخيارات) أجاب عليه 34 من المشاركين وكانت نتائج التحليل كالتالي :
أجاب بما نسبته (11.8%) بأنه تهميش في الخدمات، وبما نسبته( 17.6%) تهميش في المناصب القيادية والإدارية، وبما نسبته( 8.8%) بأن نوع التهميش عنصري، وبما نسبته (17.6%) أنه تهميش وإقصاء للكوادر التهامية المؤهلة، وبما نسبته ( 91.2%) أجابوا على خيار ( كل ما سبق)
ماذا عن الشعراء والأدباء والمبدعين في تهامة.؟
الشعراء والأدباء والفنانون والمنشدون والمثقفون من أبناء تهامة لم يسلموا هم أيضاً من التهميش، ففي حين تفخر البلدان بمبدعيها وتدعمهم ماديّاً ومعنوياً وتساندهم وتشجعهم وتظهرهم للمجتمعات وتفتح لهم الأفق نحو العالم؛ يُقابل المبدعون باليمن وتهامة خصوصاً بالتهميش والحِرمان، بل -للأسف -يتم محاربتهم ودفن مواهبهم وتغييبهم عن المشهد.
الأديب والناقد أ.سالم مهيم، موسوعة علمية ونابغة أدبية، عانى كثيراً من التهميش وتدخلات الأحزاب السياسية ومحاربتهم له، والتي ألقت بظلالها، إلى توقف تدفقات إنتاجاته الأدبية والشعرية اليومية، وكبح رغبته التي أشعلها لإحداث ثورة أدبية؛ كان قد رسم ملامحها وبدأها لإثراء المشهد الثقافي والأدبي في إطار مدينته الدريهمي الواقعة جنوب مدينة الحديدة،
عند مشاركته في تأسيس منتدى الدريهمي الأدبي والثقافي ، أظهر من خلال أنشطة المنتدى عدداً كبيراً من الموهوبين بالمديرية، وعمل على إقامة أنشطة أدبية وحفلات مسرحية وفنية جمعت الفن والإنشاد والشعر والقصة والمسرح ومختلف الفنون، وجعلت للمنتدى الأدبي مكانةً عالية ومرموقة و صِيتٌ ذائع، وأصبح قِبلةً للموهوبين، كل ذلك كان بجهود ذاتية، كما تمكّن من إصدار أول مجلة أدبية وثقافية بالمديرية، فتَحَت له حينها الأفق والأبواب المغلقة، وكانت المحطة الأولى لإخراج نشاطه المنحصر في محيط المديرية ليتوسّع بعدها إلى مركز المحافظة.
اندمج وتعرَّف على عدد من الشعراء والأدباء والمثقفين، وأعضاء من فرع اتحاد الأدباء والكتَّاب بالحديدة، وحينها تم تعيينه مسؤولاً ثقافياً على إحدى المنتديات، وعمل على توسيع الأنشطة الأدبية والثقافية، وتابع إصدار العدد الثاني من المجلة ولكن سرعان ما حاول المتحزبون السياسيون تجييرها لصالحهم،
كان موعوداً بطباعة ديوان شعري له، ولكن تغيَّر الوعد، وانحرف المسار ؛ليذهب في آخر المطاف لطباعة ديوان لشخصية أخرى بارزة من خارج المحافظة.
ومثل كل أحلام وآمال التهاميين سرعان ما تتكالب هجمات الانغلاق والتسلُّط لتقضيَ عليها وينطفئَ وهجُها !.
- تم إنتاج هذه المادة بالتعاون مع منصة الخيط الأبيض