تقرير – سميرة عبداللطيف
جدران هشة وسقوف منخفضة مغطاة بطرابيل، هذا كل ما تملكه أسرة نعمة وغيرها من الأسر المهمشة في ظل شتاء قارس تنتشر فيه الأوبئة والأمراض.
ففي مثلث مرعب يحاصرهم الموت من جهاته الثلاث فإما أن يموتوا جوعاً ، أو يموتوا بآلة الحرب ، وإن كتب لهم النجاة من هذه وتلك ، فالأمراض والأوبئة لهم بالمرصاد .
وبأيادي مرتعشة ،وعيون تترقب المجهول ، وجد مهمشوا قرية هوب القرن في مديرية المواسط جنوب بمحافظة تعز انفسهم خارج أسوار المجتمع مجردين من أبسط حقوقهم الإنسانية، لا يملكون سو مهنة واحدة (بيع المكانس) وبشرة سمراء وصفة قاصر يحملونها معهم اين ما ذهبوا.
حياة منسية
حياة منسية لأناس يطلق المجتمع عليهم مصطلح تميزي (الأخدام) يعيشونها في مساكن هشة نصبت فوق أرض لا يملكونها، ويفتقرون فيها لكل ما يليق بالعيش الكريم للإنسان، حيث تقول “نعمة” إحدى نساء القرية ” بيوتنا مقابر نرقد ونستيقض والخوف يملئ قلوبنا من سقوط الجدار فوقنا”.
وتعيش نعمة وغيرها من الاسر المهمشة في أكواخ من المنازل الهشة والتي تتكون من الكراتين وبعض الاقمشة الممزقة، وتخشى من سقوط الخيمة وانهيارها، ومن تحاشي ذلك تآمر اطفالها والذين لا يزيد عمر اكبرهم ١٣ عاماً، بالذهاب الى جلب الماء الأحجار الصغيرة والكرتين لسد الشقوق والفراغات التي غزت الجدران.
وبأيديها الكادحتان تحاول نعمه ترميم ما تسميها شبه منزل وهي تصف افتقاره الى أبسط خدمـات الصرف الصحي حيث تتشارك أكثر من اسرة في دورة مياه واحدة إن وجدت ، فيما يكتفي البعض بعمل حفرة صغيرة لقضاء حاجاتهم.
وتروي نعمة ل”المواطن” مأساة تعيش تفاصيلها مع دوران عقارب الساعة، وسط تكالب متعدد ومكلف على حياتها وأبناء القرية، فتقول “نضطر غالباً إلى النوم خارج المنزل بين البرد والريح خوفاً من وقوع البيت فوق رؤوسنا” .
ويتشارك الحاج عبدالله أحمد 70عاماً وجميع أفراد عائلته بمافيهم نعمة، النوم في العراء بعد انهيار منزله، فاتخذ من قطع القماش الممزق مسكناً له.
يقول عبدالله ” نشتي نستتر حتى بخيمه زي الناس ” امنية عبدالله أحمد في إيجاد مأوى له ولأسرته تتلاشى في ضل ظروفه المعيشية الصعبة والمرض الذي يفتك بجسده السبعيني.
لاتختلف مساكن المهمشين في المدن على مهمشين القرى فعلى إثر تزايد أعداد “المهمشين” في المدن، استحدثوا أكواخهم على أطرافها، مشكّلين تجمعات عشوائية تسمى محلّياً بـ”المحاوي”. يتكون “المحوى” من عشرات الأكواخ، ويمكن أن يصل إلى المئات منها. غالباً ما يُبنى الكوخ (” باللهجة اليمنية) من الكرتون المقوّى وصفائح الزنك وقطع الأخشاب الصغيرة.
يتسائل مهمشين قرية هوب القرن عن مدى صمود منزلهم امام وضعهم الراهن وماذا سيكون مصيرهم عند هطول الأمطار والسيول هذا الموسم.
حياة على الهامش
يقبع موقد الطهي بارداً أمام خيمة الحج عبدالله دلاله على أنه لم يتناول وجبة الإفطار هو وعائلته هذا الصباح الأدهى من ذلك حين أكد الحج عبدالله أنهم لم يتناولوا وجبة العشاء البارحة أيضاً هو وأسرته.
يشير عبدالله إلى كومة صغيرة من الرماد التي تحيط بها الحجارة، قائلاً ”هذا هو المكان الذي نطبخ فيه، وهذا هو المكان الذي ننام فيه ، وغالباً لا نجد ما نأكله وا نكتفي يوجبه واحده “.
في ضل الظروف المعيشية الصعبه التي يتشاركها مهمشوا هوب القرن يجمع الجميع على عدم وصول أي مساعدات إنسانية واغاثيه قائلين ” نسمع عن الاغاثات والمنظمات لكن محد قد جاب لنا شي “.
على الرغم من أن الوكالات الإنسانية غالباً ما تعرض صور المهمشين في حملات جمع التبرعات والدعاية التي توثق الأزمة اليمنية إلا أن المساعدات الإنسانية التي تصل لمجتمع المهمشين في الريف هي أقل اتساقاً بكثير من المجموعات الأخرى، وفي بعض المناطق الريفية تم إقصاء المهمشين من قوائم المساعدات الإنسانية كما هو حال مهمشي قرية هوب القرن التابعة لمحافظة تعز.
يصف الحج عبدالله عيشتهم بالمأسويه في ضل الجوع والفقر الذي يلحق بهم ويحاول عبدالله بجسده النحيل المتعب جمع سعف النخيل لصناعة المكانس وهي المهنة الذي يمتهنها مهمشوا قرية هوب القرن فيما يتدفق المهمشين إلى المدن كعمال نظافة، وعمال صرف صحي، وخرّازين (خياطي أحذية تحديداً) .
واردف عبد الله بنبرة شك في أن يكون للتعليم أثر من أجل تحسين مستقبلهم ووضعهم المادي بأي من الأحوال، نظراً لأن ”المهمشين“ غالبًا ما يكون لديهم بدائل قليلة من حيث الوظائف الوضيعة ذات الاجر المنخفض حسب قوله.
يرى رئيس اتحاد المهمشين نعمان الحذيفي بأن معاناة المهمشين في المناطق الريفية لا تختلف كثيراً عن معاناة اقرانهم في المدن الحضرية فالجميع يعاني من التهميش والاقصاء اجتماعيا وتدهور أوضاعهم اقتصادياً إلا أن المعاناة تبدو أكثر لمن هم يعيشون في الريف كون خياراتهم في تأمين فرص سبل العيش أقل من سكان المدن” .
المزيد من التهميش
ساعدت الطبيعة القبلية المتوارَثة في اليمن على فرز تراتبية اجتماعية على أساس الأصل، والمهنة، والملْكية، وكان لها أثر كبير في إزاحة فئة المهمشين إلى أدنى هوامش الحياة.
ويقول سعيد علي ” من زمان المهمشين عايشين بهذا البقعه وحدنا ما يحد يختلط بنا ولا نختلط بحد وعادوا بعض القبائل يشتوا يخرجونا من البقعه “.
وإزاء هذا التمييز الذي يقارب الاستبعاد، تماهى المهمَّشون مع كينونة نمطية عززها المجتمع القبلي بمختلف أعرافه وتقاليده في عموم مناطق البلاد. لكن من الواضح أن كلمة واحدة ظلت تؤلم المهمشين على امتداد أجيال: “خادِم”. وهو ما يفسر قبولهم بوصف “المهمَّش” كأفضل البدائل للتخلص من ذلك التعريف المُهين.
من جانبه يقول سعيد علي ٣٦ عاماً ” من لما عرفت نفسي ونحن نعيش بهذا البقعه معزولين وحدنا لا نختلط بأحد ولا حد يختلط بنا لأننا مهمشين بس “.
واضاف سعيد بنبرة حزن ” احيان يجوا بعض القبائل يشوا مننا نخرج من البقعه والبعض يرفض فكرة يبيع أو يشتري من مهمش كانوا نحن مش من فئة البشر”.
من مأساة المهمشين في أنهم لا يستطيعون التصرف كمواطنين أنداد لغيرهم بدون أن يُشهَر في وجوههم ذلك الوصف المهين: “خادم”. وإلى ذلك، لا يشارك القبليون في أفراح المهمشين ومأتمهم.
ويرى الباحث الاجتماعي وعضو في مؤتمر الحوار الوطني عيبان السامعي” بأن الاعراف والعادات اليمنية لعبت دورا كبيرا في ترسيخ فكرة عدم اختلاط المهمشين والقبائل.. مضيفاً بأن بعض الاعراف اليمنية تأخذ طريقها بأن تكون دساتير مسلماً بها مع مرور الوقت”.
في مطلع الألفية الثالثة كان تحولاً فارقاً بالنسبة للمهمشين بسبب اهتمام المجتمع الدولي بتحسين وضعهم الإسكاني والتعليمي، وتمكينهم من الوظيفة العامة بدون تمييز. على إثر هذا الاهتمام الذي رافقته ضغوط دولية على الحكومة، برزت أصوات نشطاء مدنيين من المهمشين الذين انخرطوا في التعليم، وطوروا مهاراتهم الثقافية بجهود ذاتية فيما تضمنت النسخة النهائية لوثيقة الحوار 11 نقطة، كموجهات دستورية وقانونية لمعالجة أوضاع المهمشين.
وجميع تلك النقاط تصب في سياق الاعتراف بحقهم في المواطنة المتساوية في جميع مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية، بما في ذلك تمكينهم من الوظيفة العامة والوظائف العليا والالتحاق بالمؤسسات الأمنية والعسكرية بدون تمييز. لكن قبل دخول تلك الوثيقة حيز التنفيذ، اندلعت الحرب التي لم تتوقف منذ خمس سنوات.
وبإمعان النظر في انقسام المهمشين على طرفي الحرب، فهو يبدوا انقساماً موازياً لانقسام المجتمع الكبير وليس جزءاً منه. ذلك أن انقسام المجتمع الكبير حدده تضارب في المصالح السياسية والفئوية، وشكلت الهويات القبلية والمناطقية المتعالية على الجامع الوطني، ملاذاً للمنقسِمين ومنطلقاً لهم في الوقت نفسه. أما المهمشون فلم يحدث أن تشكلت لديهم أية مصالح من هذا النوع، ك. فالتمييز الذي تواجهه هذه الفئة هو اجتماعي في المقام الأول.
وإذا كانت علاقات مكونات المجتمع الأخرى غير متعافية إلى درجة زعزعة الاستقرار السياسي، فأيّة درجة من الاستجابة يمكن أن يبديها مجتمع بهذا الوضع لدمج المهمشين فيه، أو حتى الاعتراف بخصوصيتهم كأقلية.
مهمشون بالأرقام
ادى احتدام النزاع المستمر منذُ مارس/آذار ٢٠١٥ إلى زيادة الفقر والتشرد وانعدام الأمن الغذائي والصحي ضمن مجتمعات مهمشين الأرياف هذه المعاناة التي تضاعفات مع خطر تفشي الأمراض والأوبئة خاصه مع انتشار جائحة كوفيد 19 مؤخرا ً مما جعلهم في صفوف الاولى لمواجهة الموت دائماً ، كونهم يعيشون في ظروف يستحيل فيها الوقاية والعلاج.
وفي الوقت الذي يشكل المهمّشون 12 في المئة من إجمالي سكان اليمن، وفق آخر تعداد سكاني في العام 2004. أكد هذه الإحصائية رئيس “الاتحاد الوطني للمهمشين في اليمن”، نعمان الحذيفي، بلغت اعدد النازحين في المناطق المحررة في اليمن الى 445 ألفاً و410 أسر بما يعادل مليونين و827 ألفاً و686 نازحاً، يتواجد منهم في المخيمات 78 ألفاً و668 أسرة، مؤلفة من 403 آلاف و381 شخصاً، فيما بلغ عدد الأسر النازحة في المنازل 366 ألفاً و742 نازحاً بإجمالي مليونين و424 ألفاً و305 نازحين، بحسب الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين.
فيما تسقط احصائياتهم من قائمة كوفيد19اليس لعدم اصابتهم بل لأنها لا تتوفر احصائيات ومعلومات عن إصابة المهمشين في هذا الوباء كما قال نعمان الحذيفي ومشيراً بقوله ” ان يأتي الله بالبرد على قدر الدفاء وهي رحمة من الله بهذه الفئة التي تعيش في ظل أوضاع انسانية بالغة الخطورة.